قال ناشطون إن عشرات من قوات الأمن التابعة للنظام السوري قتلوا وجرحوا في اشتباكات غير مسبوقة ليلة أول أمس وصباح أمس في حي المزة بالعاصمة دمشق مع الجيش الحر، في حين تجدد القصف العنيف على مدينة حمص. في وقت أكد فيه سفير بريطانيا لدى دمشق، أن أي تدخل يحتاج إلى إجماع دولي، وتفويض، بالتزامن مع مغادرة أمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي إلى أوروبا لعقد لقاءات تتناول الشأن السوري، مع مبعوث الأممالمتحدة والجامعة إلى سوريا كوفي عنان، ومسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون. وأكدت الهيئة العامة للثورة ولجان التنسيق المحلية حدوث اشتباكات وانفجارات في حي المزة الذي يقع في القسم الغربي من دمشق, وهو أحد أشد الأحياء تحصينا في العاصمة السورية حيث يضم سفارات ومقرات أمنية, ومساكن لمسؤولين بارزين. وسبق حدوث اشتباكات في بعض أطراف دمشق, لكنها المرة الأولى التي تحدث فيها مواجهات بهذه القوة داخل المدينة. وأعلن الناشطون أن أكثر من 80 عنصرا من قوات الأمن قتلوا وجرح نحو 200 آخرين في اشتباكات بين الجيش الحر من جهة والجيش النظامي وقوات الأمن السورية من جهة أخرى بحي المزة وسط العاصمة دمشق. وأوضحت المصادر، بحسب ما ذكرت وكالة «رويترز»، أن الاشتباكات العنيفة بين الجانبين ما زالت مستمرة في حي المزة، أحد أهم وأرقى أحياء العاصمة السورية دمشق وأكثرها تحصينا. وأشار شهود عيان إلى سماع دوي انفجارات ناتجة عن استعمال المدافع الرشاشة والقذائف الصاروخية، في تطور نوعي للصدامات بين الجيش النظامي والجيش الحر. وقالت إحدى الساكنات ل»رويترز» إن الأمن أغلق العديد من الطرق الجانبية وقطع الإنارة العامة في حي المزة، فيما ذكر ناشطون أن خمسة انفجارات وقعت في الحي وعلى الأخص المزة جبل، التي انتشرت فيها العشرات من سيارات الأمن والشبيحة. وزاد الانتشار الأمني في حي المزة منذ أن خرج فيه الشهر الماضي آلاف المحتجين على نظام بشار الأسد، في تطور نادر في العاصمة السورية، التي اقتصرت الاحتجاجات الكبيرة على ريفها. والمزة منطقة شديدة التحصين تحتضن العديد من السفارات والمقرات الأمنية ومساكن بعض كبار المسؤولين. وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إن اشتباكات المزة هي الأعنف والأقرب إلى المنشآت الأمنية في دمشق, كما أشار ناشط إلى إصابة 18 عسكريا نظاميا سوريا على الأقل في تلك الاشتباكات. وتزامنت الاشتباكات في حي المزة مع دوي انفجارات في حي القابون, وفي عربين بالغوطة الشرقية بريف دمشق. كما أنها تزامنت تقريبا مع اشتباكات مماثلة في دير الزور بين الجيشين النظامي والحر. وقال الناشط وائل غيث إن نحو مائتين من مقاتلي الجيش الحر هاجموا مساء أول أمس مواقع للجيش النظامي والأمن والشبيحة في المدينة ردا على عملية عسكرية قتل فيها ستة منشقين صباح أول أمس. وأضاف أن الجيش السوري انسحب ليلة الأحد الماضية من الشوراع الرئيسة بالمدينة. وقال الجيش الحر إنه قتل العميد في المخابرات الجوية أيهم الحمد خلال الاشتباكات. وجاءت اشتباكات المزة في وقت اتهمت فيه المعارضة النظام بتدبير تفجيرات وقعت السبت والأحد قرب مقرات أمنية في دمشق وحلب، سقط فيها نحو 30 قتيلا وعشرات الجرحى. وقال المجلس الوطني السوري إن النظام يريد ترويع سكان هاتين المدينتين بعد أن تصاعدت فيهما الاحتجاجات. قصف حمص من جهته, قال أبو جعفر الحمصي الناطق باسم الهيئة العامة للثورة السورية إن الجيش يقصف منذ صباح أمس بعنف الأحياء القديمة في حمص. وأشار في حديث ل»الجزيرة» إلى أن حيّي الخالدية والبياضة من بين الأحياء التي استهدفت اليوم بالصواريخ ومدافع الهاون. وأكد الحمصي حدوث اشتباكات بين الجيش السوري والمنشقين في مركز المدينة, مشيرا إلى انفجارات في الحولة والقصير بريف حمص. وكان 67 شخصا قتلوا، أول أمس، خلال عمليات للجيش السوري خاصة في إدلب ودير الزور حسب ناشطين. وجرى أول أمس أيضا تشييع 66 من قتلى حي بابا عمرو في حمص, وكان هؤلاء لقوا حتفهم خلال الهجوم الواسع الذي شنه الجيش على الحي الشهر الماضي. وفي إطار العمليات العسكرية أيضا, قال ناشطون إن الجيش اقتحم صباح أمس بلدة كفر شمس في درعا. وسجلت أول أمس انشقاقات جديدة شملت حوالي مائتي عسكري من الفرقة الثالثة المتمركزة في القلمون بريف دمشق حسب ناشطين. وأضافت المصادر ذاتها أن رئيس مفرزة الأمن السياسي بالرقة و22 من عناصره انشقوا بدورهم أول أمس. وكانت الرقة التحقت الأسبوع الماضي بالثورة عبر مظاهرات حاشدة ردا على مقتل متظاهرين. لا تدخل عسكري دوليا، دعا السفير البريطاني لدى سوريا سايمون كوليس إلى “طمأنة الأقليات والعلويين على مستقبلهم”، وأكد أن بريطانيا “لا تعتزم تدخلاً عسكرياً بسوريا لا يحظى بإجماع دولي ولا يستند إلى أساس قانوني”. وقال في مقابلة من المقرر أن تكون المواقع الإلكترونية للسفارات البريطانية بدول الخليج قد نشرتها أمس الاثنين، “من المهم للغاية أن يستطيع السوريون على اختلاف أصولهم أن يطمئنوا إلى مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم، ولا بد أن ينسحب هذا على العلويين وغيرهم من الأقليات أيضاً”، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ). وأضاف “حين يأتي التغيير فإنني أتوقع أن يأتي نتيجة للتطورات”. وتابع “مادامت آلة القتل التابعة للنظام تواصل عملياتها، فسيكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تنجح أية مبادرة سياسية، وسيزداد في الوقت ذاته، نطاق الاحتياجات الإنسانية في أوساط اللاجئين في الدول المجاورة، وأولئك الذين أرغموا على النزوح عن منازلهم إلى أماكن أخرى داخل سوريا”. وأكد كوليس أن “المملكة المتحدة ليست مدافعة عن طائفة بعينها، لكننا ننظر بجدية كبيرة إلى الحاجة للمساواة بحقوق الناس في أي مكان، بمن فيهم أولئك الذين ينتمون إلى أقلية ما”. وقال “على جميع المسؤولين عن اقتراف انتهاكات حقوق الإنسان بسوريا أن يعوا أنهم سيحاسبون على أفعالهم، وتوفر المملكة المتحدة الدعم لجمع الأدلة عن الانتهاكات وحفظها بغية استعمالها في المستقبل، ومن حق الشعب السوري أن يقرر إن كان يريد إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية أو أي آلية أخرى”. وأضاف “نشعر بالاشمئزاز لما أبداه النظام السوري من تجاهل مخزٍ لحقوق الإنسان والحياة الإنسانية، والهجمات الوحشية التي يشنها ضد الشعب السوري، ونتعاون مع شركائنا لممارسة أكبر ضغط سياسي ودبلوماسي ممكن على هذا النظام”. وتابع “نحن نفعل ذلك من خلال عقوبات صارمة لكنها موجهة، ومساندتنا للمعارضة التي تتضمن توفير دعم غير فتاك، ومن خلال نشاطنا عبر مجلس حقوق الإنسان الدولي، وعملنا تجاه ضمان محاسبة المسؤولين عن اقتراف تلك الجرائم التي نشهدها، نواصل جهودنا للتوصل إلى قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي يطالب بدخول المساعدات الإنسانية بحيادية ومن دون عراقيل، إلى جانب المطالبة بوقف العنف فوراً، ونحن لا نعتزم تدخلاً عسكرياً لا يحظى بإجماع دولي ولا يستند إلى أساس قانوني، بل نركز جهودنا على المسار السياسي”. ودعا كوليس من يدعمون مهمة كوفي عنان بصفته مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية أن “يعملوا على وضع نهاية فورية لعمليات قوات الأمن” . وتوقع أن “يستمر تراجع التأييد للنظام السوري، حين يدرك رجال الأعمال وكبار المسؤولين، وآخرون، أنه لن يكون هناك مستقبل مشرق لشعب سوريا طالما بقي النظام مسيطراً”. ويتوجه رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر جاكوب كيلنبرغر إلى موسكو، حيث سيجري محادثات تتعلق بالوضع الإنساني في سوريا، فيما غادر الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي القاهرة متوجها إلى بروكسلوجنيف، في بداية جولة أوروبية تشمل جنيف وتستغرق أربعة أيام، لبحث آخر تطورات الأزمة السورية مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي.