يعد احتلال سبتة في عام 818 هجرية الموافق لسنة 1415 ميلادية بداية لسلسة من الحملات الصليبية التي شنتها البرتغال ثم إسبانيا على المغرب إلى أن سقط المغرب كله تحت الاستعمار الأوروبي في 1912 رغم استمرار المقاومة المسلحة البطولية التي لم تنته في الشمال إلا في 1927 بإقليم شفشاون ولم تنته في الجنوب إلا في 1934. و يدخل احتلال إسبانيا للجزر الواقعة ما بين سبتة و مليلية ضمن الاستراتيجية الإيبيرية لخنق المغرب من جهة البحر المتوسط، فوجود الثغرين المحتلين سبتة و مليلية إلى الآن تحت الهيمنة الإسبانية و تلك الجزر الصغيرة الواقعة بينهما و إن لم تكن إلا صخورا يدخل ضمن السياسة المتبعة منذ وصية إيزابيل الكاتوليكية التي أكدت على الانتقام من المسلمين في القارة الإفريقية ردا على القرون الثمانية التي قضتها أمة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم في الأندلس. و نحن نرى انطلاقا من الأحداث المتسلسة المتعاقبة في هذا الصدد و ما تنطوي عليه من عبر وعظات ودروس مستخلصة أن عين المغرب يحرم عليها الاكتحال بالنوم حتى تتقدم بخطوات ملموسة لإشعار الدولة الإسبانية بوجوب الأخذ بالاعتبار حقوق بلدنا في استعادة الأجزاء المحتلة من ترابه الغالي حيث إن حسن الجوار بين البلدين و التعاون القائم بينهما لا ينبغي أن يكون على حساب استكمال وحدتنا الترابية. وللتذكير فإن الدوائر الاستعمارية من الآن تستعد لاحتفالية دولية كبرى باحتلال سبتة بمناسبة مرور ستة قرون كاملة على وقوعها تحت الهيمنة الصليبية ففي سنة 2015 ستكون قد مرت ست مائة سنة كاملة على احتلال سبتة السليبة و الدوائر الانتخابية في هذا الثغر بدأ منذ نحو سنة الاستعدادات على قدم و ساق لتنظيم احتفالية كبرى نكاية في المغرب وشماتة فيه ورغبة منه في إظهار تصميمه على التمسك بهذه الأراضي الطاهرة. و نحن ندق هنا جرس الإنذار و نرفع صوتنا عاليا للتحذير من التغافل عن هذه الروح الحاقدة التي تعمى جيراننا عن الحقائق التاريخية و الجغرافية و القانونية التي تؤكد كلها مغربية سبتة و مليلية و ما بينهما من الصخور. و للتدليل على أن الدوائر الاستعمارية و المقصود بها كل من يحن إلى سنوات الاستعمار و ما تحمله من معاني الاستئثار و الاستبداد ماضية في خطتها للإيهام بترسيخ الأسبنة و الأوربة في ثرى المغرب الإسلامي هو أن جميع الأصوات التي انطلقت ناصحة لفتح المفاوضات و المحادثات في هذا الصدد لم تسمع لحد الساعة و حتى الاقتراح الذي قدمه الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله بإحداث خلية للتفكير في مستقبل سبتة و مليلية لم يتلفت إليه بل لا يكاد يذكر. و أكثر من هذا فإن الدستور الإسباني الحالي ينص في بعض فصوله على إسبانية سبتة و مليلية و أنهما جزء من المملكة الإسبانية في حين لم ينص على الأراضي الواقعة في شبه الجزيرة الإيبيرية و ما ذلك إلا لأن هناك في داخل الشعور الإسباني شكوكا باطنية بإن المستقبل مهما طال لابد أن يفضي إلى رفع اليد الاستعمارية عن تلك الأجزاء النفيسة من المملكة المغربية. و بخصوص التقرير الذي يشير على الحزب الشعبي الحاكم بإيجاد وضعية قانونية لتلك الصخور فإن هذه الفكرة جاءت متأخرة و مصادمة لما على الأرض من الأدلة الجغرافية التي لا يمكن الطعن فيها لكونها مسلمات ثابتة يؤكد القانون الدولي من خلالها أنها ينبغي أن تكون فعليا و عمليا جزء من التراب المغربي كما كانت قبل أن تتعرض للسطو من طرف القوات الغازية الإسبانية بعد تراجع القوة الإسلامية و ظهور الهيمنة الأوروبية في أعقاب سقوط غرناطة في 1492 و إعادة اكتشاف القارة الأمريكية من طرف كولومبس. ونحن نشير إلى أن المغرب يجب أن يعمل على واجهتين: من جهة على الديبلوماسية المغربية أن تسعى إلى توطيد العلاقات ما بين المغرب وإسبانيا في جميع الميادين لصالح القطرين المتجاورين بروح من الجدية والصدق و النية الحسنة ومن جهة أخرى على هذه الديبلوماسية أن تتقدم بمبادرات جديدة تكمل بها مبادرة الملك الحسن الثاني بإحداث خلية التفكير و تحيي فيها ذلك الاقتراح و ما يمكن أن يضاف إليه من إجراءات في سبيل خطة وطنية و برنامج إستراتيجي نسعى من خلاله إلى استعادة ما تبقى من أرضنا تحت الاحتلال مع مراعاة حقوق و مصالح سكان سبتة ومليلية ضمن نظرة مندمجة إلى المستقبل بما يتفاعل فيه من تطورات إقليمية و دولية. إننا من دعاة التفاهم بين المغرب وإسبانيا و تجديد الصلات و تأكيد الصداقة و حسن الجوار بينهما و لكن دون أن ننسى استكمال وحدتنا الترابية. (❉)باحث في العلاقات المغربية الإسبانية