قال الدكتور مرزوق اولاد عبد الله عضو المجلس العلمي المغربي لأوروبا وإمام المسجد الكبير بهولندا ل»التجديد» إن القسم الأكبر من المغاربة اندمجوا في المجتمع الهولندي مع الحفاظ على هويته المغربية، وأشار في حوار مع «التجديد» إلى أن المسلمين في هولندا يتوفرون على 40 مدرسة إبتدائية إسلامية وثانوية إسلامية، كما يتوفرون على لجنة إسلامية للاتصال بالحكومة الهولندية، ومهمة هذه اللجنة تقديم النصح إلى الحكومة الهولندية، كما يتوفرون أيضا على العناية الروحية الإسلامية في السجون والمستشفيات وهي تابعة لوزارة العدل الهولندية كما يتوفر المسلمون في هولندا على حوالي خمسمائة مسجد معظمها للمغاربة. ● ماهي أهم التحديات التي تواجه المسلمين في هولندا؟ ●● من باب عدم بخس الناس حقهم بالرغم مما يقال أو ينشر أو يكتب عن هولندا، فإن المسلمين فيها يتمتعون بحقوق قلما تجدها في باقي الدول الغربية، وهذا لا يعنى البتة أن الأمور كلها وردية كما يقال لأنه في أي مجتمع حيوي ومتحرك تجد الرأي والرأي المخالف له. فيما يخص المسلمين وبعض القضايا الإسلامية التي تهم الرأي العام الهولندي والغربي على وجه العموم فإنه لا يمر يوم إلا وتتناول فيه وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمقروءة لبعض القضايا التي تخص الإسلام والمسلمين، فالإسلام اقتحم النفوس والعقول والبيوت الهولندية وأصبح حديث الناس في الشارع والإعلام والجامعات والمراكز البحثية والمناقشات العلمية والمؤسسات الدينية المسيحية واليهودية، وأصبح الإسلام بعدما كان وجوده طارئا، مستوطنا ويكسب أنصارا مثلما يوجد له بعض الخصوم فى المجتمع الهولندي والغربي على وجه العموم. ولكن على أية حال فإن الإسلام أصبح الآن عابرا للقارات لا يمكن تجاهله أو الاستهانة به أو تحييده من المجتمع ومن أن يلعب دورا مهما فى المجتمعات الغربية وبخاصة في أوساط الجاليات المغربية والإسلامية، بالرغم من وجود العراقيل والخصوم. هناك تحديات متنوعة، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، وتتمثل التحديات الداخلية في فهم الذات والآخر، ومادام المسلمون لم يفهموا ذاتهم والدور الذي ينبغي أن يقوموا به في المجتمعات الغربية ليرسخوا تواجدهم فيه وبالتالي إسهامهم فيه بما يعود عليهم فى بلدان الإقامة وعلى مجتمعاتهم الأصلية بالنفع فإن وجودهم سيظل عديم الجدوى. فهم الآخر هو أيضا إشكالية كبيرة لدى المسلمين في الغرب، فإلى حد الساعة لا زال المسلمون في الغرب حبيسي بعض الحواجز النفسية، وقد تكون دينية، أو يتصور أنها دينية تمنع المسلمين من الاندماج الواعي في المجتمعات الغربية بما يؤدى إلى خدمة الأهداف المشتركة للمسلمين والغربيين في بلد الإقامة وخارجه، المسلمون لا يبذلون جهودا كبيرة للتعرف على الآخر وفهم عقليته وتفكيره، من أجل توظيفها في خدمة الإسلام والمسلمين، لأن البعض يعتقد أن في العزلة صمام أمان من الانصهار في المجتمع الغربى، والتقوقع على الذات حصن منيع من اختراق الآخر للمسلمين في الغرب. وبهذا المفهوم المغلوط تضيع مصالح المسلمين وفقا لهذه المفاهيم التي تناقض القرآن الذي يدعو إلى التعارف، ثم التآلف، ثم التعاون من أجل خير الإنسانية جمعاء. ومن التحديات الأخرى التي تواجه المسلمين في الغرب والمغاربة على وجه الخصوص في هولندا، تحدي التربية بين ثقافتين في الأسر المغربية والمسلمة على العموم، والعديد من الآباء لايتوفرون على كفاءات علمية وتربوية تؤهلهم للإحاطة بأساليب التربية الإسلامية أو الغربية مما يؤدي إلى وجود نوع من الصراع داخل المجتمع الواحد على كسب الطفل وتوجيهه نحو الأهداف المختلفة بل المضادة فى أغلب الأحوال، كما تواجه الأسرة المغربية تحدي التسرب المدرسي فالعديد من الشباب لا يتمون دراستهم وأغلبهم يتسربون من المدارس في سن المراهقة أو فى سن مبكر نظرا لانعدام التوجيه فى البيت ● كيف تقيم درجة اندماج المسلمين المغاربة في المجتمع الهولندي؟ ●● بالنسبة للمغاربة فإن القسم الأكبر منهم قد اندمج فى المجتمع الهولندي مع الحفاظ على هويته المغربية، وذالك فى شتى مجالات الحياة السياسية، فهناك ممثلون للمغاربة فى البرلمان الهولندي، وفي المحافظات والمدن الكبرى لهولندا، يتمثل ذلك فى شخصية عمدة روتردام السيد أبو طالب وفي الأحزاب السياسية الهولندية على اختلاف تنوعها تجد مغاربة ينشطون فيها ولهم شخصيتهم الهولندية والمغربية، وهناك كتاب كبار ومسرحيون وفي مجال التعليم هناك مغاربة يتبوؤون مراكز مهمة كأساتذة في الجامعات أو في مراكز الأبحاث في الجامعات المتنوعة، المغاربة لهم حضور وخاصة الشابات المغربيات هن أكثر نجاحا من الذكور وذلك في شتى التخصصات العلمية. المسلمون يشاركون عموما في الحياة العامة الهولندية كل بحسب نظرته إلى المجتمع وتقاليده وأعرافه ودينه كل هذه العوامل تحدد نوع الاندماج بالنسبة للمجموعات أوالافراد من المسلمين، كما أن اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية تقابله عوائق جمة من الغربيين أنفسهم أو ممن يحملون نظرة عنصرية اتجاه المسلمين ويودون أن يبقى المسلمون منعزلين عن المجتمع لا تربطهم به رابطة وبالتالي يؤدى ذلك إلى ضياع حقوقهم وتهميشهم. ● كيف تتعاطى الجمعيات المسلمة وكذا الجاليات مع حملة الإسلاموفوبيا التي شهدتها أوربا وهولنداعلى الخصوص؟ ●● إن هذه الحملة الشرسة من بعض خصوم الإسلام فى الغرب على الإسلام والمسلمين لن تزيد المسلمين إلا قوة وثباتا على دينهم وعقيدتهم، لأن حق الممارسة الدينية تكفله بعض الدساتير الغربية، وهذه الحملات على الإسلام هي في الحقيقة تدعو الكثير من الغربيين إلى التوجه لبحث الإسلام مما يؤدي فى النهاية إلى اعتناق الكثير والكثير من الغربيين الإسلام، ورب ضرة نافعة كما يقولون فأنا شخصيا أرى أن هذا العداء من بعض خصوم الإسلام عمل على إيقاظ العديد من المسلمين ممن لم يكن لهم علاقة بالإسلام إلا شكلا، دعاهم مرة ثانية إلى الرجوع إلى البحث عن هويتهم وأصلهم، إلا أننا يجب أن نعترف أيضا أنه كما للإسلام خصوم في الغرب فإن له أتباع ومناصرون كثيرون يدافعون عنه ويحاولون إزاحة تلك الصور النمطية للغرب عن الإسلام، ومجابهة تلك الأفكار العدائية والمغرضة، وسيرا على هذا الاتجاه، فإن أهل الأديان في هولندا يتجمعون فيما بينهم من أجل مجابهة هذه الأفكار وقد تم في الآونة الأخيرة الاتفاق بين المسلمين واليهود والنصارى على تبادل الزيارت فيما بينهم، المسلمون يزورون بيعهم واليهود يزورون المساجد، كذلك النصارى أيضا، وقد قمت شخصيا مع أعضاء مؤسسة المسجد الكبير بأمستردام وبعض المغاربة بزيارة اليهود في بيعتهم، وألقيت محاضرة عنوانها «ماذا يمكن لأهل الأديان والإسلام خصوصا أن يقدموه من القيم والمبادئ للأجيال القادمة» حتى يمكن أن يعيشوا فى أمن وسلام واستقرار، وسيقوم اليهود وبعض المؤمنين منهم بزيارتنا في المسجد الكبير وحضورومشاهدة ما نفعله أو نقوم به في المسجد الكبير من الشعائر الدينية الإسلامية وبعده سألقي كلمة عن التعايش الديني فى الإسلام بالمسجد وبحضور اليهود والمسيحيين، بعدها مباشرة سيقوم الربى اليهودي بإلقاء محاضرته، وبعده تبدأ المناقشات والأسئلة حول التعايش بين الأديان وبهذا الطريقة نجيب على الكثير ممن يريد إثارة النزاعات بين أهل الاديان، وتوضيح ذلك للمجتمع. وبالتالي نستطيع نحن المغاربة أن نعكس قيم التعايش الديني والسلم الاجتماعي في المجتمع الهولندى وأن نعكس قيم آبائنا وأجدادنا المغاربة الذين اتسموا على مدى التاريخ بحسن معاملة الآخرين من أهل الأديان الأخرى ولا أدل على ذلك ونحن فى هولندا نتخذه دائما مثالا ونذكره فى المنتديات العلمية والحوارية بأن المغرب بلد التسامح والتعايش السلمي والديني بين أبناء الوطن الواحد بصرف النظر عن المعتقد. ● مامدى الدعم الذي تتلقاه الجاليات المسلمة من دولها الأصلية من أجل مواجهة حملات الإسلاموفوبيا وكذا إدماج الأجيال المسلمة في المجتمع الهولندي؟ ●● أستطيع القول بأن الدعم شحيح بالنسبة للمسلمين فى الغرب، ومعظم الأعمال تتم بجهودهم الذاتية والاعتماد على جمع التبرعات من المسلمين فيما بينهم . القضية هنا مرتبطة بمفهوم الاندماج نفسه؟ وما هو الاندماج؟ المسملون حسب فهمهم للاندماج يعتقد غالبيتهم أنهم مندمجون بالفعل، وتبقى فئة تعزل نفسها عن المجتمع الغربي لأسباب لا أعتقد أنها وجيهة فى نظري، ويفرقون بين الاندماج الواعي والانصهار التام، إلا أن المجتمعات الغربية تعتبر هذا ليس كافيا، المسلمون بدورهم يعتبرون أن الغربيين ليسوا على درجة كافية من الاندماج مع المسلمين خصوصا والأجانب عموما فى مجتمعاتهم، إلا أن الاندماج في نظري يتطلب المزيد من العمل في هذا الاتجاه من الطرفين الغربي والإسلامي لتقريب الهوة فيما بينهم. ●كيف تتعاطى الدولة الهولندية مع مطالب الجاليات المسلمة خاصة فيما يتعلق باحترام ثقافتها ودينها وهل هناك تنسيق بين الدولة الهولندية والمجتمع المسلم؟ ●● القانون الهولندي يمنح المسلمين بنص الدستور حق الحرية الدينية ويكفل لهم حق ممارستها وبالتالي فإنه ليس هناك تدخل من الدولة فى هذا الشأن بناء على فصل الدين عن الدولة، وبالتالي فإن المسلمين يتساوون مع غيرهم فى هذا الحق. المسلمون في هولندا يتوفرون على 40 مدرسة إبتدائية إسلامية وثانوية إسلامية، كما يتوفرون على لجنة إسلامية للاتصال بالحكومة الهولندية، ومهمة هذه اللجنة تقديم النصح إلى الحكومة الهولندية، كما يتوفرون أيضا على العناية الروحية الإسلامية في السجون والمستشفيات وهي تابعة لوزارة العدل الهولندية كما يتوفر المسلمون في هولندا على حوالي خمسمائة مسجد معظمها للمغاربة، أما الثقافة الأصلية فإن هولندا كانت تتيح الفرص لتدريس الثقافة الأصلية في المدارس الهولندية ولكنها ألغت ذلك في السنين القريبة السابقة، علما أن المساجد المغربية التي حفظت للمغاربة شخصيتهم ولغتهم لا زالت تؤدى هذا الدور الكبير فى تعليم أبناء المغاربة لغتهم ودينهم فى عطلة السبت والأحد متحدية بذلك الزمن وتقلباته إيمانا من المغاربة بضرورة الحفاظ على الهوية واللغة. ● هل هناك تنسيق بين الجمعيات المسلمة و باقي الفاعلين الآخرين المنحدرين من الثقافات الأخرى في المجتمع الهولندي من أجل فك العزلة عن الجالية المسلمة ومن أجل تحقيق تعايش مبني على الاحترام، وما طبيعة هذا التنسيق إن وجد؟ ●● توجد منظمات مغربية وتركية وسورينامية وغيرها من باقي أطياف المجتمع المسلم في هولندا، التنسيق يوجد في جزء منها ولا يتوفر فى الغالبية العظمى من هذه المنظمات، نظرا للاختلاف في المنهج والأهداف والمصالح. وبالرغم من هذا فإن الكل يعمل بطريقته لكن هذا العمل يغلب عليه الطابع الفردي وليس الجماعي والعشوائي أيضا مما يؤدي إلى عدم فاعليتها وتأثيرها في المجتمع المسلم والهولندي، وأيضا نظرا لقلة الزاد العلمي الشرعي وعدم إدراك المصلحة العامة من توحيد الجهود للدفاع عن المصالح العليا للمسلمين ربما هذا سيستغرق وقتا لا محالة وربما ستقوم به الأجيال القادمة المدركة لهذا النوع من التوحد والوحدة. ● يطرح في هولندا إشكال عدم إلمام أئمة المساجد بالواقع الاجتماعي للمسلمين في هولندا بحكم تكوينهم في دول المشرق والمغرب وعدم إتقانهم اللغة الهولندية، كيف يتم تجاوز هذا المشكل من أجل تقديم إسلام يتناسب مع المجتمع الهولندي؟ ●● يجب أولا ألا نبخس الائمة المغاربة حقهم، فلقد أدو واجبهم حسب إمكاناتهم الفكرية والشرعية منذ بدء إنشاء المساجد بهولندا في أواخر الستينات، ولقد حافظت المساجد المغربية على الشخصية المغربية، وعلى تعليم المغاربة أسس دينهم ولغتهم، ولقد أدى الإمام دوره فى وقت معين، إلا أن المرحلة الزمنية الحالية تفرض على الإمام مواصفات جديدة ومهارات متنوعة، وأساليب ومنهج جديد فى الخطاب الديني، ومعالجة القضايا المعاصرة التي تتطلب من الإمام أن يتوفر على معايير معينة فيما يخص المنهج والأسلوب وفحوى الخطاب وأن يكون مدركا لواقع عصره وللغة البلد الذي يعيش فيه، لأن الواقع الجديد للمسلمين فى الغرب والمراحل الزمنية وتطوراتها تفرض على الإمام أن يساير التطورات الجديدة والقضايا الجديدة في سياق متنوع ومختلف عنه في بلده الأصل لربط الأجيال الجديدة بدينهم وتقاليدهم وأعرافهم ووطنهم الأم، وتأهيل الشباب للاندماج الواعى فى مجتمعاتهم الغربية. المرحلة الآنية تتطلب من المشرفين على الشأن الديني وعلى رأسهم السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية فضيلة الدكتور أحمد التوفيق بالرغم من الجهود المظنية التي يبذلها في هذا الشأن الديني داخليا وخارجيا وحرصه الشديد على توجيه الأئمة والدعاة ليقوموا بدورهم الدعوي في الداخل والخارج على أكمل وجه وتحمل مسؤولياتهم الدعوية أمام الله وأمام التاريخ في داخل الوطن وخارجه، تتطلب إعداد إمام بمواصفات أرض المهجر وبلغتهم وبأسلوب تفكير الأجيال المغربية الصاعدة في الغرب حتى ينتفعوا بتلك العلوم الشرعية من العلماء المغاربة الأجلاء الذين يجب ألا نبخس لهم حقهم في مجال الدعوة والذين يحملون مخزونا ثقافيا شرعيا ضاربا في أعماق التاريخ المغربي وأصالته الإسلامية قل أن يوجد له نظير في العالم العربي والإسلامي، وبما حبا الله الأئمة المغاربة والعلماء المغارية بحفظ كتاب الله وحفظ المتون فى جميع العلوم الشرعية وانتشار المعاهد العتقية في أنحاء المملكة الشريفة، مما يميزالمغرب على غيره من الشعوب الأخرى العربية والاسلامية، الأمر في الغرب يحتاج إلى تطوير قدرات الإمام في المهارات والتواصل واللغة حتى يؤدى رسالته التى أنيطت به في مجتمع متعدد ومتنوع .