أكد عاطف الجولاني الفاعل الإعلامي والمحلل السياسي الأردني، أن الحراك العربي بمثابة نقطة تحول بالغ الأهمية من شأنه أن يرسم ملامح مستقبل الأمة الإسلامية، واعتبر أن ما يجري في المنطقة يعتبر فرصة وليس تحديا، وأضاف رئيس تحرير صحيفة «السبيل» الأردنية، أن المغرب يشكل نموذجا فريدا ومختلفا عن باقي شعوب المنطقة وفي نفس الوقت يتشارك مع الأدرن في جوانب أخرى تتعلق بالخصوصية السياسية، وأوضح أن المنطقة يتجاذبها وما يزال خياران اثنان، خيار التغيير الجدري في الأنظمة الجمهورية التي تحولت واقعيا إلى أنظمة ديكتاتورية استبدادية تحتكر السلطة، وخيار آخر هو الإصلاح والتغيير ضمن بنية النظام السياسي، كما حصل في النموذج المغربي والأردني.وشدد المتحدث، أن الشعوب العربية بعد أن فسح لها المجال لتعبر عن خياراتها وإراداتها اختارت الإسلاميين لأنهم يمتلكون البرنامج القادر والمؤهل على طرح الحلول لكثير من مشاكلها، وقال إن الشعوب العربية في المغرب كما في مصر وتونس وفي دول أخرى، لم تكن تعبر عن حالة عاطفية كما يشير البعض (الناس تتجه نحو الدين والعواطف والمشاعر في ظل الصعوبات) وإنما عبرت عن حالة وعي متقدم. ● يرى المراقبون أن الأردن كانت من الدول السباقة إلى التظاهر والمطالبة بالإصلاح بعد إسقاط بن علي، كيف كان الأردنيون يتابعون الحراك العربي؟ ●● منذ اللحظة الأولى بدا أن هذا الحراك بمثابة نقطة تحول بالغ الأهمية في واقع المنطقة، ومن شأنه أن يرسم ملامح مستقبل الأمة الإسلامية. كنا منذ البداية نقرأ أن ما يجري هو تطور مستجد ولذلك احتل مساحة واسعة من اهتمامنا وتغطيتنا، كان واضحا جدا، أننا نتكلم عن خيار الشعوب ولا يمكن أن تنحاز القوى الحية إلا لصالح قضايا الأمة، ومادامت الشعوب تعبر عن نبض الأمة، وتحارب الظلم والاستبداد والتعتيم الذي كان يمارس ضدها ، يجب أن ينحاز الإعلام الحر إلى خيارات الأمة حتى تكون فرصة للانطلاق بثقة نحو المستقبل، وإنهاء عصور من احتكار الحقيقة والسلطة وتغييب الإرادة الشعبية عن التأثير في الحاضر ورسم ملامح المستقبل. نحن في الأردن، كنا نتعامل مع ما يجري على أنه فرصة وليس تحديا، كنا ندرك أن من واجبنا أن نعمل على تعزيز وخدمة الربيع العربي، وتوفير كل الفرص المتاحة ليتواصل وينقل الأمة من واقع لم يكن سارا إلى واقع مختلف، وأحسب أن هذا الدور قامت به وسائل الإعلام المخلصة للأمة ولفكرتها ورسالتها، إن دورنا من خلال نقل الحقائق كان عنصر إسناد لهذا الربيع العرب، وحتما ستنعكس إيجابياته على الجميع. ● كيف تنظرون إلى مسلسل الإصلاحات الذي انخرط فيه المغرب، وكيف كنتم تسلطون الضوء على الربيع المغربي؟ ●● المغرب يشكل نموذجا فريدا ومختلفا عن باقي شعوب المنطقة، وفي نفس الوقت مشابه في كثير من الجوانب للواقع الأردني، إذ نحن إزاء نظامين ملكيين لديهما أوجه تشابه متعددة ويشتركان في الخصوصية السياسية، لذلك كانت التجربة المغربية هي الأقرب لنا في الأردن بين كل تجارب الإصلاح في المنطقة العربية. ففي جميع دول الربيع العربي كان الحديث عن الإسقاط وتغيير الأنظمة باستثناء المغرب والأردن رفع المتظاهرون شعار الإصلاح بعيدا عن مطلب التغيير الشامل والجذري. إن المنطقة تجذبها وما يزال خياران؛ خيار التغيير في الأنظمة الجمهورية التي تحولت واقعيا إلى أنظمة ديكتاتورية استبدادية تحتكر السلطة، ونموذج آخر هو إصلاح النظام وتغيير ضمن بنية النظام السياسي، كما حصل في النموذج المغربي والأردني. ولابد أن أشير إلى أن الأردن كان من أول الدول التي تجاوبت مع الحراك التونسي، وخرجت فيها مسيرات تطالب بالإصلاح قبل الدول الأخرى، لكن ما زلنا بعد عام من الإصلاح المتواصل، لم نصل إلى الأهداف المأمولة ، مقارنة مع المغرب الذي بدأت فيه مطالب الإصلاح متأخرا، رغم ذلك فهو الدولة الوحيدة التي فهم نظامها مبكرا ولم يتعامل بالجرعات الإصلاحية المحدودة التي تفقد قيمتها مع مرور الوقت ولا تلبي طموحات الشارع. أعتقد أن المغرب تقدم خطوات إلى الأمام، ربما كان الدولة الوحيدة التي فهم نظامها مبكرا وقدم برنامجا إصلاحيا مكن من خلاله أن ينتج حالة معقولة متوافق عليها من الإصلاحات، صحيح أنها لم تلبي مطالب الجميع، لكن الكل قدم تنازلات من أجل التوافق على صيغة أنتجت حالة من الاستقرار، وجنبت المغرب أن يندفع في اتجاه المواجهات غير المطلوبة، وأنتجت تجربة ديمقراطية تابعناها بكثير من الاهتمام، وتشكلت حكومة وفق قواعد اللعبة الديمقراطية. أؤكد أن مختلف القوى السياسية في الأردن تريد تطبيق النموذج المغربي،وتلح على إنتاج حالة إصلاح آمن متوافق عليه بين القوة الشعبية والجانب الرسمي.وتجلى ذلك في إيلاء المنابر الإعلامية الأردنية ومنها صحيفة «السبيل»اعتبارا للتجربة المغربية، نظرا لخصوصية التجربة وإمكانية إسقاطها على الحالة الأردنية. ● الملاحظ أنه بعد سنوات طويلة من القمع والمطاردة، وبعد طول معارضة، صعد الإسلاميون إلى الحكم مؤخرا في كل من المغرب وتونس ومصر، كيف تابعتم هذا التطور؟ ●● نعم، حين فسح المجال للشعوب العربية أن تعبر عن خياراتها وإراداتها اختارت من يمتلك البرنامج القادر والمؤهل على طرح الحلول لكثير من مشاكلها، أعتقد أن خيارات الشعوب العربية في المغرب، كما في مصر وتونس وفي دول أخرى، لم تكن تعبر عن حالة عاطفية كما يشير البعض (الناس تتجه نحو الدين والعواطف والمشاعر في ظل الصعوبات) وإنما عبرت عن حالة وعي متقدم. تجلى في الاختيار على أساس البرنامج وليس على أساس الشعارات، بعد أن طرحت أمامه مشاريع عديدة.نجاح الحركات الإسلامية يضعها أمام تحدي إنفاذ برامجها لتكون عند حسن ظن شعوبها، وهي أمام اختبار إيجابي ليس بالسهل لتقدم تجربة مغايرة للآخرين الذين ألم ينجحوا في فرصهم. وأتمنى أن يكون الإسلاميون مؤهلون للنهوض بالأمة ونقلها إلى بر الأمان والنهوض بالمجتمعات والنجاح في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية. و بالتأكيد لن تكون الطريق أمامه مفروشة بالورود، وستواجه العديد من التحديات والعراقيل التي يحاول بعض الأطراف وضعها في الطريق. ● بصفتكم خبير إعلامي ورئيس تحرير صحيفة أردنية أكثر من عقد من الزمن، كيف تقيمون واقع الإعلام العربي اليوم؟ ●● جرت العادة عندما نتحدث عن الواقع العربي، أن ننحو المنحى السلبي ونقوم بجلد الذات ونقدها من باب أن نكون موضوعيين، وكذلك أن نتوقف عند السلبيات أكثر من قراءة المشهد على حقيقته.أنا ضد تضخيم العوامل الإيجابية من أجل طمأنة النفس وأيضا ضد المبالغة في جلد الذات تحت مبرر الموضوعية. لكن أعتقد أن الإعلام العربي تقدم تقدما كبيرا على المستوى التقني والشكلي، وعلى مستوى المضمون والاحتراف والمعايير المهنية خلال السنوات الماضية، خاصة بعد أن بدأت السلطة تفقد السيطرة وتتيح الفرصة لتطور الإعلام. إذا فالإعلام العربي يقف في وضع متقدم ويطور من أدواته وآلياته ورسالته الإعلامية، شأنه شأن الإعلام العالمي، وقد يكون الإعلام العربي متقدما على كثير من الأطراف التي سبقته في الوجود، خاصة أنه يعيش حالة نهوض تنطلق من حالة الوعي التي تعيشها المجتمعات العربية.وإذا نجح الربيع العربي في بناء أنظمة ديمقراطية وإشاعة أجواء الحرية والكرامة والانفتاح سيكون الإعلام أكبر المستفيدين. ● ما هو مستقبل الإعلام العربي في ظل ما يسمى «الربيع العربي»؟ ●● الإعلام العربي في هذه المرحلة، من أهم أدوات إسناد ودعم خيارات الشعوب، وفي تقديري، أنه بعد أن تستوي الثورات على سوقها، و تتم عملية بناء الديمقراطية في المنطقة، سيكون الإعلام من أكبر المستفيدين من الواقع الجديد الذي تنتجه الأمة. ولذلك أتمنى ألا يقتصر الربيع العربي على تغيير الأنظمة والحكومات وإنما أن ينجح في عملية البناء من أجل إنتاج أنظمة ديمقراطية تحقق الكفاية والعدالة والحرية والكرامة، وهي كلها قيم افتقدناها لسنوات من شأنها أن تعيد للأمة دورها المنشود.وعلى الإعلام أن يقوم بالدور المنوط به لتحقيق هذا الهدف. ● هل لك أن تطلعنا على تجربتكم في الصحيفة التي ترأسون تحريرها؟ ●● استمرت صحيفة «السبيل» كصحيفة أسبوعية لمدة 15 عاما قبل أن تتحول إلى يومية، وظلت الصحيفة الأولى من حيث الانتشار والتوزيع والتأثير السياسي، بفعل طبيعة معالجاتها وتبنيها خط تيار فكري وسياسي هو الأكبر في الساحة الأردنية، ألا وهو التيار الإسلامي. حرص القائمون على الصحيفة أن تكون «السبيل» صحيفة الحقيقة وتعتمد على المعايير المهنية الاحترافية في العمل الإعلامي وتتوخى الدقة في النقل والفصل بين الرأي والخبر، وإعطاء مساحة شاسعة للكتاب أن يعبروا عن آرائهم ووجهات نظرهم دون حرج، حتى إن خالفوا وجهة نظرنا في الصحيفة، بالمقابل كنا نصر في الكتابة الخبرية أن ينقل الصحفي الحدث بعيدا عن تدخله ودون حضور شخصيته في المعالجة الخبرية. في المجال المهني، كنا نشدد على الموضوعية ونقل الرأي والرأي الآخر، نحن ندرك أنه ليست هناك مساحة للحياد لكن الموضوعية مطلوبة بقوة وتمثيل الآراء الأخرى هي من صميم المعايير المهنية للعمل الصحفي، وأعتقد أننا قطعنا شوطا مهما في هذا المجال حين كنا نعبر عن موقف معارض، حيث كنا نعارض السياسات وليس الأشخاص، ونرفض الانجرار إلى ساحة الاتهام والإساءة و «شخصنة» المسائل، ورغم نقدنا القاسي في كثير من الأحيان ظل المسؤولون يحترمون الصحيفة لأنها لا تسيء إليهم، لأننا مارسنا دورنا الرقابي كسلطة رابعة بصورة قوية وجريئة. وبعد أن تحولت «السبيل» إلى صحيفة يومية، دعوت الصحافيين أن يكونوا كعدسة الكاميرا تنقل الصورة بدون تزويق وترويج وتجميل وأيضا بدون تشويه وإساءة، فالكاميرا تنقل الحقيقة ولا تتدخل في رسم الحقيقة. كما شددت على أن لا نخاطب الإسلاميين وحدهم وإنما أن نوجه رسالة إلى كل الجموع. ● إذا تؤكدون أنكم نجحتم في خيار الانفتاح على مختلف شرائح المجتمع، واستطعتم أن تكونوا مهنيين أكثر، كيف استطعتم أن توازنوا بين كونكم خط ملتزم وخيار منفتح؟ ●● هذا يخضع إلى إرادة القيمين على المؤسسة الإعلامية، إذا امتلكوا الإرادة والرغبة والرؤية بأن يوجهوا الرسالة إلى كل شرائح الشعب ينبغي أن تخضع سياستهم لهذه الرؤية، أنت حين تتبنى رؤية تعبوية دفاعية تروج برنامج جهة أو حزب أو تيار، فإنك تحكم على نفسك بجملة من الضوابط، أما حين تضع في رؤيتك أن تتعامل كمؤسسة وطنية تخاطب الكل وليس جزء من الشعب، هذا يفرض الاعتماد على معايير الانفتاح والمهنية القائمة على الدقة والموضوعية والفصل بين الآراء والأخبار. من جانب آخر، الذي ساعدنا في النجاح أيضا هو التدريب والتأهيل، ففي غياب التدريب الكافي للصحافيين لن تكون الصحيفة قادرة على تنفيذ الرؤية، ثم التقييم المستمر ومعالجة الأخطاء إن حصلت، ينبغي أن لا نستحي من الاعتراف بالخطأ في حالة نشرنا خبرا تبين أنه غير صحيح وأن لا ننتظر أن يأتي التصويت من صاحب الخبر، كنا نقوم بالتصويب من تلقاء أنفسنا بعيدا عن طلب الطرف الآخر، من باب الأمانة التي تفرض علينا أن لا نظلم الناس. كل هذه المسائل المختلفة، ساعدتنا في تقديم إعلام مختلف يجمع بين تبني الفكرة والرسالة وبين ممارسة العمل الصحفي بقواعده المهنية التي تمارس في أرقى المؤسسات الإعلامية في المنطقة العربية، ونحن لا نختلف عن المنشآت الأخرى لأن العمل يتطور من خلال الخبرة والممارسة وحرصنا على الانفتاح على الآخرين من خلال الاستفادة من أرقى ما وصلت إليه التجارب الإعلامية. ● يقال بأن الخبر حر والتعليق مقدس، أنتم في الأردن، كيف تعلقون أو تقدمون الأخبار للقارئ؟ ●● الصحافيون لا يعلقون على الأخبار وإنما ينقلونها بدقة ويأخذون تعليقات المعنيين على تلك الأخبار، أما حين يكتب الصحافي وجهة نظره لابد أن تنشر في صفحة الرأي والمقالات وليس خارجها، والصحافي الذي يتدخل في القصة الإخبارية والتقرير الإخباري ليس مطلوبا منه أن يلغي شخصيته، وإنما أن يضع مقاله في المساحة التي تعبر عن الرأي في صفحة المقالات حتى يكون واضحا لدى الجمهور.. ليس من حق المؤسسة الإعلامية أن تفرض وجهة نظرها على القارئ، وواضح أن دور الصحافي أن يغطي كافة الشؤون دون أن يكون خبيرا بكافة المجالات. لذلك وجب الحرص على نقل آراء ومواقف الأطراف ذات العلاقة المباشرة بالحدث، ثم الإتيان بآراء الخبراء والمحللين والمختصين في المجال.وأؤكد أني ضد تحول الصحفي للعب دور الموجه والمعلق الذي يقدم الرأي ويصدر الأحكام. ● أين يتموقع الإعلام الأردني مقارنة مع الإعلام العربي؟ ●● نتيجة الانفتاح المعقول، استطاع الإعلام أن يحتل موقعا جيدا من حيث الفنيات والمستوى المهني والاحترافي، صحيح هناك دول تقدمت علينا، لكن في الأردن بسبب أجواء الحرية المعقولة التي لم تكن ترضينا، ولا ترضينا حتى اللحظة ونطالب بالمزيد وبرفع سقف الحرية، نقول بوضوح أننا نمتلك هوامش الحرية أفضل بكثير من دول عربية أخرى، وهذا لا يبرر أن نقتنع بسقوف متوسطة بل نطالب بالمزيد. أعتقد أن أجواء الحرية النسبية والخبرة والتجربة الطويلة للإعلام الأردني، مكنته أن يحتل موقعا جيدا في الفضاء الإعلامي العربي.مثلا، بالنسبة لنا كصحيفة يومية إلى جانب ست صحف أخرى، وظفنا عنصر التشويق والجذب الإعلامي الذي تعودنا عليه لمدة 15 عاما في الاشتغال بالأسبوعي، وبدأنا نعالج الأخبار بنمط الأسبوعي، زاوجنا بين المعايير المهنية وعنصر التشويق والجذب الذي هو مهم، من أجل النجاح ولفت انتباه القارئ. كنا نمارس دورنا الرقابي، الذي يزعج الحكومات، لأنها لا ترغب بالدور الرقابي عليها وتبحث عن الإعلام الذي يروج فقط. أنا أومن أن الإعلام يجب أن لا يكون إعلام موالاة ولا معارضة وإنما منبر الحقيقة. ومن جهة أخرى، استطاعت «السبيل» شأنها شأن باقي الصحف الأردنية الأخرى، أن تتجاوز عنصر السرعة من خلال الصحيفة الإلكترونية، حيث أصبحنا نغطي الأخبار لحظة بلحظة، وتجاوزنا الورقية، لكني دائما عندما أتابع الجدل الدائر حول إمكانية انقراض الصحافة الورقية لصالح صحافة «النت»، وعندما يطرح الأمر على أنه تناقض وتنافس محموم، كنت أقول أننا مسكنون بعقلية افتراض التناقضات الملغومة بين الورقي والإلكتروني، لأن القضية مسألة تكامل لا أكثر، فالصحافة الإلكترونية فتحت أفقا واسعا أمام الصحافة الورقية كي تتجاوز المحلية. ❏ حاوره: محمد كريم بوخصاص