يرى السيد يوسف بن جلون بطنجة والمسؤول عن أكبر مقاولة لتصدير السمك الطري أن قرار البرلمان الأوربي سياسي في عمقه وأن جهات ولوبيات في المجتمع المدني الأوربي ضغطت بكل قوة لاستصدار هذا القرار، وأكد بن جلون أن مؤشرات هذا القرار كانت بادية على ألأقل منذ شهرين في اللقاءات التي جمعت المهنيين السيدة داماناكي المكلفة بملف الصيد البحري في بالبرلمان ألأوربي، وانتقد ما أسماه الطابع العبثي لهذا القرار الذي يخص مدة زمنية تم استنفاذ عشرة أشهر منها ولم يبق منها إلا شهران. كما انتقد بن جلون أداء الوزارة الوصية وفشلها في القيام بدورها في تلافي مثل هذه القرارات، واعتبر رد فعل الوزارة الوصية منفعلا ، ودعا في هذا الحوار إلى التفكير في بناء استراتيجية مندمجة تقوم على التشاور والتشارك بين مختلف الفاعلين في القطاع، واقتراح على الحكومة المقبلة أن تدخل في وقفة تأملية لدراسة هذا القطاع وإعادة النظر في السياسات التي انتهت فيه وإرساء قواعد تشاركية في تدبير القطاع، وإسناده دبلوماسيا بجميع أشكلا الدبلوماسية مهنية كانت أو مؤسساتية أو برلمانية. ● ما قراءتكم لقرار البرلمان الأوربي والحيثيات التي بني عليه؟ ●● قرار البرلمان الأوربي يثير مجموعة من التساؤلات. نحن نعلم أن المغرب لم يكن المطالب باتفاق الصيد البحري مع السوق الأوربية المشتركة، بل كان الجانب الأوربي بدفوعات من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي خصوصا إسبانيا والبرتغال وفي الآونة الأخيرة هولندا وبعض الدول الأخرى، هم المطالبين باتفاقيات الصيد البحري يمنح من خلالها الترخيص لمجموعة من المراكب للصيد بالمياه المغربية. وقد عرفت هذه الاتفاقية تدرجا عبر السنوات في العقد الأخير إلى أن جاء الاتفاق الأخير الذي هو عبارة عن بروتوكول شراكة يؤخذ من خلاله بعين الاعتبار تنمية قطاع الصيد البحري المغربي من جهة وتبادل الخبرات وفتح المجال نحو أسطول إسباني مقنن في غالبيته أسطول تقليدي للصيد بالمياه المغربية. وقد انتهى العمل بهذه الاتفاقية في 27 فبراير من السنة الماضية، وكان هناك نوع من التماطل غير المفهوم قبل نهاية الاتفاقية. ● تماطل من جهة من؟ ●● تماطل من الجهة الأوربية، وكانت هناك مجموعة من اللوبيات والمنظمات التي بطرقها وبمنظورها الخاص دائما تدفع في خلق بلبلة معينة في إطار هذه الاتفاقية بين السوق الأوربية المشتركة وبين المغرب. ومن ثمة، قبل نهاية مدة الاتفاقية، أي 27 فبراير، تقدمت لجنة الصيد البحري الأوربية إلى المغرب بطلب لتمديد الاتفاقية وقد تم التوافق بناء على هذا الطلب على تمديد الاتفاقية لمدة سنة. وبعد الاتفاق على هذا التمديد دخلت العملية إلى ما يسمى بالميكانزم القانوني للعملية. وهذا الميكانزم يبدأ بمشاورات، ثم يمر عبر اللجنة التابعة للصيد البحري، ثم ينتهي بالتصويت داخل البرلمان. خلال الشهرين الماضيين تمت المصادقة من طرف لجنة الصيد البحري بالسوق الأوربية المشتركة لينتقل الموضوع إلى يد المسؤولة السيدة داماناكي لتهيأ تقريرا مفصلا تضعه بين يدي البرلمان الأوربي من أجل التصويت. هكذا مر المسلسل إلى حين صدور قرار البرلمان الأوربي. الغريب في هذا الموقف أن الفترة لا زالت سارية، وستنتهي في 27 فبراير المقبل، واليوم قبل شهرين من انتهاء الفترة يأتي البرلمان الأوربي، للأسف ومع احترام هذا الموقف، بهذا القرار الذي يبدو أنه قرار سخيف، لأننا على مدة شهرين على نهاية هذا التمديد الذي كان بطلب من السوق الأوربية المشتركة، والذي – إن أتقنت المعلومات- لم يأخذ المغرب تعويضا عنه إلى يومنا الآن، أي لا زالت التعويضات بذمة السوق الأوربية المشتركة ولم يتوصل المغرب منها بأي شيء، ويتم البرلمان الأوربي ويتخذ هذا القرار. ويقول نحن نرفض تمديد المدة التي مضى عليها عشرة أشهر من السنة. ثم يقول القرار في التصويت الثاني ندعو لجنة الصيد البحري التابعة إلى الاتحاد الأوربي إلى البحث عن بروتوكول جديد في إطار منظومة جديدة وتعاقد جديد يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من النقاط وعلى رأسها المردودية الاقتصادية والحفاظ على الثورات السمكية والحفاظ على البيئة. عند القراءة الأولية لهذا القرار يتبين أن هناك سخافة أو نوعا من العبث في القرار من ناحية أن البرلمان يصوت على مدة قد تم استنفاذ عشرة أشهر منها. وهذا ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن القرار سياسي بدرجة أولى. قد نسجل نقطة إيجابية في هذا القرار وهو عدم مناقشة البرلمان الأوربي لمياه لأقاليم الجنوبية المغربية، ومن ثمة، يمكن اعتبار ذلك انتصارا للدبلوماسية المغربية، ولكن نظرا لموقف المهنيين أو موقف الحكومة المغربية الذي كان دائما له توجهات واضحة بهذا الخصوص، يأتي هذا التصويت الذي نعتبره تصويتا عبثيا وغير مسؤول، بل نعتبره تصويتا سياسيا. ● تتحدثون عن أن قرار البرلمان الأوربي تتحكم فيه اعتبارات سياسية، في نظركم ما هي خلفيات هذا الموقف وما الأهداف السياسية التي يروم تحقيقها علما أن دولا أعضاء في الاتحاد الأوربي أعلنت أن هذا القرار كان مضرا بمصالحها مثل إسبانيا؟ ●● ينبغي أن نتحدث بكل وضوح اليوم في هذا الموضوع. أنتم تعلمون أن هناك لوبيات وهيئات من المجتمع المدني تتحرك بنفوذ وبميزانية ضخمة منها عدة هيئات تزعم أنها تدافع عن حقوق الإنسان أو تدافع عن الحفاظ على الثورات السمكية أو البيئية. وفي تقديري، فالبرلمان الأوربي والرأي العام الأوربي بصفة عامة كان تحت ضغط موجة دعائية مضادة للمغرب من جهات متعددة خاصة والمغرب اليوم يعيش مرحلة انتقالية جد مهمة من الناحية الديمقراطية، ثم هناك موقع متقدم للعلاقات المغربية الأوربية مصادق عليه من طرف السوق الأوربية المشتركة، وهذا ما يجعل المغرب في موقف، إن لم أقل محسود عليه، فهو وقع جد متميز في دول البحر الأبيض المتوسط. ولا ننسى أن معادلات العلاقات الدولية اليوم الجيوستراتيجية والجيوسياسية لحوض البحر الأبيض المتوسط هي تحت ضغط عدة مصالح لجهات متعددة. المغرب، نظرا لموقعه الاستراتيجي، ولسياساته الذكية المنتظمة خاصة في هذه الظرفية التي يعرف فيها المغرب انتقالا ديمقراطيا عميقا والتي كان موقف الرأي العام الدولي منها إيجابيا، فكان هناك نوع من الضغط، وقد أفتح القوس وأقول حتى بالنسبة إلى الجهات المسؤولة، كان هناك نوع التقصير من طرف المسؤولين في استثمار هذا التطور الديمقراطي الحقيقي الذي يعرفه المغرب وفي استثمار حجم التأييد والتجاوب الإيجابي الذي عبر عنه الرأي العام الدولي والأوربي منه. وهنا أذكر بالخطاب الملكي الذي نادى بتفعيل كافة أوجه الدبلوماسيات، ومن بينها في هذا الإطار الدبلوماسية المهنية والدبلوماسية البرلمانية. وهو ما قمنا به كمهنيين وكأشخاص ذاتيين في اللجنة المغربية الأوربية المشتركة، وقد حققنا بعض النقط المهمة والإيجابية وكان لنا مواعد في عدة لقاءات في بروكسيل مع مختلف المسؤولين، سواء مع السيدة داماناكي المسؤولة عن الملف، أو غيرها من المسؤولين في قطاع الصيد البحري، وكانت لنا اجتماعات متسلسلة، وتبادلنا الرؤى في العديد من الموضوعات، ولكن عند تلك الزيارات تولد لدينا خاصة في الاجتماعات الأخيرة شعور بأن هناك نوع من النقص في المعلومات التي تصل إلى تلك اللجنة المختصة بالصيد البحري في البرلمان الأوربي. ● من المسؤول عن عدم توفير هذه المعلومات؟ وهل هذا يتعلق بضعف الدبلوماسية الرسمية؟ ●● يجب أن نسمي الأسماء بمسمياتها. ويجب على كل جهة أن تتحمل نصيبها من المسؤولية فيما حصل. لم يعد ممكنا أن نتغنى بمقولة «العام زين» «كل شيء بخير». هناك وزارة وصية هي وزارة الصيد البحري لها نصيب واضح من المسؤولية، وهناك الدبلوماسية المهنية والدبلوماسية البرلمانية. في مواضيع مثل اتفاقيات الصيد البحري التي لها جانب اقتصادي واجتماعي وعلمي وسياسي، في مثل هذه الاتفاقيات التي تأخذ كل هذه الأبعاد، ينبغي أن تتضافر الجهود بين جميع الأطراف المتداخلة في إطار سياسية متوازنة لتبادل الأفكار والتجارب للزحف نحو الطرف المخاطب الذي هو السوق الأوربية المشتركة والبرلمان الأوربي، ونحن نعلم الضغوط التي يمكن أن يتعرض لها البرلمان الأوربي ونعلم الجهات التي تؤثر في القرار، وهو ما يستدعي أن تصل المعلومة في وقتها وفي مكانها بحقيقتها وبجميع جوانبها. ومن هذا المنطلق أنا أظن أن كل جهة ينبغي أن تتحمل مسؤوليتها سواء وزارة الصيد البحري التي كانت طرفا في هذه المحادثات ويجب على مسؤوليها أن يقوموا بمراجعة ونقد ذاتي موضوعي لسياساتها ويتساءلوا عن سبب الوصول إلى هذا القرار ويضعوا السيناريوهات الممكنة لإعادة بناء سياسة جديدة بآليات تشاورية تشاركية. وعلى الجانب المهني أيضا أن يتحمل مسؤوليته، كما أن الجانب الإعلامي نفسه لا ينبغي أن يعفى من مسؤوليته. المهم في هذا كله، أنه ينبغي أن يصار إلى تقييم موضوعي للدبلوماسية المغربية بجميع أبعادها ليس فقط في موضوع الصيد البحري ولكن في كل القضايا التشاركية التي تجمع المغرب بالاتحاد لأوربي خاصة وأن المغرب يحظى بصفة الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوربي. يجب أن يكون هناك نقد ذاتي عقلاني موضوعي من خلاله يستطيع المسؤولون أن يقفوا على مكامن الضعف والخلل ولماذا وصلنا إلى هذه الوضعية وما الجهود التي كان يمكن القيام بها لتلافي الوصول إلى هذه الوضعية خاصة وأن المغرب قطع أشواطا بعيدة في الالتزام بمقتضيات الاتفاقية كلها بما في ذلك تطبيق inn ثم منع الصيد بالشباك المنجرفة علما بأن بعض الدول الأوربية لا زالت تستعمل هذه الشباك في مياهها الإقليمية. وأظن كخلاصة في هذا الموضوع أنه في غياب سياسية تشاركية بين الوزارة الوصية وبين المهنيين وبين الدبلوماسية البرلمانية والأداء الإعلامي، بطبيعة الحال، فإن المغرب لن يكون قادرا على تلافي مثل هذه القرارات، بل لن يكون قادرا على التأثير في صناع القرار السياسي في الاتحاد الأوربي لجهة إبرام اتفاقات تضمن مصلحة الطرفين. ● انبنى رد الفعل المغربي على ثلاث نقاط تقريبا: فمن جهة اعتبر هذا القرار مفاجئا وغير مبرر، ومن جهة ثانية، اعتبر السيد أخنوش أن طريقة مواجهة هذا القرار ستكون عبر توجيه السمك للاستهلاك الداخلي، ومن جهة ثالثة اعتبر أن هناك إمكانية للاستدارك وإعادة التفاوض للتوصل إلى تعاقد جديد؟ ●● نحن استنتجنا كمهنيين أن هناك شيئا ما يدور في أروقة البرلمان ألأوربي وأن الأمور ليست على ما يرام. بكل صراحة، منذ الزيارة التي قمت بها مع الوفد المهني الإسباني المغربي إلى بروكسيل للاجتماع مع السيدة داماناكي منذ ما يناهز شهرين كان لدينا إحساس أن هناك شيئا ما يهيأ وهناك لوبيات تعمل ضد الموقف المغربي لدى البرلمان ألأوربي، والقصد من ذلك هو دفع البرلمان الأوربي إلى تصويت سياسي. وخلال الزيارة الثانية تبين لنا أن موقف السيدة داماناكي المسؤولة على ملف الصيد البحري لدى البرلمان الأوربي كان مترددا وضبابيا، وقد حملناها جميع المسؤوليات فيما يجري، وقلنا لها كمهنيين أنه لا يمكن التعامل في المستقبل في ظل هذه الضبابية، وأن هذا الموقف يطرح بالنسبة إلينا كمهنيين العديد من التساؤلات ومن بينها: هل أنت فعلا تخبرين البرلمان ألأوربي بحقيقة الموضوع بوضوح وشفافية لأن الاجتماع فاق الساعتين وظهر من خلال حديثها كما ولو كان هذا الاجتماع هو أول يوم تتكلم فيه لدرجة أنني طرحت عليها السؤال بشكل صريح: إلى متى سنستمر في هذه الضبابية في التعامل مع ملف الصيد البحري؟ وهل نحن في إطار عمل تقني استراتيجي للدفع بقطاع الصيد البحري ليكون قطاعا تشاركيا يعود بالنفع على الطرفين أم أن هناك اتجاها لاستصدار قرار سياسي بإيعاز من جهات معينة للضغط على المغرب وهذا ما يرفضه المغرب جملة وتفصيلا. وكان جواب السيدة داماناكي غير مقنع وفيه نوع من التهرب من المسؤولية إذ تذرعت بالبرلمان الأوربي وكونه الوحيد المخول لاتخاذ لقرار هذا علما أن البرلمان ألأوربي يصوت على قرار يكون مبنيا على حيثيات ومعطيات معينة ، وهو ما تعتبر السيدة داماناكي مسؤولة عنه. ● لكن ما رأيكم في الموقف المغربي الرسمي؟ ●● أظن أن المغرب اليوم هو طرف في محيط البحر الأبيض المتوسط وهو شريك أساسي للاتحاد الأوربي، ولهذا الاعتبار يجب ألا ينجر المغرب لتصريحات فجائية مثل أن سمكنا سيبقى عندنا وأننا سنوجهه للاستهلاك الداخلي وقضي الأمر وحللنا المشكلة، فهذه تصريحات غير معقولة، فنحن دولة مصدرة للأسماك، وأول شريك لنا هو السوق الأوربية المشتركة ليس فقط فيما يخص الصيد لبحري ولكن أيضا في الفلاحة وفي عدة منتجات أخرى. ما أعتبره أساسيا في ما حدث هو أن المغرب يجب أن يأخذ الدرس من كل هذه الوقائع حتى لا نقع في فخ في المستقبل. فنحن نعلم أن أوربا هي دولة مؤسسات، وسوف تأتي ملفات أخرى، وسوف تأخذ نفس المسار والميكانزم إلى أن تصل إلى البرلمان ألأوربي تماما كما حصل بالنسبة إلى مسألة الموقف من تمديد الاتفاقية، ولذلك، يجب على رد الفعل المغربي الرسمي ألا يكون ردا منفعلا يأخذ بعين الاعتبار فقط اللحظة، وإنما يجب عليه أن يكون رد فعل متزن ومدروس يأخذ العبر مما حصل ليس للقول بأن المغرب في حاجة إلى اتفاقية للصيد البحري مع الاتحاد الأوربي، ولكن على العكس، فالمغرب قطع عدة أشواط في مجال الصيد البحري وهو في تطور قد يكون في بعض الأحيان إيجابيا، لكن أظن أن رد فعل المغرب المغربي كان فيه نوع من السرعة والانفعال الذي لسنا بحاجة إليه الآن. كان يجب أن يكون رد الفعل المغربي مدروسا متزنا يستفيد فيه المغرب من موقعه القانوني القوي وموقعه الاستراتجي المتميز كدولة منتجة للسمك ومصدرة له، لكن في نفس الوقت يجب أن يفكر أن المستقبل ، ومؤكد ألا مستقبل إلا للشراكة بين المغرب والاتحاد الأوربي. ● الملاحظ انه لا الموقف المغربي ولا موقف البرلمان الأوربي، كلاهما فتح الإمكانية للحوار للتوصل إلى اتفاق جديد يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الطرفين والمعايير التي يطالب بها البرلمان الأوربي؟ ●● ومن كان يظن أن هناك طريقا آخر غير الحوار والدخول في استراتيجية عملية جديدة تحقق نوعا من التوازن في العلاقة بين السوق الأوربية المشتركة كشريك أساسي وبين المغرب كشريك استراتيجي وكمصدر ومنتج للأسماك ذات قيمة عالية في الأسواق العالمية. من يظن العكس فهو واهم ومخطئ. وبالتالي، فالموقف المتزن والعقلاني هو خلق استراتيجية جديدة وخلق طريقة تعامل جديدة تراعي بعين الاعتبار الجانب العلمي أو جانب البحث عن قيمة مضافة في المتوجات البحرية او جانب الاستثمارات الأوربية الأجنبية التي يمكن أن تفد على الأراضي المغربية، لكن يجب أن يكون الموقف المغربي متزنا وآخذا بعين الاعتبار الاستراتيجية العالمية التي أصبحنا نعيش في ظلها. ● هل ترون أن هناك إمكانية لتدارك الأمر والتوصل قريبا إلى اتفاقية جديدة؟ ●● لا يجب أن ننجر من الناحية السياسية وراء هذه الخصومات التي هي بدافع من أطراف معينة لإحداث بلبلة وتشويش على العلاقات الجيدة الموجودة بين السوق الأوربية المشتركة وبين المغرب . وهذا الخطاب موجه بشكل خاص إلى الحكومة المقبلة التي ستكون أمام ملف يتطلب منها أن تقف عنده وقفة تأملية، وإن كان التعويض المالي على الاتفاقية هو جانب بسيط لا يفوت 30 مليون أورو، لكن عمق الإشكال هو كيف يمكن أن نعمل في إطار استراتيجية مندمجة لتقوية كل الاتفاقيات مع السوق الأوربية المشتركة. فالاتحاد الأوربي يشتغل معنا بنفس الآليات في جميع القضايا والملفات التي يتعامل بها مع المغرب، ولن ننتظر من الاتحاد ألأوربي أن يغير طريقته في الاشتغال سواء تعلق الأمر بملف الصيد البحري أو ملف الفلاحة أو أي شيء آخر، إذن يجب أن نتعظ ونعتبر بالطريقة التي تم التعامل بها مع تمديد اتفاقية الصيد البحري حتى إذا جاءت ملفات أخرى على أصعدة أخرى نكون مستعدين للتعامل وتكون دبلوماسيتنا جاهزة ويكون المحصل عليه هو ما يخدم المصلحة المغربية. ● في نظركم ما هي تداعيات هذا القرار على الدول الأوربية وعلى المغرب؟ ●● أظن أن اتفاقية الصيد البحري هي اتفاقية سياسية في عمقها ولا يمكن أن نتحدث عن 119 باخرة بمقتضى الاتفاقية من بينها 70 باخرة تصطاد 80 في المائة منها من الصيد التقليدي، بمعنى أن مجهودها في الصيد وعدد ألأيام التي تصطاد فيها محدودة خلال السنة، لا يمكن لهذه الاعتبارات أن نقول بأن هذا شيء كبير، بل الأمر أشبه أن يكون نقطة في بحر العلاقات بين المغرب والاتحاد لأوربي. فإذا كان المغرب يصدر ما يقرب من مليار و 170 مليون أورو إلى السوق الأوربية المشتركة لا يمكن في المقابل أن نتحدث عن تعويض للاتفاقية لا يتجاوز 36 مليون أورو. الاتفاقية من الناحية الاقتصادية شيء بسيط لا يضر المغرب ولا يضر حتى السوق الأوربية المشتركة. ولذلك أنا أعتقد أن الشق الاقتصادي هو جانب بسيط في الاتفاقية ويجري تضخيمه، في حين أن الجانب الأساسي في الاتفاقية هو الشق السياسي، كيف تعاملنا مع هذه الاتفاقية وما الذي أوصلنا إلى الوضعية التي تجعل البرلمان الأوربي يأخذ هذا القرار ، وكيف وقع كل ما وقع من التمديد إلى العمل بالتمديد طيلة عشرة أشهر، ثم اتخاذ القرار ولم يبق لتمام مدة التمديد سوى شهرين. ● لكننا نتابع مواقف دول مثل إسبانيا والبرتغال تتحدث عن تداعيات تمس بمصالحها من جراء قرار البرلمان ألأوربي؟ ●● هذا شيء طبيعي، لأن هناك 500 بحار إسباني، أي 500 عائلة إسبانية تعيش على هذه الاتفاقية، سوف تصبح عاطلة عن العمل، وهناك 70 مركبا إسبانيا، 29 منهم في مدينة مالباتي سيصبحون بدون شغل، وهذا طبيعي، أن يتحدثوا عن مصالحهم ويدافعوا عن مواطنيهم. ولكن، إذا وضعنا الاتفاقية في الإطار العام، أي في إطار العلاقات التجارية مع السوق الأوربية المشتركة، فإن هذه الاتفاقية لا تشكل إلا نقطة في بحر. أنا أظن أن الشق السياسي هو الأهم في هذا الموضوع. ● المغرب يعرف تشكيل حكومة جديدة، وأتم عشتم طول هذه المرحلة التدبير المتردد والمتذبذب لذا القطاع، في نظركم ما هي العناوين الكبرى أو الإجراءات التي ترون أن على الحكومة الجديدة أن تأخذها بعين الاعتبار في تدبير هذا القطاع؟ ●● أنا أعتقد أن هذا القطاع هو معقد وسهل في الوقت ذاته. نحن منذ عقد من الزمن، كانت مشاكل الصيد البحري تدرج في إطار اللجان المحلية، لأن قطاع الصيد البحري يتميز باختلاف نوع الصيد ومكان الصيد وطريقة الصيد من منطقة أخرى. ونظرا لامتداد الشاطئ المغربي ب3500 كيلومتر ووجود المغرب على بحرين، فالخاصيات تتنوع من منطقة إلى أخرى، ومستوى المخزون السمكي يتغير بنوعه وكميته من منطقة إلى أخرى. ولذلك لا يمكن تطبيق سياسة إلا إذا كانت مندمجة تأخذ خاصية كل منطقة على حدة. لا يمكن تطبيق راحة بيولوجية والمراكب تبحر دون توقف على الصيد. لا يمكن استصدار قوانين شاملة لكل المناطق، بل يجب تتوزع القوانين المعمول بها إلى قسمين: ما هو معمول به جهويا أو حسب منطقة معينة في إطار حدود معينة نظرا لخاصيات تلك المنطقة ، وما يأخذ الصبغة الوطنية عندما ينتنقى نوع السمك أو تكون تلك الانتقائية موجودة على جميع الشواطئ المغربية. بخلاصة، يجب إيجاد سياسة جهوية تأخذ خاصيات كل جهة بحرية معينة في إطار سياسة راحة بيولوجية بالتناوب وبالتوقف عن العمل من منطقة أخرى آخذين بعين الاعتبار قوانين تشريعية بعضها وطني وبعضها جهوي، وغالبا ما تكون هذه القوانين تهم الجانب التقني والجانب الإنتاجي لكل منطقة على أخرى. ● وما المقاربة المقترحة بالنسبة للعلاقة مع الاتحاد الأوربي في هذا الملف؟ ●● أعتقد أنه لا غنى عن العلاقة بين المغرب والسوق الأوربية المشتركة لأسباب جيواقتصادية ولأسباب جغرافية ولكون المغرب هو البوابة نحو إفريقيا وهو السوق المفتوحة على أوربا وكون أوربا هي الشريك الأساسي لترويج 80 في المائة من المنتوجات البحرية. مفروض على المغرب وعلى السوق الأوربية المشتركة اتخاذ قرار سياسي واضح لخلق شراكة متوازنة تأخذ بعين الاعتبار مصالح الطرفين. وفي المستقبل سوف نرى مناوشات وهذا شيء طبيعي في العلاقات الدولية، وسوف نرى تنظيمات تدعي الدفاع عن البيئة وحقوق الإنسان تناوش أو تشكك في مصداقية المغرب ● كيف يمكن لاستراتيجية المغرب أن تمتص هذه المناوشات وتحول دون تأثيرها على قرار البرلمان ألأوربي مستقبلا؟ ●● أظن أن الحاجة أصبحت اليوم ماسة أكثر من أي وقت مضى لعمل تشاركي بين الجانب المهني والجانب الوصي لخلق استراتيجية موحدة الأطراف وتعمل جميع الدبلوماسيات على الدفاع عنها سواء تعلق الأمر بالديلوماسية المهنية أو الرسمية أو البرلمانية أو حتى الأداء الإعلامي المنافح عن مصالحنا الاستراتيجية. وفي غياب كل هذه الميكانزمات وفي غياب ذلك لا يمكن أن نرى إلا نتائج مثل هذه النتائج التي رأيناها أخيرا في قرار البرلمان ألأوربي.