إن رئيس الدولة لا ينبغي أن يمارس الوظيفة التشريعية إلا على سبيل الاستثناء. ولإبراز مدى تمكنه من تاريخ الفكر السياسي الإسلامي، فإنه يرد على ما يذهب إليه غلاة الشيعة في دفاعهم عن فكرة الإمام المعصوم، الذي يحتل -في نظره- مرتبة البابا عند الكاثوليك ويكون فوق المساءلة والمحاسبة. وفي سياق آخر يضرب مثالا بأبي بكر الخليفة الأول الذي "مع ما حباه الله به من العلم والورع والتقوى لم يَدعِ العصمة، بل اعترف بأنه قد يحسن التصرف في ولايته وقد يسيء ذلك". وهولا يثير هذا المثال من باب الترف الفكري أو الإطناب، وإنما يريد أن يبرهن بهذا النموذج التاريخي بأن سلطة رئيس الدولة ليست مطلقة، وأن إمكانية التقويم والمحاسبة واردة إذا أساء التصرف، وذلك بغرض سد باب كبير من أبواب الاستبداد، ألا وهو ادعاء العصمة أو القداسة بموجب "التفويض الإلهي" أو تأسيسا على النسب الشريف:" فلو علم الصحابة أن الخلافة تنحصر في آل البيت لما انتخبوا أبا بكر ولما رضي أبو بكر نفسه أن يتقدم مثلا على علي بن أبي طالب، ولو علم عمر بن الخطاب جواز توريث الخلافة لما أوصى بعدم انتخاب ابنه عبد الله". إن هدف الوزاني من وراء الإشارة إلى هذه الأحداث التاريخية هو التأكيد على قابلية بعض قواعد اللعبة السياسية في المغرب للمناقشة وبالتالي للمراجعة، ولكن دون أن يمتلك القدرة على تطوير قراءاته وإحالاته -التي ينتقيها بشكل مدروس وممنهج- إلى خطاب سياسي مباشر... وهكذا، وعبر إبراز الوظائف الأساسية لرئيس الدولة في التصور الإسلامي وتحديدها بدقة، يوضح الوزاني علاقة الدين بالسياسة في التصور الإسلامي، وخاصة على مستوى رئيس الدولة. ولاستكمال هذا المنظور اختار الوزاني أن يناقش نظرية الحق الإلهي التي تم اللجوء إليها تاريخيا لتبرير استبداد الحكام وحكمهم المطلق. اختار محمد حسن الوزاني أن يناقش نظرية الحق الإلهي التي ظهرت في أوربا "لكي يبدد ما تقوم عليها من الأوهام والأباطيل وما يحوم حولها من الشبهات". وإن كان يرى منذ البداية بأن "هذه النظرية السخيفة لا تثبت أمام البحث العلمي ولا توافق عليها شريعة التوحيد مطلقا"، ولإثبات هذه السخافة اعتمد منهجية العرض والتجاوز بحيث قام باستعراض أهم أسسها التاريخية ومرتكزاتها الفكرية على لسان منظريها الأوائل في أوربا، خاصة "بوسوى" في فرنسا، والفيلسوف "فيلمر وهوبس" في إنجلترا، الذين يعتبرون من أنصار الحكم المطلق المقدس، والذين دافعوا على بعض الأطروحات التي ترى بأن "السلطة السياسية يرجع أصلها إلى آدم الذي أعطاه الله السلطة على كل ما يدب على الأرض من حيوان، فآدم أول ملك عرفه تاريخ الخليقة" حسب "فيلمر"، ولذلك "وجب البحث عن مبدأ السيادة في السماء لا في الأرض" لأن مبدأ السلطة –حسب "بوسوى"، "إنما يوجد في الله ذاته، فالله ملك الملوك وفي بدء الخليقة كان وحده ملك البشر أجمعين"، ومن هنا يستمد ملوك الأرض –حسب دعاة هذه النظرية- مشروعيتهم، وليس للناس اتجاههم إلا "الاستسلام والطاعة والامتثال". ولا يكلف حسن الوزاني نفسه عناء الرد الدقيق على هذه الأطروحات، ويرى بأن "مجرد بسط نظرية الحق الإلهي (..) يكفي لإظهار ما تتصف به من السخافة والباطل. فهي تدحض نفسها بنفسها في نظر العقل، ولا ينتحلها إلا من عميت بصيرته ولبس عليه الشيطان فأغواه وأضله" ولكن المعطى الوحيد الذي يدفع به لرد هذه الأفكار هو أن"هذه النظرية الخيالية السخيفة قد أخذ بها جميع الملوك المستبدين الذين أبوا أن يقيموا حكمهم على رضى الأمة بصفتها المصدر الحقيقي لكل سلطة سياسية". ولكن يبدو بأن المستهدف الرئيسي وراء نقد نظرية الحق الإلهي، ليس هو التجربة الأوربية ، بحيث إن التجارب السياسية في أوربا لم تعد تأخذ بهذه النظرية بعدما ترسخت الفكرة الديموقراطية "عبر مسار تاريخي وفكري واجتماعي استطاع الثورة على الكنيسة وانتزاع الوصاية على الشأن السياسي من رجال الإكليروس، ليمنح المجتمع المدني والسياسي وظيفة الخوض في أمور الحكم والسياسة وابتكار نظام سياسي قائم على التعاقد وعلى حق المواطنين في إدارة الشؤون العامة".