لم تعد جهود فريق المراقبين التابع للجامعة العربية برئاسة الفريق الأول الركن محمد أحمد مصطفى الدابي ترضي عددا من الدول العربية وخصوصا منها الخليجية التي قررت سحب مراقبيها، بينما يتهم مراقبون الدابي باتخاذه موقفا مؤازرا لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا. فيما زعم رئيس فريق المراقبين، الفريق الأول الركن محمد أحمد مصطفى الدابي أن «المسلحين» هم الذين يبادرون بالهجمات وأن قوات الأمن التابعة للنظام تكون في موقف دفاعي، ونأى بنفسه عن مبادرة المجلس الوزراي العربي الذي دعا الأسد إلى التنحي وتكليف نائبه الأول مهامه. في المقابل، اتهم مراقب سعودي "الدابي" بنشر "الكذب" في تقريره بشأن الأحداث في سوريا، في وقت قررت فيه الجامعة العربية إحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن، في حين ارتفع عدد ضحايا الهجمات الدامية لقوات الأمن السورية التي وقعت أول أمس إلى 64 قتيلا، وفق ما قالته لجان التنسيق المحليّة. وقال الدابي إن «مسلحين» يبادرون إلى الهجوم على قوات الأمن والمدنيين فيما الأخيرة تقوم بالرد، وزعم أن العنف في سوريا انحسر بعد وصول المراقبين، وهو ما يتناقض مع شهادات نشطاء سوريين قالوا إن القتل استمر من دون توقف وأن عدد القتلى قارب 1000 شخص في غضون شهر من وصول المراقبين إلى سوريا. وكان الدابي يتحدث بعد يوم من اقتراح وزراء الخارجية العرب تسليم الرئيس السوري بشار الأسد السلطة إلى نائبه وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة بعد إخفاق جهود سابقة في إنهاء العنف. وقال الدابي في مؤتمر صحافي عقد في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة: «عندما وصلت البعثة كان هناك عنف واضح وظاهر ولكن بعد وصول البعثة بدأت تخف حدة العنف تدريجيا.. العنف الذي يتم بين المعارضة المسلحة وبين الحكومة». وأضاف أن مهمة البعثة كانت التحقق مما يجري على الأرض وليس التحقيق فيه، مضيفا أن المراقبين رصدوا حتى الآن 136 قتيلا منذ بدء مهمتهم وأن العدد يشمل أنصار المعارضة والحكومة. وأكد الدابي أن المعدات العسكرية الثقيلة سحبت من كل المدن. وقال: «البعثة مهمتها الرصد وليست إيقاف القتل أو إيقاف التدمير أو العكس»، وأضاف أن البعثة أرسلت للتأكد ما إذا كانت سوريا تلتزم بخطة السلام العربية وأنه «إذا تم إيقاف القتل ستقول تم إيقاف القتل وإذا لم يتم ستقول لم يتم.. هذا هو واجب البعثة وليس العمل التنفيذي». وتابع الدابي يقول إنه فيما يتعلق بالإفراج عن المحتجزين فإن التقارير كانت من مصادر معارضة وتقول إن 12 ألفا تقريبا احتجزوا، لكن البعثة عندما راجعت هذا الرقم وجدت أن تلك التقارير تفتقر للمعلومات الملموسة ولا يمكن التحقق منها. وردا على من قال إن البعثة كانت تكسب وقتا للحكومة السورية قال إنه أكد للوزراء العرب على ضرورة تقدم عملية السلام حتى يجري الحوار الوطني بالتزامن مع عمل البعثة. رفض لمواقف "الدابي" لكن تصريحات فريق الدابي لم تعد مقبولة من المعارضة السورية،كما أنها لم تعد ترضي عددا من الدول العربية. فقد قررت الدول الخليجية، أول أمس، «التجاوب» مع قرار السعودية سحب مراقبيها من بعثة الجامعة العربية الى سوريا بعد «تأكدها من استمرار نزيف الدم وقتل الأبرياء». وأفاد بيان للأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي أن دول المجلس قررت «التجاوب» مع قرار السعودية سحب مراقبيها من بعثة الجامعة العربية إلى سوريا «مع التزامها بكل قرارات مجلس الجامعة حفاظا على وحدة الصف العربي رغم قناعة دول المجلس بضرورة أن يكون القرار الأخير أكثر قوة وأن يكون عاملا للضغط على النظام السوري كي يوقف القتل». وكان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أعلن مساء الأحد الماضي في الجلسة الافتتاحية لاجتماع وزراء الخارجية العرب أن بلاده ستسحب مراقبيها «لعدم تنفيذ الحكومة السورية لأي من عناصر خطة الحل العربي». وأكد البيان أن القرار يأتي «بعد متابعة دقيقة ومتأنية لمجريات الأحداث» في سوريا و»التأكد من استمرار نزيف الدم وقتل الأبرياء وعدم التزام النظام السوري بتنفيذ قرارات مجلس الجامعة العربية وخصوصا البروتوكول» الذي وقعته دمشق. كما طالب البيان الدول العربية ب»الالتزام بكل جدية ومصداقية بتنفيذ قرارات الجامعة العربية «بهدف الضغط على سوريا للالتزام فعلا لا قولا بما تعهدت به». واتفق مجلس الجامعة في ختام اجتماع وزاري استمر خمس ساعات في القاهرة الأحد الماضي على طلب «تفويض رئيس الجمهورية نائبه الأول بصلاحيات كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة وحدة وطنية» يفترض أن يتم تشكيلها «خلال شهرين». ومن المفترض أن ترأس حكومة الوحدة الوطنية «شخصية متفق عليها» وأن تكون مهمتها «تطبيق بنود خطة الجامعة العربية والإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية تعددية حرة بموجب قانون ينص على إجراءاتها وبإشراف عربي ودولي». ودعت الجامعة العربية «الحكومة السورية وكافة أطياف المعارضة السورية إلى بدء حوار سياسي جاد تحت رعاية جامعة الدول العربية في أجل لا يتجاوز أسبوعين» من أجل تشكيل الحكومة. لكن دمشق رفضت بشكل قاطع المبادرة الجديدة، معتبرة أنها «تدخل سافر» في الشؤون الداخلية السورية. وأَعلَن وزير الخارجيّة السوري وليد المعلم، أول أمس، أن سوريا لن توافق على حلول الجامعة العربيَّة لأزمتها المستمرة منذ عشرة أشهر، سواء أخذت مقترحاتها إلى الأممالمتحدة «أو إلى القمر» على حد تعبيره، مؤكدًا أن بلاده لا تزال تبحث طلب تمديد مهمة بعثة المراقبين العرب. جاء ذلك في وقت عقدت الجامعة العربيّة على مستوى المندوبين، اجتماعًا طارئاً أمس لمناقشة آخر المستجدات بشأن الأزمة في سوريا، على ضوء قرار دول الخليج سحب مراقبيها من البعثة العربية إلى سوريا، بجانب رفض الحكومة السوريّة للقرارات الأخيرة الصادرة عن الجامعة الأحد. وذكر مصدر مسؤول بالجامعة أنه تقرر الدعوة لعقد هذا الاجتماع لتدارس الوضع في سوريا والتداعيات السلبيّة لسحب المراقبين الخليجيين من بعثة المراقبين العرب، وهو الأمر الذي يلقي بظلاله على فرص نجاح البعثة في عملها في سوريا. وقال المعلم بحسب «رويترز» : «استبدلوا مناقشة تقرير المراقبين بتقديم تقرير سياسي ينتهك السيادة السوريَّة ويعرفون أننا لن نقبل به». المعارضة تدين أداء المراقبين وكان المجلس الوطني السوري قد أدان أداء بعثة المراقبين واتهمها بأنها تفتقر إلى مستلزمات الأداء المهني وعدم قدرتها على عكس الحقائق في الميدان، حيث تم إرسال عدد محدود من المراقبين غير المحترفين الذين لم يكن بوسعهم القيام بالمهام المنوطة بهم. وشدد المجلس الوطني الذي التقى وفدًا ضم رئيسه الدكتور برهان غليون وأعضاء مكتبه التنفيذي الدكتور نبيل العربي ونائبه السفير أحمد حلي وعددًا من مساعديه في القاهرة نهاية الأسبوع على أن أي مبادرة لن يكتب لها النجاح ما لم يتم تبنيها عبر مجلس الأمن على نحو يمنع النظام من المراوغة والالتفاف، ويفرض عقوبات عليه في حال عدم الالتزام بتطبيقها. وأشار إلى أن وفدًا يمثل المجلس الوطني سيتوجه قريبًا إلى نيويورك لعقد لقاءات موسعة مع ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن وطرح القضية السورية ضمن الإطار الدولي. تقرير "مضاد" ل"الدابي" وفي تطور آخر، قدم وفد من المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري إلى نبيل العربي نسخة من «التقرير الموازي» المتعلق بأداء بعثة المراقبين العرب، والذي طالب الجامعة العربية بالاعتراف بعجزها عن تأمين الحماية اللازمة للمدنيين العزل في ظل الآليات المتوفرة لديها، وإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن بالسرعة الممكنة. وقال رضوان زيادة مدير مكتب العلاقات الخارجية في المجلس الوطني السوري في بيان له، أول أمس: «التقرير وملحقاته الذي يقع في نحو 100 صفحة، يتضمن عددًا من الأفلام والصور، توثيقًا دقيقًا لمراحل عمل المراقبين، والجرائم التي ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين في غالبية المدن والبلدات والتي تجاهلها التقرير الذي أعلنت عنه الجامعة وأعده رئيس بعثة المراقبين الفريق محمد الدابي». وأضاف زيادة: «التقرير قدم إحصاءً بعدد الشهداء والجرحى والمعتقلين والمفقودين، ووصف طبيعة مهام البعثة وحصر 24 خطأ في عمل اللجنة مما أدى إلى انتفاء قدرتها على الأداء في ظل أوضاع متأزمة». ... إلى مجلس الأمن في الأثناء، قال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني إن الدول العربية قررت رفع الملف السوري إلى مجلس الأمن بموقف موحد ما عدا دولة واحدة لم يسمها تحفظت على هذا الموقف. وأضاف حمد بن جاسم في اتصال مع «الجزيرة»، مساء أول أمس، أن موقف الدول العربية الموحد هو عرض كل القرارات التي صدرت من الجامعة العربية بخصوص سوريا إضافة إلى المبادرة العربية الأخيرة على مجلس الأمن لكي يتبناها. وشدد حمد بن جاسم على أن الجامعة العربية لم تطلب تدخلا عسكريا في سوريا، وإنما تدعو مجلس الأمن والأممالمتحدة لإقرار وتدعيم القرارات العربية. دوليا، دعا الأعضاء الغربيون في مجلس الأمن الدولي، أول أمس، المنظمة الدولية إلى إصدار إشارة «قوية» لدعم جهود الجامعة العربية. ودعا المندوب الألماني «بيتر فيتيج» المجلس المؤلف من 15 دولة إلى إصدار «إشارة واضحة» تدعم خطة الجامعة العربية في جميع جوانبها لإنهاء الاضطرابات التي أسفرت عن مقتل آلاف الأشخاص، والسماح لقيادة الجامعة بمخاطبة المجلس في نيويورك بلا تأجيل. وقال دبلوماسيون إنه من المقرر أن تصل قيادة الجامعة إلى نيويورك قبل نهاية الأسبوع. وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، قال «فيتيج» خلال اجتماع للمجلس بشأن الوضع في «الشرق الأوسط»: «ينبغي على المجلس إدانة الانتهاكات المستمرة والممنهجة لحقوق الإنسان واستخدام القوة ضد المدنيين من جانب السلطات السورية والمطالبة بإنهاء فوري لجميع أشكال العنف». وقالت المندوبة الأمريكية سوزان رايس ونظيرها البريطاني مارك ليال جرانت إنهما يدعمان قرارا قويا بشأن النزاع في سورية وانتقدا الدول التي منحت شحنات أسلحة إلى دمشق، وأشارا إلى أن تلك الأسلحة أسهمت في نشر العنف. وكانت الأممالمتحدة دعت، أول أمس، إلى عملية سياسية «موثوقة وشاملة» بقيادة سورية لتلبية المطالب المشروعة للشعب السوري بشأن الحريات. وقال «أوسكار فرنانديز تارانكو» مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية أثناء اجتماع بمجلس الأمن الدولي حول الوضع في الشرق الأوسط إن العملية السياسية يجب أن تبدأ في سورية «بهدف التعامل بشكل فعال مع التطلعات المشروعة للشعب السوري وضمان الممارسة الكاملة لحرياتهم الأساسية». وأضاف «تارانكو» أن الوقت قد حان لإنهاء أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان التي استشرت في سورية خلال الأشهر العشرة الماضية. وأوضح أن الجامعة العربية تعتزم السعي وراء الحصول على دعم مجلس الأمن الدولي، الذي يضم 15 من الدول الأعضاء، في نيويورك لمقترحاتها بشأن إنهاء الاضطرابات في سورية. سقوط الضحايا متواصل وعلى الأرض، يواصل النظام السوري جرائمه في حق المدنيين، فقد أعلنت لجان التنسيق المحلية في سوريا أن عدد القتلى برصاص قوات الأمن والجيش السوري، أول أمس، بلغ 64 قتيلا، معظمهم في مدينة حمص. كما دارت اشتباكات بين الجيش السوري الحر وقوات النظام مدن دوما بريف دمشق وحلفايا وقلعة المضيق بريف حماة وجاسم في درعا ومدينة إدلب. وبث ناشطون صورا على الإنترنت تظهر الأوضاع في منطقة كرم الزيتون في مدينة حمص بعد إطلاق قوات الجيش قذائف الهاون على منطقة سكنية في الحي، حيث سارع السكان لإسعاف أعداد من المصابين جراء القصف. وقصفت قوات النظام حييْ باب تدمر وكرم الزيتون مما أدى إلى انهيار منازل على رؤوس ساكنيها ومقتل عشرات. كما تعرضت مدينة القصير بحمص والبارة في إدلب لقصف عشوائي أصاب عددا من المنازل ولإطلاق نار على المتظاهرين. وفي حماة تعرض حيّا باب قبلي والحميدية لقصف بالهاون من قبل القوات الحكومية، كما انتشر قناصة على أسطح المباني، وقطعت الاتصالات عن المدينة. وشهدت مدن دوما بريف دمشق وحلفايا وقلعة المضيق بريف حماة وجاسم في درعا ومدينة إدلب اشتباكات بين الجيش الحر وقوات النظام. وكان الجيش السوري قد أرسل تعزيزات إلى درعا بعد سلسلة من الاشتباكات مع المنشقين الذين أصبحوا يتصدون بشكل متزايد للقوات النظامية، في حين ارتفع عدد ضحايا الحملات الأمنية والمواجهات التي وقعت الاثنين الماضي إلى 36 قتيلا.