بعد مفاوضات وأخذ ورد مع مسؤولين أمنيين، نفذ أول أمس (الثلاثاء) ما يقارب مائة من الناشطين الحقوقيين والسياسيين والنقابيين وقفة هي الأولى من نوعها بالقرب من مقر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بتمارة (المخابرات) لمناهضة التعذيب والانتهاكات الممارسة في المعتقل السري الموجود به، وقد دعت لهذه الوقفة هيأة متابعة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومنتدى الحقيقة والإنصاف) بعرض إيصال صوتها والاحتجاج على ما سجل من ممارسات غير قانونية لجهاز مراقبة التراب الوطني في إلقاء القبض على متهمين وحجزهم واستنطاقهم وتفتيش منازلهم وغيرها من أعمال الشرطة القضائية، في الوقت الذي صرح فيه وزيرا الداخلية والعدل بأن موظفي المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني لا يتوفرون على صفة ضباط الشرطة القضائية التي تسمح لهم بمباشرة العمليات سالفة. وقد تميزت الوقفة، التي نظمت أمام الباب الرئيس المؤدية لأسواق السلام، بحضور إعلامي وازن وبمشاركة منظمة العفو الدولية (أمنستي) التي أصدرت أخيرا تقرير أثار ضجة وتفاعلا حكوميين حول ممارسة التعذيب في حملة المغرب في إطار مكافحة الإرهاب وعلاقة معتقل تمارة بذلك، كما شهدت الوقفة انتزاع أحد المسؤولين الأمنيين لآلة تصوير مصور جريدة التجديد لمجرد أخذ صورة لمنظمي الوقفة وهم يتفاوضون حول مكان عقدها، ولم يسترجع المصور الآلة إلا بعدما أزال محتوياتها من الصور. ورفع المشاركون في الوقفة صورا لمختطفين ومعتقلين ماتوا تحت التعذيب، ولافتات تجرم التعذيب وتطالب بوقف اعتقال المواطنين في أماكن سرية، وبإخضاع جهاز المخابرات الديستي لمسؤولية الحكومة ومراقبة البرلمان، ورفعت بالمناسبة شعارات تدين الخروق والتجاوزات المرتكبة، والملاحظ أن عددا من الحاضرين سجنوا وعذبوا في مراكز اعتقال سرية كدرب مولاي الشريف وقلعة مكونة، ومراكز أخرى معلن عنها كالسجن المركزي بالقنيطرة، في حين غابت عائلات معتقلي ما يسمى السلفية الجهادية المحكوم عليهم بتهمة التورط في تفجيرات 16 ماي الإجرامية، ومر جلهم بمركز تمارة حيث حجزوا هنا لمدة واستنطقوا، بل وصرح عدد منهم أن تصريحات له تدينه انتزعت منه تحت التهديد والتعذيب. وقبل ختام الوقفة ارتجل رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان عبد الله الولادي كلمة أوضح فيها سبب عقد الوقفة وبأنه هو الاستنكار الشديد للمعتقلات غير الرسمية والسرية، وما يمارس فيها من جرائم شنيعة تسيء إلى سمعة البلاد، وتمس بالحقوق الأساسية للمواطنين، مضيفا بأن هذا الممارسات لا تتلاءم وبناء دولة الحق والقانون. ووجه الناشط الحقوقي نداء إلى السلطات العمومية من أجل القطع مع هذه الممارسات من جهة، ومن أجل توضيح الوضع القانوني والإداري والمالي لمديرية مراقبة التراب الوطني الديستي، وذلك يضيف الولادي حتى لا يبقى هناك خلط في مهامها ومجال لارتكاب الفظاعات، محذرا بأن ترك الحابل على الغارب ستعود بالمغرب إلى العهد الأسود على حد قول. محمد بنكاسم رئيس منتدى الإنصاف والمصالحة ل التجديد":لقد فجرنا سؤال جهاز المخابرات بالمغرب والمطلوب نقاش وطني حول دوره الهدف من هذه الوقفة هو الاحتجاج على ما يمارس في مركز تمارة من تجاوزات خطيرة، فإدارة مراقبة التراب الوطني ليس لها الحق في ممارسة أعمال الشرطة القضائية ولا يوكل لها نهائيا التحري في إطار التحقيقات التمهيدي، وجل الذين أحيلوا على المحاكم بعد 16 مايو مروا من هذا المعتقل، وصرحوا أمام المحاكم بأنهم تعرضوا للإكراه والضغط، ومع ذلك لم تفتح هيأة التحقيق بحثا في الموضوع. (...) ليس لدينا أي عداء تجاه الأجهزة الاستخباراتية إذا كان الهدف منها الحفاظ على الأمن القومي ومحاربة التجسس والاستعلامات الضرورية لتزويد صناع القرار بالمعطيات والمعلومات لاتخاذ قراراتهم. (...) لقد فجرنا الآن سؤال المخابرات بالمغرب، ومن المؤكد أن أنشطة في هذا السياق ستنتظم في مستهل الدخول السياسي المقبل، خاصة وأن المطلوب من هيأة الإنصاف والمصالحة أن تحدد في تحرياتها وأبحاثها بعض المسؤوليات الجماعية والفردية، ومما لا شك فيه أنها ستقف أثناء عملها على بعض الأجهزة الأمنية بالمغرب التي ارتكبت انتهاكات جسيمة، وبالتالي آن الأوان أن يفتح نقاش وطني حول دور هذه الأجهزة: هل هي في خدمة الوطن والمواطن أم أن دورها قمع الشعوب وترويضها؟