قررت اللجنة الوزارية العربية المعنية بالأزمة السورية، أول أمس، تبني مبادرة جديدة تدعو الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي عن السلطة بشكل سلمي، وذلك من خلال تفويض نائبه الأول بصلاحيات كاملة مع تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال شهرين، وهو ما اعتبره مراقبون مخرجاً على الطريقة اليمنية، فيما أعلن الوزراء العرب بأنهم سيطلبون من مجلس الأمن «دعم خطتهم» السياسية لاستتباب الأمن في سوريا. في وقت اتخذوا فيه قرارا بتمديد عمل بعثة المراقبين العربا شهراً إضافيا مع دعمها بشرياً ولوجستياً، بعدما أنحى تقرير البعثة باللائمة في استمرار العنف على النظام والمعارضة، في مقابل رفض الحكومة السورية للخطة العربية لإنهاء العنف واتهامها للجامعة بما وصفته «تدخلا سافرا» في شؤونها الداخلية. وحول جرائم النظام في حق المناهضين السلميين لحكمه أفادت تنسيقيات الثورة أن 976 قتيلاً سقطوا برصاص الجيش والشبيحة والأمن منذ وصول المراقبين العرب إلى سوريا. وقال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم في مؤتمر صحافي عقده في القاهرة إن المبادرة العربية الجديدة التي تبناها الوزراء العرب مساء أول أمس تطالب برحيل النظام السوري سلميا. وأضاف بن جاسم إن «المبادرة العربية تتحدث عن ذهاب النظام السوري سلميا»، معتبرا أن «المبادرة متكاملة تشبه المبادرة اليمينة ونأمل أن تقبل بها الحكومة السورية حتى نستطيع أن نبدأ التنفيذ، في حال لم ينفذوا نحن ذاهبون إلى مجلس الأمن وسنتخذ قرارات ليس من بينها التدخل العسكري». بنود قرار العرب وناقش وزراء الخارجية العرب، الذين اجتمعوا، ليلة أول أمس، مشروع قرار يقضي بأن يفوض الرئيس السوري نائبه صلاحيات كاملة للتعاون مع حكومة وحدة وطنية تشكل خلال شهرين لتمكينها من أداء واجباتها في المرحلة الانتقالية وإعلان حكومة الوحدة الوطنية حال تشكيلها بأن هدفها هو أقامة نظام سياسي ديمقراطي تعددي يتساوى فيه المواطنون بغض النظر عن انتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم. ويدعو مشروع القرار، الذي يتضمن ست نقاط، إلى “تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال شهرين تشارك فيها الحكومة والمعارضة برئاسة شخصية متفق عليها تكون مهمتها تطبيق بنود خطة الجامعة العربية والإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية تعددية حرة بموجب قانون ينص على إجراءاتها بإشراف عربي ودولي”. كما يدعو إلى قيام “حكومة الوحدة الوطنية بتشكيل هيئة مستقلة مفوضة للتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون والبت فيها وإنصاف الضحايا”. ويقضي مشروع القرار أيضاً ب”قيام حكومة الوحدة الوطنية بالإعداد لإجراء انتخابات لجمعية تأسيسية خلال ثلاثة أشهر من تشكيلها على أن تكون شفافة ونزيهة برقابة عربية ودولية”، ويقترح “إعداد مشروع دستور جديد للبلاد يتم اقراره عبر استفتاء شعبي وكذلك إعداد قانون انتخابات على أساس الدستور على أن تنجز هذه المهام في مدة حدها الأقصى ستة أشهر تجرى بعدها انتخابات رئاسية”. ويدعو مشروع القرار إلى “الاستمرار في نشر بعثة مراقبي الجامعة العربية والتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة لدعمهم”. وأكد كذلك على أهمية قيام الحكومة السورية بالإفراج عن المعتقلين وإخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة وفتح المجال أمام منظمات الجامعة المعنية ووسائل الاعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سوريا للاطلاع على حقيقة الأوضاع ورصد ما يدور فيها من أحداث. وشدد على أهمية سحب الجيش السوري وأية قوات مسلحة من مختلف التشكيلات إلى ثكناتها ومواقعها الأصلية والسماح بالتظاهر السلمي بمختلف اشكاله. وأشار الاقتراح العربي إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية هيئة مستقلة مفوضة للتحقيق فى الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون والبت فيها وإنصاف الضحايا وقيام تلك الحكومة بالإعداد لإجراء انتخابات لجمعية تأسيسية على أن تكون شفافة ونزيهة برقابة عربية ودولية . وأكد في الوقت ذاته الاستمرار في نشر بعثة مراقبي جامعة الدول العربية والتعاون مع السكرتير العام للأمم المتحدة لدعمهم وتوفير مايلزم لهم من الدعم الفنى والمالي. كما قرر وزراء الخارجية العرب تقديم طلب إلى مجلس الأمن الدولي ل»دعم خطة» الجامعة العربية لإنهاء الأزمة في سوريا والتي تقضي ببدء حوار سياسي بين الحكومة والمعارضة في غضون أسبوعين لتشكيل حكومة وحدة وطنية خلال شهرين يفوض الرئيس السوري نائبه الاول التعاون التام معها. وأكد الوزراء، في قرار تلاه رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري أنه سيتم «إبلاغ مجلس الأمن» الدولي بالمبادرة العربية الجديدة والطلب منه «دعمها». تمديد «البعثة» شهرا وكان دبلوماسي رفيع في الجامعة أعلن أن اللجنة الوزارية العربية، التي عقدت اجتماعاً استمر أكثر من أربع ساعات، قبل اجتماع الوزراء، وافقت على التمديد شهراً لبعثة المراقبين العرب في سوريا، مستجيبة لتوصية رئيس البعثة الفريق محمد أحمد الدابي. وترأس اجتماع اللجنة رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم وحضره وزراء خارجية مصر والجزائر وسلطنة عمان والسودان وأمين عام الجامعة العربية نبيل العربي، وتغيبت السعودية. وقال الدبلوماسي إن التقرير الذي قدمه الدابي حول مهمة المراقبين في الفترة من 26 دجنبر الماضي حتى 18 يناير، “ألقى باللوم في استمرار العنف على الطرفين المعنيين في سوريا” الحكومة والمعارضة. وأكد أن “أهم التوصيات هي ضرورة استمرار عمل البعثة في مهمتها مع تدعيمها إدارياً ولوجستياً بمزيد من المراقبين والتجهيزات والمعدات”. وأوضح أن التقرير “أوصى بضرورة أن يتزامن عمل البعثة مع إطلاق عملية سياسية”. وكان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قد أعلن في كلمة له بالاجتماع أن السعودية ستسحب مراقبيها المشاركين في بعثة الجامعة. وقال الفيصل إن الرياض «ستسحب مراقبيها من بعثة المراقبين العرب لعدم تنفيذ الحكومة السورية أيا من عناصر خطة الحل العربي التي تهدف أساسا إلى حقن الدماء الغالية علينا جميعاً». ودعا “الأشقاء العرب إلى الالتزام بكل جدية ومصداقية بما قرره مجلس الجامعة العربية حول فرض عقوبات تهدف إلى الضغط على الحكومة السورية لتلتزم فعلاً لا قولاً بما تعهدت به وهي عقوبات الأصل فيها أنها مفعلة ومستمرة طالما لم نقرر مجتمعين إلغاءها”. كما طالب “المجتمع الدولي بأن يتحمل مسؤوليته بما في ذلك الدول الإسلامية وروسيا والصين وأوروبا والولايات المتحدة، وأن تمارس كل ضغط ممكن في سبيل إقناع الحكومة السورية بالتنفيذ العاجل والشامل لخطة الحل العربية”. المعارضة تطالب بالمزيد وفي إطار ردود الفعل الأولية على المبادرة العربية، أعلن رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون أنها تؤكد انتهاء نظام بشار الأسد، وحق الشعب السوري في الانتقال إلى نظام ديمقراطي وحكومة منتخبة. وأضاف أن المجلس يرحب بالمبادرة وسيخضع بنودها لدراسة دقيقة لاتخاذ موقف تجاهها. وكان المجلس قد طالب مجلس الأمن الدولي ب”حماية الشعب السوري”، وذلك في تقرير أصدره، أول أمس في القاهرة. ودعا المجلس في هذا “التقرير المضاد” لتقرير رئيس بعثة المراقبين العرب في سوريا الفريق أول محمد أحمد الدابي مجلس الأمن إلى “تبني قرارات حاسمة لحماية الشعب السوري”، وطالب روسيا والصين ب”عدم عرقلة أي قرار دولي يدين النظام السوري” و”عدم الاستمرار في دعم النظام السوري عسكرياً وسياسياً” . وطلب المجلس أيضاً من مجلس الأمن “إحالة الملف السوري الى محكمة الجنايات الدولية واعتبار ما يجري في سوريا من جرائم قتل وترويع جرائم ضد الإنسانية وملاحقة كل مرتكبيها وفقا للقانون الدولي” . كما طالب ب“فرض عقوبات على كل المسؤولين السوريين المتورطين في جرائم ضد الانسانية في سوريا وعلى رأسهم الرئيس السوري بشار الأسد، ودعا جامعة الدول العربية إلى “إحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن بالسرعة الممكنة” وطلب من كل الدول العربية “تنفيذ قرارات الجامعة العربية بسحب سفرائها من دمشق”. وأكد المجلس الوطني السوري المعارض أنه يستعد لإيفاد بعثة إلى مجلس الأمن لمطالبته بالتدخل لحماية المدنيين في سوريا. وقال محمد سرميني أحد المتحدثين باسم المجلس إن هذا الوفد “سيسلم مجلس الأمن خطاباً يطلب نقل الملف السوري إليه لحماية المدنيين”، وأضاف أن هذا الوفد سيتوجه إلى نيويورك عقب اجتماعات المكتب التنفيذي التي تعقد في العاصمة المصرية والتي ستسغرق عدة أيام. الحكومة ترفض المبادرة في المقابل، رفضت السلطات السورية القرارات التي أصدرها مجلس الجامعة العربية، على المستوى الوزراي بشأن تسوية الأزمة، معتبرةً أنها انتهاكا لسيادتها الوطنية وتدخلا سافرا في شؤونها الداخلية. ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية، عن مصدر مسؤول قوله: إن «سوريا ترفض القرارات الصادرة عن مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري بشأن سوريا خارج إطار خطة العمل العربية والبروتوكول الموقع مع الجامعة وتعتبرها انتهاكا لسيادتها الوطنية وتدخلا سافرا في شؤونها الداخلية وخرقا فاضحاً للأهداف التي أنشئت الجامعة العربية من أجلها وللمادة الثامنة من ميثاقها». وقال المصدر «إن سوريا تؤكد إدانتها لهذا القرار الذي جاء في إطار الخطة التآمرية الموجهة ضد سوريا من قبل أدوات تنفذ هذه المخططات التي باتت مكشوفة لجماهير شعبنا في سوريا والوطن العربي». في سياق منفصل، وعن حصيلة جرائم نظام بشار الأسد في حق المحتجين المسالمين، أكّدت لجان تنسيق الثورة السورية أن 976 مدنيًا قتلوا برصاص الأمن بعد شهر من وصول بعثة المراقبين العرب إلى سوريا، بينهم 54 طفلاً و28 امرأة. وذكرت اللجان أن معظم القتلى كانوا في حمص حيث سقط 347, في حين سقط 166 في إدلب و131 في دمشق وريفها و111 في حماة و221 في باقي المحافظات. أما في إدلب شمالي البلاد، فقد أعلن مجلس قيادة الثورة في المحافظة الحداد ثلاثة أيام على قتلى ما وصفها بمجزرة أمس السبت (الماضي) التي قتل فيها نحو مائة. وكان الأهالي هناك قد عثروا على ستين جثة داخل ثلاجات المستشفى الوطني، من بينها عشر نساء، وتظهر آثار التعذيب على كثير منها. يضاف إلى ذلك مقتل 15 سجينًا، السبت، في تفجير استهدف حافلتهم على الطريق بين إدلب وبلدة أريحا القريبة، عندما كانت قوات الأمن تنقلهم من موقع إلى آخر.