لم تنتظر دول مجلس التعاون الخليجي كثيرا، بعد صدور تقرير رئيس بعثة الجامعة العربية لدى سورية مصطفى الدابي إذ سارعت إلى سحب مراقبيها في سورية، عازية قرارها هذا إلى "استمرار نظام دمشق في إراقة الدماء وقتل الأبرياء وتعطيل أي حل لهذه الازمة التي تشتد فصولها يوما بعد يوم". فقد قررت دول مجلس التعاون الخليجي، اليوم الثلاثاء، التجاوب مع قرار المملكة العربية السعودية أمس القاضي بسحب مراقبيها من بعثة الجامعة العربية إلى سورية، بعد "تأكدها من استمرار نزيف الدم وقتل الأبرياء". وعبر مجلس الأمانة العامة، في بلاغ أصدره اليوم، عن قناعته بأن يكون قراره هذا " أكثر قوة، وأن يكون عاملا للضغط على النظام السوري لإيقاف عمليات القتل الممنهجة ضد الشعب السوري". ودعا البلاغ، الدول الأعضاء في مجلس الأمن إلى "تحمل مسؤولياتها" وممارسة "الضغوط على سورية" بغية تنفيذ قرارات مجلس الجامعة العربية، حاثا "الدول الدائمة العضوية والدول الاسلامية إلى اتخاذ كل الإجراءات اللازمة في مجلس الامن للضغط على سورية لتنفيذ قرارات الجامعة العربية بشأن حل هذه الأزمة". وكان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قد أعلن أول أمس خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب، في القاهرة، أن بلاده ستسحب مراقبيها من بعثة المراقبين العرب في سورية. وقال الفيصل إن السعودية "ستسحب مراقبيها من بعثة المراقبين العرب لعدم تنفيذ الحكومة السورية لأي من عناصر خطة الحل العربي التي تهدف اساسا لحقن الدماء الغالية علينا جميعا". وقبل ذلك كان مجلس الوزراء السعودي ، قد برر موقف المملكة هذا ، خلال اجتماعه أمس الإثنين برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، " بعدم تنفيذ الحكومة السورية لأي من عناصر خطة الحل العربي، التي تهدف أساسا لحقن الدماء السورية الغالية". كما ان القرار الخليجي عموما والسعودي على وجه الخصوص، يفهم من تجلياتهما، حسب العديد من المراقبين، على أن دول مجلس التعاون "لم تتجاوب مع تقرير الدابي بشأن تقييم الوضع في سورية، حيث تعامل بمرونة في رصد الأجواء على الأرض السورية، مانحا بذلك الوقت الكافي لنظام بشار الأسد من اجل الاستمرار في عمليات تقتيل الشعب السوري". وكانت تقارير إعلامية قد نقلت في وقت سابق عن مصادر دبلوماسية كويتية، بأن دول مجلس التعاون الخليجي ستسير على خطى السعودية من أجل سحب مراقبيها من بعثة المراقبين العرب في سورية. وأضافت المصادر ذاتها، أن "دول مجلس التعاون تتجه الى سحب جماعي للمراقبين، كي لا يبقوا شهود زور على الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين في سورية"، معتبرة ان "النظام السوري يستغل المراقبين لممارسة القمع على الشعب وهذا ما ترفضه دول المجلس الخليجي". وكانت الإرهاصات الاولية لقرار دول الخليج سحب مراقبيها من سورية ، قد تضمنت في عدة تصريحات أطلقها وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، الذي أكد في وقت سابق في العاصمة أبوظبي، أن "دمشق لم تلتزم بمساعدة مراقبي الجامعة العربية على أداء مهامهم على الأرض"، معتبرا أنه "لا يرى التزاما سوريا يسمح للمراقبين العرب بأداء مهمتهم في هذا البلد". وأشار إلى أن "مهمة المراقبين العرب تزداد صعوبة يوميا، بسبب تعرضهم لاعتداءات واضح أن مصدرها من غير المعارضة"، مشيرا في ما يتعلق باستشراف الحلول الممكنة لإنهاء الأزمة السورية، " الى التريث والاستماع إلى كل الأراء المطروحة وإلى تقرير الأمين العام لجامعة الدول العربية وتقرير رئيس المراقبين العرب خلال اجتماع وزراء الخارجية بالقاهرة من اجل تقييم الوضع على الأرض". وسبق لرئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم أن انتقد السلطات السورية، متهماً إياها ب"عدم تنفيذ بنود الاتفاقية التي أبرمت مع الجامعة العربية بهدف وقف العنف في البلاد"، مضيفاً أن مراقبي الجامعة العربية "لا يمكن أن يبقوا هناك لإضاعة الوقت". وقال بن جاسم في تصريحات تلفزيونية بثت مؤخرا إن "الجيش السوري الملزم بالانسحاب من المدن السورية وفقاً للاتفاق "لم ينسحب كما كان متفقا عليه"، مشيراً إلى أن "عمليات القتل لم تتوقف خلال تواجد المراقبين العرب على الأرض السورية". وفي السياق ذاته، كان أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، قد ذهب أكثر من ذلك بعد تأييده في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" على قناة "سي.بي.أس" التلفزيونية الأمريكية، فكرة "إرسال قوات عربية لوقف إراقة الدماء في سورية"، مضيفا انه "يتعين إرسال عدد من الجنود إلى سورية لانهاء أعمال القتل". بيد ان القرار الخليجي وإن كان غير مفاجئ في توقيته، فإنه يأتي ايضا عقب إدانة الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي في وقت سابق تعرض المراقبين العرب في سورية لاعتداءات، محملا الحكومة السورية "المسؤولية الكاملة" عن حمايتهم. وقال العربي في بيان صحفي إن الجامعة "تدين تعرض بعض المراقبين لأعمال عنف من جانب عناصر موالية للحكومة السورية فى اللاذقية ودير الزور، أدت الى وقوع اصابات لأعضاء البعثة وإحداث أضرار جسيمة لمعداتها". كما يأتي قرار دول الخليج الانسحاب من بعثة المراقبين العرب في سورية ، أياما فقط بعد تصريحات الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير أحمد بن حلي، الذي اكد أن الجامعة العربية توجد في "مرحلة مفصلية" بشأن تعاملها مع الأزمة السورية، لأن تقرير رئيس فريق المراقبين الذي سيقدم في وقت لاحق (الخميس الماضي) سيكون "حاسما" في تعاطي البلدان العربية مع فصول الأزمة السورية.