ذاع في الآفاق بالمشرق والمغرب والشمال والجنوب من الكرة الأرضية أن المغرب الأقصى بلد الحكمة والاعتدال، وأنه أبعد ما يكون في سياساته الداخلية والخارجية عن منطق الإقصاء والاستئصال. حكمة واعتدال ورثها المغاربة حكاما ومحكومين، خاصة وعامة، نخبة وقاعدة، عن آبائهم السابقين وأسلافهم الميامين جعلتهم مضرب الأمثال ومحط الأنظار والاعتبار. لكن صيرورة الأحداث الأخيرة منذ تحمل الحركات الإسلامية المعتدلة لمسؤوليتها في تجديد الدين وتخليق الحياة العامة، خاصة حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، والمشاركة الهادئة في الحياة السياسية العامة والعمل على ترشيد الصحوة الإسلامية وتجنيبها المزالق والمهالك والحرص الشديد على استقرار المملكة، دفع بالمتربصين باستقرار المغرب وتوازنه إلى بذل أقصى الجهد لإيقاف التحول الهادئ والتشويش عليه بشتى الوسائل. وما أن أعلنت الولاياتالمتحدة حربها الشاملة على ما سمته "الإرهاب الدولي" غداة أحداث الحادي عشر من شتنبر، وغزوها لأفغانستان والعراق، حتى تضاعفت الضغوط على بلادنا لتغليب منطق الاستئصال على منطق الاعتدال. وهو اعتدال اعتصمت به الحركة الإسلامية كلها في وجه محاولات التشويه والتزييف المنظمة والتي سعت إلى تجميع الحركة الإسلامية كلها في سلة واحدة واتهامها بالتواطؤ مع "الإرهاب" والتستر عليه والدفاع عنه، في حين أنها صاحت دوما بأعلى صوتها أن الكلمة العليا يجب أن يكون للقانون والعدالة والشفافية والإنصاف، وأنها أول أعداء التطرف والإرهاب. وجاءت التفجيرات الإجرامية الأخيرة يوم الجمعة الماضي بالدار البيضاء.. ورغم الإدانة المتكررة للحركة الإسلامية ولحزب العدالة والتنمية لتلك الأعمال المرفوضة شرعا وعقلا وواقعا، إلا أن يد الإقصاء والتشويش والاستئصال سعت إلى كتم الصوت الإسلامي وإقصائه والتعتيم عليه، بل مضت وسائل الإعلام والتصريحات المتوالية لبعض المسؤولين المغاربة إلى تأليب الرأي العام عليه وتشويه صورته. وفي هذا السياق تأتي الحملة الإعلامية الموجهة ضد حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح وباقي الفصائل الإسلامية، ومنع تصريحاتها ووقفاتها التنديدية في الظهور في القناتين الأولى والثانية، ومنع تصريحات بعض رموزها من الوصول إلى القنوات الأجنبية. وتوج كل ذلك بمنع الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية صبيحة أمس (الاثنين) من الدخول لفندق فرح بالبيضاء أحد الأماكن التي تعرضت للعمليات الإرهابية المعروفة... إن كل ما يجري بسرعة هذه الأيام يتجاوز المنطق والمصلحة العامة لبلادنا.. فمن يقف وراء هذه الحملة؟ ولصالح من ستذهب ثمارها المرة؟ وهل سيعلو صوت الإقصاء والاستئصال على صوت الحكمة والاعتدال؟ نسأل الله عز وجل أن يجنب بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن. آمين.