لم يتوقع السوريون الذين تظاهروا أمام قنصلية بلادهم في دبي أن يكون الترحيل هو مصير العشرات منهم، لاسيما أن موقف الإمارات يبدو داعما لحق السوريين في الحرية، تماما كما هو حال عدد من دول الخليج. وفي سياق من تبرير الموقف بعد انتقادات وجهتها بعض المنظمات الدولية، قال المسؤولون في الإمارة إن المرحلين عليهم قضايا أخرى، لكن الجميع يعلم أن القرار لم يأت إلا على خلفية المظاهرة، ويبدو أن المشمولين به كانوا الأكثر نشاطا على صعيد تنظيمها. المصيبة أن المرحلين لن يكون بوسعهم العودة إلى بلدهم، سواءً أكانوا من المنفيين أصلا، أم كانوا من المغتربين العاديين، إذ أن عودتهم تعني زجهم في السجون وتعرضهم للتعذيب، وربما الموت أيضا، وما يجري في السجون السورية لم يعد خافيا على أحد في الآونة الأخيرة، رغم أن سجل سوريا في هذا السياق معروف للمعنيين منذ عقود. والحال أننا إزاء قرارلا يليق بدولة عربية تقول: انها تقف إلى جانب الشعب السوري، بل إنه لا يليق بأي دولة تحترم الحد الأدنى من حقوق الإنسان، وقد تظاهر السوريون في موسكو التي تدعم بشار الأسد، لكنهم لم يتعرضوا لذات الإجراء الذي تعرض له أشقاؤهم في الإمارات. هل يمكن القول: إن القرار قد جاء على خلفية الموقف الذي عبرت عنه المظاهرة؟ لا يبدو الأمر كذلك، والأرجح أنه جاء على خلفية منع التظاهر كنشاط سياسي، إذ ربما رأى الساسة هناك أن تعميم فكرة التظاهر للجاليات قد يشجع الإماراتيين على ذلك، الأمر الذي قد يخرج الأوضاع عن السيطرة بمرور الوقت، لكن الرد على تأثيرات الربيع العربي بهذه اللغة لا يبدو صائبا، فضلا عن أن يصار إلى سحب الجنسية من مواطنين إماراتيين كما حصل مع النشطاء الستة؛ الذين تابع العالم قضيتهم قبل شهور. ما لفت الانتباه في السياق الذين نحن بصدده هو رد الفعل على دعوة العلامة الشيخ القرضاوي للسلطات الإماراتية بإلغاء قرارات الترحيل، ومعها قرار سحب الجنسيات من النشطاء الستة، وهي دعوة جاءت في سياق مناشدة عادية من عالم له مكانته بين الناس. هنا رد العقيد ضاحي خلفان، القائد العام لشرطة دبي عبر صفحته في «تويتر» بالقول: إنه سيصدر مذكرة للإنتربول تطالب بإلقاء القبض على الشيخ القرضاوي الذي سبق أن مُنع من دخول الإمارات دون إبداء الأسباب. ولا تعرف التهمة التي سيوجهها خلفان للشيخ من أجل إلقاء القبض عليه: والأرجح أنها لن تكون تهريب المخدرات، لأن الشيخ لا يوزع المخدرات، ولو كان من فئة المشايخ الذين يخدرون الناس تحت مسمى فتاوى الطاعة المطلقة، لكان مرحبا به في الإمارات وسواها أشد ترحيب!! واللافت أن خلفان لم يتوقف خلال الشهور الأخيرة عن إطلاق التصريحات ضد الإخوان المسلمين عبر اعتبارهم خطرا يتهدد دول الخليج، حيث وصفهم بأنهم أخطر من إيران، وأخطر من أمريكا، وهم تبعا لذلك أخطر من الكيان الصهيوني أيضا (كيف ولماذا؟ الله أعلم!!). ليست هذه قضيتنا، وما يعنينا هنا هي تلك العائلات السورية التي تشردت بسبب قرار غير مقبول ولا ينسجم لا مع المعايير الأخلاقية والإنسانية ولا القانونية، لاسيما أن السوريين في حاجة لمن ينصرهم في مواجهة ظلم الطاغية، بخاصة من أشقائهم العرب والمسلمين. نتمنى مثلما تمنى الشيخ القرضاوي على المسؤولين في الإمارات أن يعيدوا النظر في القرار، وتبعا له نهج التعاطي مع الأوضاع السياسية الداخلية، هم الذين لا يواجهون أي تمرد يستحق الردود المتشنجة.