وقعت الكاتبة والروائية المغربية زبيدة هرماس إبداعها الجديد رواية «عشاق الصحراء» برواق منظمة تجديد الوعي النسائي، التي نظمت حفل التوقيع في إطار فعاليات الدورة 18 للمعرض الدولي للنشر والكتاب. واختيارالمنظمة الاحتفاء بإبداع الروائية هرماس الأخير، أملته سيولتها الأدبية التي استطاعت في ظرف وجيز إغناء الساحة الأدبية المغربية بروايات وإنتاجات شعرية استهدفت فئة الشباب بشكل خاص. وتحتفي رواية «عشاق الصحراء» بقضية لها وضعها الاعتباري في تاريخ المغرب لكون مضمون الرواية تناول الحديث عن قضية الصحراء المغربية، وقد جاءت – بحسب كاتبتها زبيدة هرماس- بعد سنين طويلة من فك أسر هذه القضية لدى أروقة الأممالمتحدة. وقد يتبادر إلى الذهن لماذا الكتابة عن الصحراء وفي هذا الظرف، تجيب هرماس في تقديم عملها الروائي»أعتقد أن قضية الصحراء هي قضية شرعية قبل أن تكون وطنية، ولا خير في أمة لا تجتهد في الكتابة عن قضاياها، ولا تجتهد في التعريف بها عن طريق الرواية وغيرها من الأجناس الأدبية وبكل الوسائل الأخرى». قبل أن تؤكد بأن رواية «عشاق الصحراء» تناولت قضايا تهم الماضي والحاضر والمستقبل، بمعنى أن لها تسلسل زمني ممتد. واقتران الصحراء بالعشق – حسب الكاتبة- هو كناية عن عشق الحرية و الانعتاق، كونها في كل فصول الرواية تطرقت إلى قضية الاستعمار الاسباني تحديدا، والاستعمار بشكل عام وبصوره المختلفة على المستوى النفسي والاقتصادي، وسيلاحظ القارئ في نهاية الرواية أن هناك استماتة كبيرة تهدف إلى إيصال القارئ لأن يعشق الوحدة من خلال كتابة روائية. وإلى ذلك تقول الكاتبة «ركزت على هذا الموضوع قبل أن أتحدث عن الوطن الواحد خصوصا في الفصول الأخيرة للرواية، لقد تحدثت عن الوحدة بين الأوطان الإسلامية ومن خلالها على ضرورة الوطن الواحد». مع «عشاق الصحراء» تؤكد الأديبة فوزية حجبي، في قراءة تم بها تأطير أمسية توقيع هذا الإنتاج الأدبي الخميس المنصرم، (تؤكد) بأن القارئ سيجد نفسه أمام نسيج سينمائي ملحمي يأخذه إلى ربوع المغرب الجنوبية الساحرة، حيث أبطال الخير «سالم» و»الشيخ أحمد» و»فاطمة زوجته» وثلة المجاهدين، يواجهون الحلكة بالإيمان العميق والفروسية العبقرية. ومن صورتها التي تحرك مكامن الوحدة وهي تجمع بين شمال الوطن وجنوبه بين ماء ورمل إلى آخر الرواية، وهي تحرك الحب في هذا الوطن بكل جغرافيته وتنوعه العريق الخلاب، والأهم من كل ذلك أنه يدفع القارئ في أزمنة الشتات والتمزق إلى نصرة الماضي المجيد بتلاحمه مع الحاضر ليعود للزمن عزه». وسجلت فوزية حجبي، أن الروائية زبيدة هرماس في روايتها « عشاق الصحراء»، «ارتقت في سلالم التاريخ المغربي سلسلة مترابطة تشابهت فيها التيمات، وإن تغيرت الأمكنة والشخوص: تيمة الدين وترسيخ سننه الربانية عبر مسار الرواية، تيمة الحب بما يعنيه من ترابط مقدس لخدمة مهام الاستخلاف والتصدي للطواغيت، تيمة الاستكبار بما يعنيه من تشابه في الرسوم ودسائس وضع اليد على مقدرات الأمة والمغرب خاصة، تيمة الوطن بما يفته في صلب القارئ من معاني الوفاء والإخلاص وبذل النفيس في صيانته، تيمة الجهاد وهي التيمة التي تعيد لها الأديبة وهجها ورونقها من خلال تصوير مبدع لصور المقاومة ونبل العلاقات التي تجمع بين المقاومين للاستعمار الإسباني في حالة رواية «عشاق الصحراء»(..) وتبهر الكاتبة في تطريز لمواقع المقاومة وأبجديات إعداد المخططات ودقة القبض على تفاصيل اللقاءات الفدائية». وأضافت حجبي «بكل تمكن تسحب قارئها إلى كثبان الرمل الهاجعة ورغاء الجمال، إلى حيث تمرغ أنف كل كيان المستعمر الاسباني ساخرة من عقيدته الانتهازية، ومن سطوة المحتل الورقية التي يكسرها المقاومون من «عشاق الصحراء»، وهم يذيقونه الدمار تلو الدمار. وفي جميع الحالات فإن الكاتبة تنقل القارئ من المتابعة التاريخية المحايدة إلى اللهاث خلف تاريخ وطنه لتجعله ينخرط بكل حب وغيرة في قضيته الأولى، قضية الصحراء المغربية والوحدة الترابية، انخراط معرفة بتاريخها المغربي الصرف وتاريخ رجالاتها ونسائها في توا شجهم مع العرش والتحامهم الوثيق به عبر البيعة والفداء لمناهضة الاستعمار، وهي بذلك تشتغل بفنية ومهارة عالية لرفع معنويات القارئ وإشباعه بقيم الفداء للوطن تحت راية العقيدة الإسلامية». وأشادت فوزية حجبي بحبكة الرواية على مستوى الشكل والمضمون، وفرادة القبض على موضوع غير مسبوق في التناول الأدبي بهذا الشكل الروائي، وبهذه الاحترافية ذات القدرة التصويرية الدقيق داخل المغرب». في الوقت الذي أكدت على أن مبدعة «عشاق الصحراء» ولجت الرواية باعتبارها جنسا أدبيا مشاكسا يحتاج إلى نفس سردي متمكن على مستوى الآليات الشكلية وتقنياتها، وعلى مستوى المضمون بما يستدعيه من غنى على المستوى المعرفي، وعلى المستوى الإبداعي بما يعنيه من امتطاء صهوة الخيال، في حبكة تتطلب كثير من مهارات النسج والحياطة والتطريز لصياغة اللوحة الروائية الأكثر جدبا ورسوخا في كيان القارئ ووجدانه. وإذا تعلق الأمر بالرواية التاريخية – تؤكد حجبي- «يحتاج الروائي لكي يصوغ إنتاجا متميزا، وهو يتوسل بالأزمنة والشخوص والأحداث، يحتاج إلى زاد معرفي ودراية ثاقبة بأرشيف التاريخ معجون بزاد لغوي مرن..يستكشف أغوار الأمس لينفث الحياة الأفضل في حاضر الحياة (..)، قبل أن تقرر بأن الكاتبة «قد أفلحت في أن تستحضر كل هذه الأبعاد منذ بداياتها الواعدة مع روايتها البكر «فراشات مكة دعوها تحلق»، مرورا برواية «حب على رصيف القرويين» وصولا إلى روايتها الأخيرة «عشاق الصحراء». هذا، وقد شكلت رواية «عشاق الصحراء» جرأة ومغامرة إبداعية للروائية زبيدة هرماس في الاختيار والطرح والمقاربة، وقد اتخذت الكاتبة من التاريخ مادتها الأساسية لصوغ خيوط عملها الفني، فهي لم تنقل التاريخ بقدر ما ساوقته مع شخوصها مستحضرة مناخات تلك المرحلة المشكلة لبنية روايتها، التي يحمل عنوانها «عشاق الصحراء» دلالة خاصة في توجيه النص الروائي، لأنه يمثل مجموع هذا النص ويلخص مجمل موضوعاته، فالكاتبة لم تعين بطلا لروايتها، إذ إن كل شخوص الرواية أبطالا رجالا ونساء و أطفالا، في إشارة إلى الدور البطولي الذي لعبه معظم المغاربة في مرحلة الاستعمار.