هدد حزب «الحرية والعدالة» المنبثق عن حركة الإخوان المسلمين في مصر، بإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد، ردا على تلويح الولاياتالمتحدة بوقف المساعدات المادية لمصر، فيما الإدارة الأمريكية منقسمة حول قطع المساعدات التي تمنحها لمصر بمقتضى اتفاقية «كامب ديفيد» الموقعة بين مصر والكيان الصهيوني في 17 شتنبر 1978 والتي تنص على إقامة علاقات «سلام» طبيعية بين القاهرة وتل أبيب، في وقت شنت جماعة الإخوان المسلمين هجوما لاذعا على إدارة باراك أوباما واتهمتها بضخ ملايين الدولارات لهدم مصر من خلال إشعال الاضطرابات والفوضى وإحداث الفتنة بين أبناء الشعب، وبالتوازي مع ذلك، طالب خبراء مصريون بإلغاء المعونة الأمريكية والتي تمثل قبضة من حديد، على حد وصفهم، تمسك بها الولاياتالمتحدة مصر لتحقيق مصالح الكيان الصهيوني في المنطقة. وقال رئيس الحزب محمد مرسي في بيان: «إن المساعدة الأمريكية جزء من اتفاقية كامب ديفد الموقعة بين مصر وإسرائيل», مضيفا أن «الجانب الأمريكي ضامن لها». واعتبر مرسي أنه لا مجال للحديث عن المساعدة إلا في إطار الاتفاقية، وأن التلويح بوقفها من جانب الإدارة الأمريكية ليس في محله، محذرا من إمكانية إعادة النظر في الاتفاقية ومن احتمال تعثرها. وأشار إلى أن حزبه يريد لمسيرة السلام أن تستمر بما يحقق مصلحة الشعب المصري. وكانت الدعوات في الولاياتالمتحدةالأمريكية قد تصاعدت إلى قطع المساعدات عن مصر، وذلك على خلفية قضية التمويل غير المشروع لمنظمات غير حكومية والمتهم فيها أمريكيون. وقد شهدت جلسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي جدلا حادا بسبب المعونة المصرية، حيث طالب الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة بعدم قطع المساعدات عن مصر خاصة الجانب العسكري منها، وفق ما ذكرت صحيفة «الأهرام» المصرية، أول أمس. وقال ديمبسي «هذه الخطوة من شأنها الإضرار بتحالف رئيسي مع شريك استراتيجي في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن هذا «وحسب تقويمي العسكري سيكون خطأ». بينما دعا آخرون إلى قطع تلك المساعدات وتوجيه رسالة قوية إلي القاهرة باعتبار أن الوضع غير مقبول، حيث استبق السيناتور الجمهوري جون ماكين زيارته القاهرة الاثنين المقبل على رأس وفد من أعضاء الكونجرس بإعلان مساندته اقتراح وقف المعونة، وقال: إن علاقاتنا بمصر حيوية، لكن راحة مواطنينا هي أكثر حيوية وأهمية. وتزامن ذلك مع بدء السيناتور الجمهوري راند بول حملة في أروقة مجلس الشيوخ لإقناع الأعضاء بمشروع قانون لقطع المساعدات عن مصر، احتجاجا على تعامل الحكومة المصرية مع قضية التمويل الأجنبي للمنظمات المدنية. وأكد بول أن الرسالة لابد أن تكون واضحة وحاسمة لتؤكد للجميع أن أمريكا لن تتساهل مع أي دولة تحتجز مواطنيها. وينص مشروع بول على حظر المساعدات المالية لحين تأكد البيت الأبيض من أن الحكومة المصرية لا تحتجز أو تعتقل أو تحقق أو تمنع خروج العاملين الأمريكيين في منظمات المجتمع المدني من مصر. يشار إلى أن الولاياتالمتحدة تقدم مساعدة إلى مصر تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار سنويا. وتوترت العلاقة بين الجانبين عقب إحالة السلطات المصرية 43 شخصا بينهم 19 أمريكيا وأجانب آخرون إلى المحكمة الجنائية في قضية التمويل غير المشروع لجمعيات أهلية ناشطة في مصر. هجوم «إخواني» على واشنطن في الأثناء، شنت جماعة الإخوان المسلمين هجوماً حاداً على الولاياتالمتحدة، معتبرةً أنها أنفقت أكثر من 105 مليون دولار من قيمة المعونة السنوية بعد الثورة لهدم مصر وتدمير المجتمع. وقالت الجماعة في بيانها الأسبوعي، أول أمس، نشره موقعها الالكتروني: إن تصريحات الوزيرة فايزة أبو النجا في شهادتها أمام القضاء بشأن قضية التمويل الأجنبي، في غاية القوة والصراحة، متهمة أمريكا بإنفاق 105 مليون دولار بعد الثورة فقط في حين بلغ إجمالي إنفاقها 60 مليون دولارًا على مدار 10 أعوام سابقة. وأشارت إلى أنها تستخدم هذا التمويل لهدم مصر، وإلحاق الأذى والضرر بمؤسساتها جميعًا لمصلحة أمريكا و»إسرائيل». وأشادت الجماعة بالوزيرة فايزة أبو النجا، مؤكدة أنها تستخدم لهجة لم نسمعها في مصر منذ زمن طويل من أهل السلطة، مضيفة: «ولا ريب أن هذا الكلام وراءه حقائق خطيرة، وفي ذات الوقت نلاحظ تتابع الوفود عالية المستوى من الأمريكيين على مصر؛ للتدخل في هذا الموضوع بغية التستر عليه والسماح بسفر المتهمين الأجانب». وأعلن «الإخوان» أنهم «يشدّون على أيدي المسؤولين تأييدًا لهم على موقفهم الوطني، ويعلنون ثقتهم في القضاء المصري العظيم، ويرفضون كافة الضغوط التي تمارسها أمريكا علينا، ويعلنون أنهم والشعب المصري كافة لن يتسامحوا مع أي مسؤول إن قرر الخضوع للضغوط، والتستر على الاتهام أو التدخل في أعمال القضاء». اتهام السفيرة الأمريكية وفي موقف تصعيدي من «الإخوان» نحو الإدارة الأمريكية، قال الدكتور رشاد بيومي، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين: إن وجود السفيرة الأمريكية في مصر «آن باترسون» يؤكّد وجود مخططات «صهيو أمريكية» لإحداث الفتنة بمصر، مؤكدًا أن هذه المخططات وراء تكرار الاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات. وأوضح بيومي أنّ «باترسون» استطاعت أن تلعب دورًا في باكستان وصفه بأنه «ماضٍ تَعِس» لما ارتكبته من جرائم على الأراضي الباكستانية وتودّ نقل هذه الفتنة إلى مصر وتلعب نفس الدور. وأشار بيومي إلى أن المخطط «الصهيو أمريكي» أصبح واضحًا بدليل عمله على منع وصول الحرية للعالم العربي التي أفرزت في النهاية صعود التيار الإسلامي للحكم وخصوصًا جماعة الإخوان المسلمين. وأكّد أن منظمات المجتمع المدني تعمل في مصر ليس لصالح حقوق الإنسان، كما يدعون، ولكنها تعمل، بل تتعمد التبغيض لإشعال نيران الفتنة. واعتبر بيومي أنّ هناك أشكالاً من هذا المخطط تتجلى في الاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات، فيما يرى أنها تتم «بصورة ليس فيها تعقل ولا إحساس بالمسئولية «. كما اتهم نائب مرشد الجماعة، وزارة الداخلية بالمشاركة في هذا المخطط، من خلال «مواجهة تلك التحديات ببقايا النظام من رجالات مباحث أمن الدولة الذين لطخت أيديهم بدماء الشرفاء، والذين أتيحت لهم الفرص ليكونوا قواد جهاز الأمن القومي، وفي ثنايا الجهاز الأمني العام، فساهموا في إشاعة التوتر وقتلوا وأصابوا الكثيرين». مطالب مصرية بإلغاء المعونة من جانب آخر، دعا خبراء استراتيجيون مصريون إلى إلغاء المعونة الأمريكية على خلفية مطالبات أعضاء بالكونغرس بإلغائها. وقالوا في تصريحات خاصة لصحيفة ”الخليج” الإماراتية، إن الوضع الحالي لمصر يقتضى إلغاء هذه المعونة الاقتصادية، والتي تمثل قبضة من حديد، على حد وصفهم، تمسك بها الولاياتالمتحدة مصر لتحقيق مصالح الكيان الصهيوني في المنطقة. وقال الخبير الاستراتيجي، وجيه عفيفى، إن المعونة الأمريكية جاءت نتيجة لضعف موقف المفاوض المصري قبل توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” عام 1979 واستخدمتها الولاياتالمتحدة كنوع من الإغراء لتوقيع الاتفاقية، مؤكداً أن إلغاءها لا يضر بمصلحة مصر أو بوضع التسوية في المنطقة. وأكد أستاذ العلوم السياسية، د .جمال زهران، أن مصر أصبحت الآن في حاجة إلى إلغاء الاتفاقية واستبدالها باتفاقية حدود، كما يحدث بين كل الدول، معتبراً اتفاقية “كامب ديفيد” أصبحت تمثل عائقاً أمام أي تقدم مصري نحو حماية حدودها وتأمين حدودها مع غيرها من الدول خاصة “إسرائيل”. ولم يختلف الخبير الاستراتيجي، د. نبيل فؤاد، عن الآراء السابقة بل زاد عليها بإشارته إلى أن المعونة ليست لها علاقة بالاتفاقية، وليست من بين بنودها وإنما كانت عاملاً اقتصادياً هدفه تشجيع الطرفين على المضي في توقيعها، خاصة بعد العثرات التي سبقت عملية التوقيع. وأوضح أن علاقة مصر بأمريكا ليست من طرف واحد، وإنما هي علاقة ثنائية قائمة على تحقيق المصالح، مستبعداً قبول أمريكا بإلغاء المعونة، حرصاً على مصالحها ومصالح “إسرائيل” والبترول في المنطقة.