قالت «كريستين لاغارد» مدير عام صندوق النقد الدولي، إن التحول التاريخي المشاهد في العالم العربي يبشر بتحسين حياة شعوب المنطقة، رغم أن عملية التحول ستقترن حتما ببعض الآثار السلبية. وأضافت، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الآن في منتصف مرحلة انتقال دقيقة بين رفض الماضي ورسم ملامح المستقبل. وأوضحت «لاغارد» في مداخلة قدمتها خلال لقاء نظمته مؤسسة الصفدي في مركز وودرو ويلسون في العاصمة الأمريكيةواشنطن، أن الربيع العربي لا يزال متجها نحو إطلاق الإمكانات الاستثنائية لدى الشعوب العربية. وأكدت، أن شعور الشعوب العربية بعدم الارتياح بعد طول مدة الثورات العربية أمر عادي جدا، مفسرة ذلك بكون التغيرات الجذرية من هذا النوع –تشكيل مجتمع جديد- لا يمكن أن تتم بسهولة، «فغالبا ما تكون معقدة وغير سلسة». وأكدت «لاغارد»، التي تحدثت في مداخلتها عن السياق العام للربيع العربي، وأين وصل بعد مضي عام، قبل أن تتناول بعض التحديات الاقتصادية التي تواجه المنطقة خلال هذا الفترة،- أكدت- أنه من خلال اعتماد السياسات الاقتصادية والاجتماعية يمكن مواجهة التحديات قصيرة الأجل ووضع الأساس لتحقيق النمو الشامل للجميع وتوفير فرص العمل، وقالت أن «الأهداف الاقتصادية الكبرى التي يقوم عليها الربيع العربي لا تزال واضحة، تحقيق معدل نمو أعلى يوفر فرص الشغل بالتساوي»، واعتبرت المتحدثة، أنه لتحقيق هذه الغاية، يظل الاستقرار المالي والاقتصادي الكي ركيزة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها. وأشارت «لاغارد» أن صندوق النقد الدولي لم يكن يتوقع كل العواقب التي ترتبت على عدم المساواة في توزيع الفرص قبل الربيع العربي، وقالت في معرض كلامها «بصراحة، نحن لم ننتبه بالقدر الكافي إلى الكيفية التي توزع بها ثمار النمو الاقتصادي»، وأردفت قائلة «أما الآن فقد بات أوضح قبل أي وقت مضى أن المجتمعات كلما أصبحت أكثر مساواة، زاد فيها الاستقرار الاقتصادي وتعزز النمو المستمر». من جهة أخرى، أفادت «لاغارد» أن استجابة بعض الحكومات للضغوط الاجتماعية عن طريق زيادة الدعم والأجور وغيرها من أوجه الإنفاق، سعيا لتخفيف المشقة التي يتحملها المواطن العربي، أدى في كثير من الأحيان إلى اتساع عجز المالية العامة، مما يثير المخاوف من إمكانية الاستمرار، وأضافت أن اتساع العجز أدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة ، مما يزيد من صعوبة حصول القطاع الخاص على الائتمان اللازم لبدء مشروعات جديدة أو التوسع في المشروعات القائمة وبدء تعيين الموظفين. وفي هذا الصدد، طالبت الحكومات العربية إلى التحرك في اتجاه إرساء سياسات مالية أفضل وأكثر استمرارية، موضحة ذلك، في كون الدعم والتحويلات الموجهين بشكل أفضل إلى الفئات المستحقة يمكن أن يساهما في توفير أموال للإنفاق على مجالات مثل البنية التحتية والتعليم والصحة، بينما يضع الأسس لتحقيق النمو الشامل للجميع. وشددت «لاغارد»، على أن تحقيق هذا المطلب يعتبر تحولا تاما عن المسار السابق الذي كان يستخدم الدعم المعمم لاسترضاء المواطنين بينما يسمح لأصحاب الامتيازات الخاصة بالاستفادة من الممارسات الجائرة. وفي سياق متصل، قالت «لاغارد»، إن الاستقرار الاقتصادي الكلي والنمو الشامل يجب أن يسيرا معا، وأبرزت أنه يتعين على الحكومات التي أفرزها الربيع العربي ان تسير في تناغم وتناسق مع القطاع الخاص، مضيفة أنه يجب أن يكونه للقطاع الخاص، بما في ذلك المشروعات الصغيرة والمتوسطة، دور قيادي في دعم الاستثمار والإنتاجية والتنافسية، وتوفير فرص الشغل. لكن تحقيق ذلك يتطلب من الحكومة توفير بيئة مواتية، تؤكد «لاغارد»، من خلال إنشاء مؤسسات حديثة وشفافة لتشجيع المسائلة والحكامة الجيدة وضمان إرساء قواعد عمل تقوم على الشفافية، والقضاء على «غول» الفساد، إلى جانب كسر شبكات التمييز التي تتيح أفضليات لأقلية مقربة من الحكم. وخلصت «لاغارد» في النهاية، إلى القول أنه وسط الآفاق الاقتصادية الغائمة والثقة المتراجعة، يتألق الربيع العربي كسراج يشع بالأمل، وأضافت أن عملية التحول تمر اليوم بطريق وعرة بعد مضي عام، وأمامها تحديات جسيمة، كما دعت دول المنطقة إلى العمل إلى جانب شركائها الدوليين من أجل تحقيق نتائج إيجابية، وأكدت في ختام مداخلتها، أنه حان الوقت لكي تنهض المنطقة العربية نهضة تليق بتراثها العريق.