بعد تنصيب محمد الروكي رئيسا لجامعة القرويين بالنيابة يوم الخميس الماضي، تفاءل متتبعون ببداية إنقاذ الجامعة وتقديم حلول لمشاكل تراكمت منذ سنوات، نتيجة سياسة التسيير التي انتقدها الأساتذة والطلبة والموظفون وبعض عمداء الكليات ومختلف الفاعلين من طرف الرئيس السابق، والتي أدت إلى رفع شعار "ارحل"، وإعلان طلبة كلية الشريعة بفاس عن رفضهم ولوج الكلية والجلوس في مدرجاتها قبل رحيله. وهو ما تم بالفعل، إذ مباشرة بعد إحالته على التقاعد نهاية السنة الماضية، رجع الطلبة إلى فصولهم الدراسية، ونظموا أياما تواصلية وأنشطة ثقافية، وسارع الأساتذة إلى تخصيص ساعات إضافية للتعويض، مما أرجع ذكريات جميلة شهدتها مختلف الكليات التابعة لجامعة القرويين، أقدم جامعة في العالم. "التجديد"تفتح ملف جامعة القرويين، التي شهدت انتقادات كثيرة في طريقة تسييرها وتعاطي الوزارة الوصية مع ملفاتها العالقة، وتسلط الضوء على أهم المشاكل التي تعانيها الجامعة، في ظل أجواء الارتياح الذي خلفه تعيين رئيس بالنيابة جديد. عمداء خالدون !؟ من الحقائق الصادمة التي يصعب استيعابها وتجاهلها في نفس الوقت، حقيقة رئيس جامعة القرويين وعمداء الكليات التابعة لها الذين ظلوا خالدين في مناصبهم سنوات طويلة، ضدا على القانون التنظيمي للمؤسسات الجامعية، الذي يفرض مدة أربع سنوات لرئاسة هذه المؤسسات و تجديدها مرة واحدة. وإذا كانت الشعوب العربية ملت من الفساد والاستبداد، وخرجت تباعا إلى الشارع ترفع مطلب الرحيل لزعماء متحكمين، رفضوا مغادرة كراسيهم رغم السنوات الطويلة من الحكم، فإن جامعة القرويين يشهد التاريخ أنها احتضنت مسيرين قضوا عقدا من الزمن أو أقل في تدبير شؤون الكلية دون حسيب أو رقيب، حيث سير كلية اللغة بمراكش عميد لأكثر من 20 سنة، وكلية الشريعة بفاس سيرها عميد أزيد من 11 سنة قبل أن يتم إقالته بفعل الاحتجاجات المستمرة عليه، وهو الذي ظل يسير الجامعة بالنيابة إلى حين إحالته على التقاعد نهاية شهر دجنبر من السنة الماضية، فيما سجل في الكليات الأخرى استمرار العمداء في تسيير المؤسسات رغم إحالتهم على التقاعد، كحالة عميد كلية أصول الدين بتطوان الذي قضى 18 سنة مسؤولا بالكلية، وعميد كلية الشريعة بأكادير الذي استمر في تسيير المؤسسة.ويرى فاعلون جامعيون، أن توقف مسطرة الرئاسة دون اختيار رئيس للجامعة إسوة بباقي الجامعات المغربية تطبيقا لقانون الإطار 01.00، جعل الجامعة تعيش حالة من الفوضى والاضطراب منذ أكثر من عشر سنوات، مما ساهم في تأجيج الاحتجاج بمختلف الكليات وانخفاض عدد الطلبة المسجلين بالجامعة بشكل "مهول"، ولم يستبعد مراقبون، أن يكون هذا العبث الذي عاشته الجامعة مقصودا و"سياسة" للقضاء على التعليم الشرعي بالمغرب، وهو نفس الاتجاه الذي رأى في المهننة تشجيعا للتخصصات التقنية والعلمية على حساب تخصصات العلوم الإنسانية التي تخرج العلماء والمفكرين والأدباء والمثقفين. وكان الفريق الفدرالي للوحدة والديمقراطية بمجلس المستشارين، قد أثار داخل قبة البرلمان موضوع خروقات تتعلق بتدبير وتسيير جامعة القرويين والمؤسسات التابعة لها، في إطار إحاطة المجلس علما بقضية طارئة، خلال جلسة عامة مخصصة للأسئلة الشفوية في شهر ماي من السنة الماضية، وتوقف عند المادتين 15 و20 من قانون الإطار، وكذا مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وقبل ذلك بسبع سنوات، صرح وزير التعليم العالي آنذاك في استجواب صحفي بجريدة "لوماتان الصحراء" يوم 25 أبريل 2002، أن تعيين رئيس جامعة القرويين يحتاج إلى فتح نقاش حول مفهوم هذه الجامعة وإجراء بعض التعديلات بخصوص رسالتها ووظيفتها، وذلك على أساس قانون يصدر عن البرلمان. وكانت النقابة الوطنية للتعليم العالي، قد أبدت حينها مخاوف من محاولات لسحب الصفة الجامعية عن أعرق جامعة في العالم، من خلال إفراغها من بعدها الأكاديمي وفصلها عن منظومة التعليم العالي، وفك ارتباط بقية المؤسسات التابعة لها، ومن تم اختزال هذه الجامعة وحصرها في كلية الشريعة بفاس، وإلحاقها بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. تسيير بالنيابة.. !! حطمت رئاسة جامعة القرويين والكليات الأربع التابعة لها الأرقام القياسية في تولي المسؤولية بالنيابة، فالجامعة لم يعد لها رئيس منذ 11 سنة، وأدار شؤونها بشكل مؤقت رئيس بالنيابة إلى أن أحيل على التقاعد قبل شهر. والرئيس بالنيابة هو ذاته الذي تولى منصب عميد بكلية الشريعة بفاس لأكثر من 11 سنة إلى أن تمت إقالته يوم 22 مارس 2010، ويسيرها الآن عميد بالنيابة، ونفس الوضع تعيشه كلية الشريعة بأكادير. ويستغرب فاعلون من كون جامعة القرويين التي كانت سباقة إلى الانخراط في تنزيل بنود الإصلاح الجامعي وتطبيق الشق البيداغوجي وإحداث الهياكل الجامعية، عاشت وضعية انتظار واستثناء أكثر من 11 سنة، دون أن يتم تفعيل المادتين 15 و20 المنظمة لمسطرة انتخاب رئيس الجامعة وعمداء الكلية.ورفض عدد من الوزراء المتعاقبين على حقيبة وزارة التعليم العالي منذ حكومة اليوسفي الثانية، فتح ملف هذه الجامعة بمبرر وجود مشروع يرمي إلى إصلاحها وإعادة النظر في طرق عملها وأدائها، مما جعل خطوة تعيين رئيس الجامعة بالنيابة الجديد في ظل حكومة عبد الإله بنكيران تلقى ترحابا كبيرا من طرف مختلف الفاعلين في الجامعة، إذ اعتبروها إشارة قوية لتجاوز كل المشاكل التي تتخبط فيها الجامعة المغربية. انخفاض "مهول" للطلبة عرفت الكليات الأربع التابعة لجامعة القرويين انخفاضا "مهولا" في عدد الطلبة المقبلين على التسجيل بها، فمثلا، تفيد المعطيات الرقمية الخاصة بكلية الشريعة بفاس، أن عدد الطلبة الذين يتابعون دراستهم في مختلف المستويات لا يتجاوز 2700 طالب، وهو رقم يعادل تقريبا عدد الطلبة المسجلين في شعبة علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فقط، والحقيقة أن هذا الرقم الضعيف الذي سجلته الكلية يتجاوز بكثير عدد الطلبة المسجلين قبل سنتين، في فترة تسيير عميد الكلية بالنيابة الذي أقيل من منصبه، حيث لم يتجاوز عدد المسجلين 700 طالب. وأجع نقابيون الإقبال الضعيف على متابعة الدراسة في الجامعة، إلى حالة الفوضى التي عاشتها مختلف الكليات في فترة تولي الرئيس بالنيابة السابق، مما دفع الطلبة في كلية الشريعة بفاس، إلى اتخاذ قرار بسحب شواهد البكالوريا ومغادرة الكلية إلى حين رحيل رئيس الجامعة بالنيابة، حيث عاشت كلية الشريعة بفاس على وقع إخلاء شامل للكلية من طرف الطلبة وإضراب الموظفين والأساتذة عن العمل، استنكار لطريقة تسيير الجامعة. وعاشت الكلية مسلسل شد الحبل بين الرئيس ومختلف الفاعلين والمتدخلين، ففي بداية الموسم الجامعي الحالي رفض الرئيس توقيع شواهد الإجازة ودبلوم الدراسات الجامعية العامة مما حرم عشرات الطلبة من اجتياز مباريات التوظيف والولوج إلى الماستر، وتصاعدت الاحتجاجات بعد ذلك حتى استجاب الرئيس بالنيابة ووقع الشواهد، ليكتشف الطلبة أن شواهدهم لا تحمل الأرقام الوطنية مما يعني عدم اعتمادها. بعد ذلك تسارعت وثيرة الأحداث وهدد الطلبة بمقاضاة الرئيس، وأتبعوها بمحاكمة صورية، ومسيرات كانت تنطلق يوميا من الكلية إلى مقر رئاسة الجامعة المتواجد بالمركب الجامعي ظهر المهراز، وأخرى في شوارع الرباط توجت بعقد لقاء مع مستشار وزير التعليم العالي.لم ينته الأمر عند هذا الحد، فقد بلغ الغضب ذروته في صفوف الطلبة والأساتذة وعميد الكلية بعد إعلان الرئيس بالنيابة لقرار إجراء مباراة اختيار عميد جديد للكلية، تطور الأمر، فتقدم خمس مرشحين لمنصب العميد بينهم العميد بالنيابة الحالي ملتمسا لدى وزير التربية والتعليم العالي والوزير الأول عباس الفاسي المكلف بتصريف الأعمال، يدعوا إلى وقف المباراة وفتح تحقيق في الموضوع. تعطيل مجلس الجامعة في اليوم الأخير من السنة الماضية، شهد تنظيم مجلس الجامعة بعد 24 شهرا من تعطيله، للحسم في عمداء الكليات التابعة للجامعة، بعد فشل مباراة الانتقاء مرتين في كل من فاسوالرباط، إثر الإنزال القوي للأساتذة والطلبة الغاضبين، وتميز المجلس بعدم اكتمال النصاب ومنع رئيس الجامعة بالنيابة لمفوض قضائي من معاينة الاجتماع. وانتهى اللقاء بانتخاب عميد جديد لكلية الشريعة بفاس على وقع احتجاج أعضاء المجلس، لكن العميد المنتخب لم يباشر أعماله، ورفضه مختلف الفاعلين بالكلية، رغم توصل عمادة الكلية برسالة من الرئيس ساعات قبل إحالته على التقاعد تسمي فيها عميد الكلية بالنيابة الجديد. لم تكن كلية الشريعة بفاس، وحدها التي شهدت أحداث "درامية" وسلسلة من التسيير العشوائي والصراع بين الأطراف المتدخلين، فقد ظلت الكليات الأخرى، تعيش هي الأخرى، على إيقاع سلسلة من المشاكل، فمثلا، شهدت كلية أصول الدين بتطوان احتجاجات مع بداية الموسم الجامعي واستمرت لحدود الأيام القليلة المقبلة، بسبب التأخر في الإعلان عن نتائج مباراة ولوج ماستر "العقيدة والفكر في الغرب الإسلامي" نتيجة التجاذب بين العميد والأساتذة. فضلا عن كل ذلك، تعرف مختلف الكليات تعطيلا مستمرا لبعض مؤسساتها، كما هو الشأن في كلية أصول الدين بتطوان التي لا ينعقد فيها مجلس الكلية بشكل ثابت، إضافة إلى عدم وجود اللجان الثلاثة المتفرعة عن المجلس، وهي اللجنة البيداغوجية واللجنة الثقافية ولجنة متابعة الميزانية، وأيضا تشهد الكلية غياب اللجنة العلمية ونائبي العميد المكلفين بالبحث العلمي والأكاديمي والشؤون البيداغوجية.