أكد متدخلون في اللقاء الدولي حول مساهمة كفاءات مغاربة العالم في التنمية البشرية بالمغرب الذي افتتح أول أمس واختتم مساء أمس بالرباط، عدم وجود سياسة لتحضير المجال لاستقطاب هذه الكفاءات مقارنة مع ما تقوم به بلدان مثل المكسيك والبرازيل والهند وغيرها، وأشاروا إلى أن «الأدمغة» المغربية تغادر إلى الخارج بحثا عن آفاق واسعة بالنظر إلى الإكراهات التي يصطدمون بها وتحول دون تحقيق أملهم في وطنهم. واتفق مشاركون على ضرورة أن تعمل مؤسسات الدولة على تعريف مغاربة الخارج بالتغيير الذي يحصل في بلادهم وربط جسور التواصل معهم. مؤشرات رقمية تشير مؤشرات رقمية أوردتها دراسات تم استعراضها في اللقاء الذي شارك فيه نخبة من مغاربة العالم وعدد من الأساتذة والمهتمين، إلى أن مغاربة العالم الذين يتمركزون على الخصوص في أوروربا، يشكلون حوالي 10 في المائة من نسبة الساكنة الإجمالية للمغرب، ويصل عددهم نحو ثلاث ملايين و222 ألف نسمة، بعد أن كان لا يتعدى مليون و500 ألف سنة 1993، وتشكل نسبة 15.3 في المائة هجرة الأشخاص المؤهلين حاملي الشهادات العليا. وأفادت المعطيات المستخلصة من أرقام القنصليات المغربية بالخارج إلى أن معدل النمو السنوي بلغ في المتوسط 8.1 في المائة سنة 2007. ووفقا للإحصائيات الرسمية، فإن المغاربة المقيمين في أوروبا يشكلون نسبة 86.18 في المائة، ويتوزع حوالي 8.55 في المائة من المغاربة المقيمين بالخارج على الدول العربية، بينما يشكل المغاربة المقيمين في دول أمريكا نحو 4.89 في المائة، والذين يعيشون في إفريقيا حوالي 0.25 في المائة، في حين تشكل الجالية االقاطنة في آسيا نسبة 0.12 في المائة. وأكدت معطيات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الخاصة بالمغاربة المقيمين من أصل مغربي داخل البلدان الأعضاء، إن المغاربة العاملين ذوو كفاءات عالية يشكلون نسبة 14.4 في المائة سنة 2012. ووضع تقرير بنك العمل للسنة الماضية المغرب في المرتبة الثانية عالميا من حيث هجرة «الأدمغة» بعد جمهورية مصر. مدخل البحث العلمي يأتي اليوم، تنظيم لقاء دولي من طرف مجلس الجالية في محاولة لجمع شمل «الأدمغة» التي لا يستفيد منها المغرب، ومن أجل تأكيد العلاقة التلازمية القوية بين الاستثمار في محال البحث العلمي والتنمية من جهة، وبين التنمية الاقتصادية والبشرية من جهة أخرى، ذلك أن تنافسية الدول أصبحت معتمدة أكثر فأكثر على قدرتها على الابتكار واكتساب المعارف وتطوير سياسة التربية والتكوين الرفيع المستوى. لحسن الدادوي وزير التعليم العالي وتكوين الأطر، قال خلال مداخلة في الجلسة الافتتاحية أن المغرب مطالب بتجاوز العجز الذي يعاني منه على مستوى البحث العملي، حتى يستطيع التحول من بلد مستهلك للتكنولوجيا إلى بلد منتج لها، وأضاف أن تحقيق هذا الهدف سيجعله لا يعول فقط على السياحة وتمويلات المغاربة المقيمين بالخارج والاستثمار الأجنبي، وأعرب المتحدث في اللقاء الذي نظم في إحدى فنادق الرباط، أن هذا التغيير لن يتأتى إلا بمساهمة الكفاءات المغربية في الخارج. وأكد على وجوب تقييم المخطط الاستعجالي بالجامعة، والاعتكاف على رسم الخطوط العريضة للمستقبل في العشرية المقبلة بمساعدة «الأدمغة» المغربية، حتى تستطيع الجامعة تخريج نخب قادرة على التفاعل مع الرهانات المطروحة. وتركيزا على أهمية استفادة الدولة من كفاءاتها المقيمة بالخارج، أوضح الوزير، أن المغرب رغم كونه وقع عددا من الشراكات واتفاقيات التبادل الحر، فإنه لم يستطع أن يكون جاهزا لذلك، مستحضرا في حديثه أمام المشاركين، عدم تمكن المغرب من إرفاق صادراته نحو أوروبا بإضافات إلى جانب المزروعات والطماطم بعد أن رفع الحواجز الجمركية مع الاتحاد الأوروبي. وأشار الداودي، أن هناك حاجة إلى الانفتاح على الكفاءات المغربية بالخارج وبناء جسور التواصل معها «رغم أن المهمة لن تكون بالأمر السهل». وأكد الداودي، أن وزارته تسعى إلى أن تنفتح الجامعة المغربية على الخارج، مبرزا أن حوالي 4300 طالب فقط يستفيدون من منح يتابعون تعليمهم بالجامعات الأجنبية، وأربع طلبة فقط يتابعون الدراسة في الهند، فيما لا يستفيد أي طالب يتابع دراسته في البرازيل من منحة الدولة. ودعا المتحدث الحاضرين في اللقاء الذي نظمه مجلس الجالية، إلى الإحاطة بالسؤال التالي: ما هي الجامعة المغربية التي نتطلع إليها؟ وأكد على وجوب تقييم المخطط الاستعجالي والاعتكاف على رسم الخطوط العريضة للمستقبل في العشرية المقبلة بمساعدة «الأدمغة» المغربية، حتى تستطيع الجامعة تخريج نخب قادرة على التفاعل مع الرهانات المطروحة، وأشار إلى أن وزارته تفكر في تأسيس جامعة ألمانية مغربية، وبصدد مفاوضات مع جامعات من جنوب إفريقية وإسبانية والبرتغال بغية التعاون وتحقيق التواصل. من جهة أخرى، أعلن الداودي الذي شد انتباه الحاضرين، أنه سيعمل على تطوير شراكة بين القطاع الخاص والعام دون أن يستفيد الطلبة الذين يتوفرون على المال فقط كما كان في السابق، وأضاف أنه يتعين على الدولة أن تدفع منحا إلى الطلبة الفقراء المتفوقين كي يستفيدوا من التعليم الخاص. وأشار المتحدث، أنه بمجرد التحاقه بمنصبه في الوزارة اكتشف أن طلبة فقراء يودون متابعة تعليمهم العالي خارج أرض الوطن لم يحصلوا على المنحة التي تتيح لهم استكمال مشوارهم، في حين استفاد طلبة أغنياء منها. وفي سياق متصل، أكد المتحدث، أن الجامعة في حاجة إلى تعبئة مواردها للمضي قدما نحو المستقبل، وطالب رؤساء الجامعات التوقف عن التعامل مع ممولي الحفلات وتخصيص ميزانيات ضخمة للأكل والشراب في الأنشطة التي تقدمها، مبرزا أن الخبراء الأجانب الذين يتم استضافتهم يسخرون مما يقدم لهم من أكل وشرب داخل الجامعة المغربية المخصصة للبحث العملي. كما أبدى استغرابه من بعض المظاهر التي تطفوا إلى السطح في بعض الجامعات كتنظيف حدائقها بواسطة حمار وعربة. وفي إطار الشعار الذي ترفعه حكومة بنكيران، أكد الدودي، أن وزارته ستحارب الفساد وتؤسس ثقافة المحاسبة، وطالب بالاعتماد على الكفاءات المغربية بالخارج بدل استدعاء الخبراء والمستشارين الأجانب الذين يتم دعوتهم إلى «التبوريدا» بعد لقائهم، وأشار إلى وجوب تطوير هياكل احتضان الخبراء المغاربة في الخارج كي يستثمروا ولو سنة واحدة من عمرهم في المغرب، موضحا أنه يسعى إلى أن تدخل الجامعة في المستقبل في مناقصات، وأن تكون قادرة على بيع قدراتها وليس أن تكون مستهلكة فقط. مطلب الاسترجاع وأكد ادريس اليزمي رئيس مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، أن مشروع تعبئة الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج ابتدأ منذ التسعينات، عندما بدأ الراحل مزيان بلفقيه بمحاولة استقطاب الكفاءات منذ سنة 1992 و1993، وأشار المتحدث، أن هذه الاسترتيجية واجهتها مشاكل تطلبت البدء من جديد مع استحضار الإنجازات السابقة. وأوضح أن المجلس الذي يرأسه قام بمجموعة من الجهود من أجل استثمار الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج وعقد شراكات وإطلاق مبادرات. وكشف اليزمي، أن مكتب الهجرة نحو كندا يستقبل الكفاءات التي تود أن تغادر أرض الوطن بشكل يومي، وأفاد أنه بين 10 ألف و15 ألف من المغاربة يهاجرون قانونيا كل سنة نحو كندا. وبدوره، قال عبد اللطيف معزوز الوزير المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، إن هناك رغبة سياسية لاسترجاع الكفاءات، مشيرا إلى أن هناك شروط لإنجاح استراتيجية ربط الاتصال مع هؤلاء الكفاءات التي لا يستفيد منهم المغرب من قبيل منتدى «فينكوم». يذكر، أن اللقاء الدولي الذي نظمه مجلس الجالية المغربية بالخارج طيلة اليومين الماضيين، تميز بحضور ممثلين عن عدة وزارات ومؤسسات عامة والقطاع الخاص والكفاءات المغربية وخبراء أجانب قادمين من أكثر من 10 دولة، يهدف إلى إخضاع الدراسات التي قدمت إلى النقاش.