ثمة تفهم كبير للموقف المعبر عنه من قبل المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي القاضي بعدم المشاركة في الحكومة المقبلة رغم الوعي بخصوصية المرحلة السياسية الحرجة التي يمر بها المغرب وحجم الاستحقاقات والتحديات الديموقراطية المنتظرة في الأشهر القادمة. لقد كان الخيار الأمثل هو تكوين حكومة قوامها حزب العدالة والتنمية وأحزاب الكتلة الديموقراطية بما يؤسس لمرحلة جديدة في الانتقال الديموقراطي، إلا أن الذي حصل هو تفضيل الاتحاد الاشتراكي لخيار الخروج إلى المعارضة بفعل سلسلة أسباب ذاتية بالأساس، وتهم بالنسبة لقطاع معتبر في الاتحاد، إطلاق ورش تجديد بناء الحزب وتقوية علاقته بالمجتمع واستعادة موقعه في التدافع الاجتماعي والسياسي وما سيفضي إليه من ملء أي فراغ سياسي ينشأ بسبب من ضعف المعارضة البرلمانية، وفي المقابل أصبحت أي مشاركة حكومية للاتحاد مكلفة له على المستوى الداخلي ومحفوفة بصعوبات ذاتية، بالرغم من أن رهانات المرحلة تفرض تجميع كافة القوى السياسية الجادة وذات المصداقية وتستوجب تقديم تضحيات استثنائية لإنجاح استحقاقات التنزيل الديموقراطي والتشاركي للدستور وكذا مواجهة معضلات الأزمة الاقتصادية الخارجية المؤثرة على المغرب. من الواضح أن عملية فرز سياسي تجري اليوم، وتحمل في طياتها آثار إيجابية على استحقاقات ما بعد انتخابات 25 نونبر، فمن جهة هناك حالة من الحيوية والاستقلالية في تدبير النقاش الحزبي حول موضوع المشاركة الحكومية، ومن جهة أخرى فإن الخريطة السياسية أخذت تتضح وتتخلص تدريجيا من إرث السلطوية والتحكم التي تعاظمت في مرحلة ما بعد انتخابات 2007 وخاصة بعد الاستحقاقات الجماعية ليونيو 2009، وثالثا تكريس الخروج من حالة المراوحة السياسية وإعطاء دفعة أكبر لمسلسل تصحيح العلاقة بين المجتمع والدولة في تجاه إعادة الاعتبار للأول في تحديد مسار الثاني، وهو الأمر الذي كان مفتقدا في السابق، ثم رابعا بروز تحديات تدبير الحراك الديموقراطي الاجتماعي وما يفرزه من معارضة شبابية جديدة ومؤثرة ينبغي الوعي بأهمية اندماجها في البناء الدستوري المؤسساتي ودور هذا الاندماج في تحجيم مخططات جيوب المقاومة وعناصر مناهضة الإصلاح الديموقراطي التصاعدي. قبل حوالي 14 سنة عرض الاتحاد على العدالة والتنمية خيار المشاركة، ورغم عدم تحققها اختار هذا الأخير موقف المساندة النقذية وكان لذلك دوره في دعم مسلسل التطلع الشعبي لتغيير حقيقي، وعدم التشويش على هذا التطلع من قبل توجه منبق من الحركة الإسلامية المعتدلة، والمتأمل في الخطاب الاتحادي اليوم يلحظ مثل هذا النزوع المسؤول نحو معارضة قوية وجادة قادرة عل تشكيل قيمة مضافة في الحياة البرلمانية، مما ينبغي تثمينه وتقديره.