ظلت طائفة من المسلمين تقتات على ما يبدعه الآخر سواء من الغرب أو من الشرق، وظل كل جديد يستفز راحتها الفكرية والتغييرية. فعندما تم اختراع "الذرة" كأصغر جزء من الكون صار البحث جاريا، لنأتي من القرآن بآية تؤكد وصول القرآن إلى هذا الاختراع من غابر الزمان، وتم العثور على قوله قوله (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). وعندما تم التوصل إلى ضيق التنفس وارتباطه بالارتفاع عن سطح البحر، فتشنا في القرآن وتم لنا ذلك ووجدنا قوله عز من قال في تصوير الكافرين (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء) ولا أبخس علماء أجلاء في سعيهم ببحوثهم العلمية لإثبات هذه الأمور وغيرها، ولكن توجيهي في هذا الصدد حول طائفة أصابتها عطالة البحث والاجتهاد، تلجأ إلى تجنيد طاقتها وحشد الأدلة للإثبات والدحض للاجتهادات الجديدة والمبتكرة لأنها لا تساير ما هي عليه وفقط دون تمحيصها وتدبرها. فلا هي أبدعت ولا هي قرأت ما تم إبداعه ولا هي... ؟ وكثيرا ما يتعلل أصحاب هذه النزعة بأن الظرف التاريخي لا يسمح بإثارة هذه الأشياء، أو كان من الأولى ارتياد هذا المجال بدل هذا، أو سلوك هذا المنهج دون هذا. فتكثر وسائل وتبريرات الحفاظ على ما هو موجود كأن الكون ثابت غير متحول! وهذا ينطبق على كاتب هذه الحروف، فبدل أن يتجه جهدي إلى ابتكار ما ينفع الناس، ألجأ إلى تنميط الواقع المحيط بي بما يقيني تشويش الذهن ويوفر علي راحة الفكر. وعندما يتم إزعاجي بجديد ما أركن إلى الوراء أبحث على متكإ، ولما يجهدني البحث أستل أسلحة أخرى من قبيل أن المبدع قليل الفهم أو الإيمان أو غير مؤهل لذلك، وهي أحكام قيمة، إذا لقيت يوما من يحتضنها فغدا ستصبح من التراث التليد الغث الذي لا يأبه له. والقرآن الكريم على امتداد آياته وسوره، هدانا إلى معرفة ما تعجز عنه أفهامنا من قضايا كبرى مثل: وجود الله، القرآن ،الخلق، الموت، الآخرة... وأرشدنا إلى ما يجب على الإنسان من عمل للنجاة. أما الحاجات الأخرى المرتبطة بالزمان والمكان والأحوال والعادات فقد ترك لها مساحات شاسعة تتنفس فيها، ووهب للإنسان عقلا وقلبا يختاربهما ما يجلب له السعادة، ولم يقوقعه في نمط معين، حتى إذا تغيرت أنماط العيش لم تتأثر هذه السعادة، فيبقى دوامها مرتبطا بوجود الإسلام والإنسان على وجه الأرض، ولم يجعلها مرتبطة بأمزجة أشخاص أو جماعات. فبالأمس فقط، كان الحديث عن المرأة وحقوقها، وكنا أشد المدافعين عن واقع لا نترتضي أشياء كثيرة منه، خاصة تلك التي تخالف شرعنا، ومن رحم النقمة تفجرت لدينا روح البحث والاجتهاد، وبالأمس أيضا حدثت تفجيرات 11 شتنبر، ومن موقف الانتظارية والبحث عن الهوية المفقودة، أخذنا نتبرأ من الإرهاب رغم أنه مصطلح قرآني أصيل، وتمت الدعوة إلى تسامح ربما وصل حد التنازل عن الثوابت لضمان حياة وأية حياة؟! فارتبط لدينا البحث عن الحلول لمواجهة الجديد يأتي دائما بعد وقوع محن وكوارث فيما يمكن تسميته بالتفكير ذي المنبع الكارثي؟! وهذه الانتظارية لا تولد لدينا إبداعا وجديدا بل إنها مقبرة لأفكار نيرة غيورة عن دينها، والتي يجعلها ضغط مجموعة الفكر الانتظاري محجمة، مفضلة الانعزال واللاحركة عن كل إبداع وإقدام. وأخيرا إذا لم أستطع أن أتقدم فلأتنحي جانبا وأترك الآخرين يبدعون فيما يخدم دين الله ويمكن له. عبدلاوي لخلافة