في خطوة تصعيدية غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين إسلام آباد وواشنطن، أعلنت السلطات الباكستانية، أول أمس، أنَّها أصدرت أوامر لقادة مواقعها الحدودية بالردّ على أي هجوم تنفّذه قوات حلف شمال الأطلسى (الناتو) المنتشرة في أفغانستان خلال الأيام القادمة، فيما أكدت إاسلام آباد أن علاقات باكستان مع أمريكا لن تعود لسابق عهدها. وجاء ذلك بعد أيام من هجوم جوي نفّذته مروحيات الناتو أسفر عن تدمير موقعين حدوديين باكستانيين، ومقتل 26 جنديًا وإصابة 13 آخرين. وأفادت صحيفة «إكسبريس تريبيون» الباكستانية بأنّ قائد الجيش الباكستاني الجنرال أشفق برفيز كاياني أرسل تعميمًا بمراجعة التسلسل القيادي فى هذا الشأن الأسبوع الجاري. كما نقلت الصحيفة عن جنرال متقاعد قوله: «إنّ الأوامر الجديدة تلغي أوامر سابقة بضرورة طلب الضباط إذنًا من القيادة قبل الردّ على إطلاق نار من طائرات حلف الأطلسي في حال نفذت تلك الطائرات مناورات عدائية على الأراضى الباكستانية». وأعلنت إسلام آباد أنها نصبت منظومة للدفاع الجوي على حدودها مع أفغانستان للتصدي لأي عدوان يقع مستقبلا من قبل حلف شمال الأطلسي «ناتو». وذكرت قناة «دنيا نيوز» التليفزيونية المحلية أنه تم وضع استراتيجية شاملة لمواجهة أب هجوم يقع مستقبلا من قبل قوات احتلال الناتو في أفغانستان. وأضافت القناة أنه سيتم أيضا تحسين الاتصال بين الجيش الباكستانى وسلاح الطيران الباكستانى في حالة وقوع أي هجوم عسكري من الحدود الغربية. يأتى هذا التقرير الإعلامى في وقت دافع فيه الجيش الباكستانى عن عدم تصديه لهجوم مقاتلات الناتو ليلة 25/26 نونبر الماضى، قائلا: إن عدم وضوح الموقف كان السبب في تأخير اتخاذ القرار بتدخل سلاح الطيران الباكستاني للدفاع عن القوات على الأرض خلال قصف الناتو لموقعين حدوديين. وصرح المتحدث الرسمي باسم الجيش الباكستاني الميجور جنرال أطهر عباس، بأن عدم اتخاذ القرار في التوقيت المناسب كان سببه أيضاً انقطاع الاتصال مع المواقع التي استهدفت في الهجوم وهو ما نجم عنه عدم وضوح الموقف على مختلف المستويات ومن بينها قيادة الفيلق والقيادة العامة للقوات المسلحة. وفي محاولة، يبدو يائسة، لاحتواء الموقف التصعيدي الذي تبديه إسلام آباد، تحادثت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون هاتفيا مع رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني أول أمس، وقدمت من جديد عزاء الولاياتالمتحدة في مقتل الجنود الباكستانيين من دون أن تقدم اعتذارا رسميا. وقال بيان للخارجية الأمريكية إن كلينتون أكدت لجيلاني احترام الولاياتالمتحدة لسيادة باكستان والالتزام بالعمل معها، سعيا لتحقيق «الأهداف المشتركة على أساس المصلحة والاحترام المتبادلين». ويأتي اتصال كلينتون قبل يومين من عقد مؤتمر دولي في ألمانيا بشأن مستقبل أفغانستان، أعلنت إسلام آباد مقاطعتها له بسبب الحادث المذكور. وكان رئيس الوزراء الباكستاني سيد يوسف رضا جيلاني قد أكد في وقت سابق الأسبوع المضي فور وقوع هجوم الناتو ومقتل الجنود الباكستانيين أن العلاقات بين بلاده والولاياتالمتحدة لا يمكن أن تبقى كما كانت بعد الغارة الأطلسية التي أسفرت عن مصرع أزيد من 20 عسكريًّا باكستانيًّا السبت ما قبل الماضي. وقال جيلاني: إن علاقات بلاده مع الولاياتالمتحدة لا يمكن أن تستمر إلا على أساس الاحترام المتبادل والمصلحة المتبادلة، وإن العلاقات الثنائية لا تتناسب مع هذا الشرط في الوقت الراهن. وأضاف أنه وفقًا لرغبات الجماهير، يتعين أن تعتمد العلاقات مع الولاياتالمتحدة على الثقة والمساواة والنفع المتبادل. وتابع قائلاً: «لا خيار آخر أمامنا سوى قبول إرادة الشعب»، مضيفًا أن باكستان ستستمر في الحفاظ على علاقاتها مع الولاياتالمتحدة طالما كان هناك احترام متبادل واحترام للسيادة الباكستانية. يذكر أن الجيش الباكستاني أعلن في بيان نشر الأربعاء الماضي أن 72 عسكريًّا لقوا حتفهم وأصيب أكثر من 250 آخرين بنيران قوات حلف الناتو العاملة في المنطقة خلال السنوات الثلاث الماضية. وأوضح الجيش أن الخسائر في صفوفه وقعت بسبب غارات جوية شنها طيران الناتو بهدف تصفية «متطرفين» في المناطق الحدودية بين باكستانوأفغانستان، بالإضافة إلى تعرض وحدات من الجيش الباكستاني لقصف مدفعي من قوات الناتو المنتشرة في الجانب الأفغاني من الحدود. هذا وقدمت باكستان يوم الاثنين الماضي شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي احتجاجًا على الغارة التي استهدفت نقطتين عسكريتين تابعتين للجيش الباكستاني في منطقة مومند الحدودية. وأوضحت وزارة الخارجية الباكستانية أن مندوبها الدائم لدى الأممالمتحدة عبد الله هارون سلم رسالة رسمية تتضمن الاحتجاج الباكستاني إلى بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة. يذكر أن الجيش الباكستاني قد أعلن أن مروحيات تابعة لحلف شمال الأطلسي قادمة من أفغانستان قصفت في هجوم «غير مبرر وعشوائي» مركزًا عسكريًّا باكستانيًّا في شمال غرب البلاد قرب الحدود الأفغانية. وذكرت مصادر عسكرية مطلعة أن الاعتداء قد أسفر عن مقتل 25 من العسكريين الباكستانيين على الأقل، بينهم ضابط كبير. وكانت الحكومة الباكستانية قد طلبت من سفيرها بواشنطن الاستقالة، وأمرت بفتح تحقيق حول مزاعم مفادها أن الأخير سعى إلى الحصول على مساعدة الأمريكيين ضد الجيش الباكستاني، يأتي هذا وسط جدال بين مرشحين جمهوريين للرئاسة حيال وقف المساعدات الأمريكية لإسلام آباد. وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني بأن الأخير طلب من سفير باكستانبالولاياتالمتحدة حسين حقاني تقديم استقالته، مضيفًا أن الحكومة أمرت بإجراء «تحقيق مفصل» بهذه القضية. من جهته، عرض حقاني بنفسه أن يستقيل نافيًا معلومات للصحافة الباكستانية تحدثت عن ضلوعه في رسالة بعث بها الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري إلى الأميرال مايكل مولن في مايو، بُعيد مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن على يد كوماندوز أمريكيين.