لم تختلف صورة الوضع الميداني في المدن السورية «الساخنة»، أمس وأول أمس، عما كانت عليه في الأيام الأربعة الماضية، مع استمرار النظام في حملة عسكرية إجرامية هادفة إلى سحق واحدة من أكبر الاحتجاجات ضد الرئيس بشار الأسد، فيما أكد سياسيون سوريون أن النظام يغلق باب المصالحة بالقمع الدموي الذي اختاره نهجا لا رجعة عنه، في مقابل توجه أوروبي لمزيد من الضغط على رموز النظام الديكتاتوري وسط تلميحات دبلوماسيين بإمكانية وجود فرص لاستصدار قرار أممي من مجلس الأمن يدين العنف في سوريا، الأمر الذي تخشاه القيادة السورية. فقد أطلقت القوات السوريَّة النار على المتظاهرين الذين يطالبون بالديمقراطية، أثناء وبعد صلاة التراويح في شتى أنحاء سوريا مساء أول أمس، في تشديد لهجماتها الراميَّة إلى قمع المعارضة خلال شهر رمضان. وقال شهود عيان إن دبابات الجيش السوري قصفت مدينة حماة بعد صلاة التراويح مساء أول أمس لليلة الثالثة على التوالي من الهجوم الذي تقوم به الأذرع الأمنية التابعة للنظام الديكتاتوري. وأضاف الشهود أن القصف تركز على أحياء الرباعي والحميدية في شرق المدينة وعلى طريق حلب في الشمال وعلى منطقة البعث في شرق المدينة. وتعرض حشد حاول التجمع في حي العلمين بوسط المدينة عقب صلاة التراويح لإطلاق نار من جانب قوات الأسد. وقال مدافعون عن حقوق الإنسان: «إن خمسة مدنيين قتلوا (أول) أمس الثلاثاء مع توغل الدبابات بصورة أكبر في وسط المدينة التي يقطنها 700 ألف نسمة». وفي الوقت ذاته, قال شهود عيان ونشطاء لوكالة «رويترز»: إنّ عشرات الأشخاص جُرحوا عندما تعرّض المتظاهرون الذين يطالبون بإسقاط الأسد في المعظميَّة في غرب دمشق، وفي مدينة الحسكة بشمال البلاد، ومدينة اللاذقية الساحلية؛ لإطلاق النار أثناء وبعد صلاة التراويح. وقال شاهد عيان، يقيم في الضاحية التي تبعد 30 كيلومترًا عن مرتفعات الجولان المحتلة: «دخلت عشر حافلات مليئة بالأمن المعظميَّة، ورأيت عشرة شبان يسقطون وأنا أجري هربًا من إطلاق النار، مئات الآباء والأمهات في الشوارع يبحثون عن أبنائهم». وقال سكان: إنَّ الدبابات دخلت المعظمية أول الأمر، الاثنين، وقتلت اثنين من المتظاهرين، أحدهما صبي عمره 16 عامًا ويدعى حسن إبراهيم بله، وأُقيمت جنازته في الضاحية في وقت سابق أول أمس الثلاثاء. لا إمكانية للحوار سياسيا، أغلق مثقفون وسياسيون سوريون، الباب أمام إمكانية إجراء «مصالحة» مع نظام بشار الأسد، في أعقاب الممارسات القمعية في حماة ودير الزور والمدن الأخرى، مؤكدين أن اقتحامهما بالدبابات يُغلق الباب في وجه النظام للتصالح مع الشعب، قائلين إن دخول الجيش هذه المدن يشكّل خطرًا على مستقبل سورية، وإن أكدوا أن إرادة الشعب لم يعد من الممكن كسرها. وفي تعبير عن الاستياء الشديد من تطويق الجيش للعديد من المدن السورية واقتحامه لها، كحماة ودرعا وحمص والرستن وتلبيسة والمعرة وبانياس وجسر الشغور وغيرها، قال عشرات المثقفين السوريين في بيان نقلته وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء، أول أمس، إنه «كان من المستحيل أن يتصور أحد أن تؤمر قطعات هذا الجيش باحتلال المدن السورية وتصويب الأسلحة نحو صدور المواطنين». واتهموا السلطة بأنها «تدفع بالبلاد نحو أوضاع مأساوية، لا يعلم أحد كيف ستتطور وكيف ستنتهي، وهي في سعيها المحموم والمتخبط للقضاء على حركة الاحتجاج السلمي الوطني من أجل الحرية و بناء سوريا الجديدة الديمقراطية، تعوض عن الفشل الناجم عن ممارسة القمع الدموي بالمزيد من القمع، دون أن تدرك أنّ الفجوة بينها وبين الشعب تتحول إلى قطيعة لا يمكن وصلها»، على حد قولهم. وتعرضت مدينة حماة في وسط سوريا ودير الزور في شرقي سوريا لأكثر الحملات قمعية منذ اندلاع الاحتجاجات منتصف مارس وقتل خلالها نحو 150 شخصا، الأحد الماضي، خصوصا في مدينة حماة أحد معاقل الاحتجاحات. وتواصلت حملة القمع حيث سقط العشرات بين قتيل وجريح بنيران قوات الأمن والشبيحة في مناطق مختلفة إلى حدود الآن. وذكّر البيان بأن حماة «ذات التاريخ المجيد في مقاومة الاحتلال الفرنسي، المدينة التي أشعلت نضال الفلاحين في سوريا من أجل الأرض، والتي أعطت حزب البعث العربي الاشتراكي جلّ نوابه في البرلمان في الخمسينيات وحولته إلى قوة شعبية حقيقية، هذه المدينة لا يجوز أن تعامل بهذا العسف من النظام الذي يقول إنه يحكم باسم حزب البعث العربي الاشتراكي»، حسب تعبيرهم. وأشار إلى «دير الزور المكافحة، المدينة التي احتضنت ودعمت النواة الأولى للجيش السوري التي شكلها الضابط أديب الشيشكلي وعدد من زملائه، بعدما انفكّوا عن الجيش الفرنسي في ماي 1945 لا يجوز أن تقتحم من هذا الجيش»، على حد قولهم. وحمّلوا السلطة المسؤولة عن كل ما سينجم عن ممارستها في حماة ودير الزور والمدن الأخرى، ودعوا إلى الإصغاء لصوت العقل و»الإدراك أن الأزمة الوطنية العميقة التي تعيشها البلاد، تُعالج بالإصلاح الجذري المتوافق عليه بدل متابعة سياسة القمع التي لن تحقق له سوى التدمير ونشر الاضطراب في البلاد وفتح الأبواب للتدخل الخارجي وبقدر ما يطرح اقتحام حماة ودير الزور من مخاطر على سوريا ومستقبلها، بقدر ما يغلق باب الفرصة في وجه النظام للتصالح مع الشعب، فإرادة هذا الشعب لم يعد من الممكن كسرها». إصرار متبادل وكان محللون سياسيون قد أكدوا أن «الأسد» بإقدامه على إرسال الدبابات لسحق المتظاهرين وعناصر المعارضة في مدينة حماة، قد أعاد ذكريات حمام الدم الذي حدث في عام 1982 عندما تم قتل 40 ألف شخص، وقد اختار طريق المضي في طريق دموي لا عودة منه. وأشار المحللون إلى أن عائلة الأسد تلقت تحذيرات متكررة من جانب الولايات المتّحدة، والاتحاد الأوربي وتركيا لكي لا يتم تكرار مذبحة حماة في المستقبل. وكان الرئيس السابق حافظ الأسد قد ارتكب مجزرة دموية ضد الحركة الإسلامية في عام 82 وقام بهدم أحياء كاملة من مدينة حماة. وعلى الرغم من التحذيرات، فإن الحكومة السورية ترفض أي انتقادات خارجية وتتمسك بمواقف متصلبة وتعلن أنها لن ترضخ أمام الدعوات التي تطالبها بالاتعاظ من الثورات المحيطة بسوريا في أرجاء العالم العربي، وتؤكد الحكومة السورية استعدادها لخوض معارك دامية مستمرة للبقاء في السلطة. ويقول المحللون: «بعد أن أظهر نظام الأسد عزمه على تصعيد القمع العسكري لسحق الاحتجاجات المنادية بالديمقراطية في سوريا مهما كان الثمن، جاء شهر رمضان وأعلنت المعارضة بدورها نيتها في تصعيد وتيرة انتفاضتها المستمرة منذ خمسة أشهر تقريبًا». وقال باسم كدماني رئيس مبادرة الإصلاح العربية ومقرها في باريس: «الهجوم على حماة إشارة تدل على أن النظام السوري بدأ يفقد السيطرة، وهذا النظام يريد الآن أن يظهر أنه مستعد لتوسيع نطاق القمع ليشمل البلاد بشكل كامل». من جهته، قال المحلل السياسي رامي خوري: «ما يتضح الآن هو أن النظام السوري يتجهز لاستعمال القوة بدون حدود، لكن هذا الأسلوب لا يحل المشكلة ويجعل المعارضة تزداد تمسكًَا بمطالبها أكثر». ورأت حورية نديم الناشطة في معهد الدفاع عن حقوق الإنسان ببيروت أنه وبعد أربعة شهور من القمع الوحشي الذي مارسه النظام السوري لم يدرك الرئيس الأسد أن الحل العسكري لن يستطيع القضاء على حركة الاحتجاج وأن الحل الوحيد هو الشروع في إجراء إصلاحات حقيقية». وقالت حورية: «النظام يريد أن يمنع تحول مدينة حماة إلى رمز ومصدر إلهام لمدن سورية أخرى». عقوبات جديدة وعلى صعيد التحركات الدولية لتشديد الضغوط على نظام الأسد، رحب وزير الخارجية البريطاني ويليام هيج، أول أمس، بإقرار الاتحاد الأوروبي جولة جديدة من العقوبات ضد نظام الرئيس السوري. ونشر الاتحاد الأوروبي، أول أمس، أسماء خمس شخصيات سورية مقربة من نظام الأسد لتضم إلى قائمة المسؤولين الممنوعين من دخول دول الاتحاد «27 دولة» والمشمولين بتجميد الأصول. وقال هيج في بيان: «بدأ اليوم تطبيق عقوبات أوروبية بحق سورية. الرسالة واضحة وبائنة. ينبغي تحديد المسؤولين عن القمع ومحاسبتهم». وأوضح أن «الهجوم المروع» الذي شنته القوات السورية في حماة ومدن أخرى يومي السبت والأحد الماضيين الجاري يؤدي إلى تآكل «شرعية» النظام السوري ويزيد السخط ضده. وأعلن أن بلاده ستواصل الضغوط من أجل إقرار مزيد من العقوبات الأوروبية ضد سورية إذا لم يتوقف العنف «الأحمق» وتبدأ عملية إصلاح سياسي حقيقي. ونشرت الصحيفة الرسمية للاتحاد الأوروبي، أول أمس، أن وزير الدفاع السوري اللواء علي حبيب هو من بين خمسة أشخاص شملهم توسيع عقوبات الاتحاد الأوروبي لدورهم في قمع المتظاهرين في سوريا. وقالت الصحيفة إن العقوبات تشمل كذلك رئيس الأمن العسكري في مدينة حماة وسط سوريا محمد مفلح. وفيما يخص الأشخاص الثلاثة الآخرون الذين تشملهم عقوبات الاتحاد الأوروبي فهم رئيس فرع الأمن الداخلي العميد توفيق يونس، ومحمد مخلوف المعروف بأبي رامي، خال الرئيس السوري بشار الأسد، وأيمن جابر المرتبط بالشقيق الأصغر للرئيس السوري ماهر الأسد في إطار ميليشيا الشبيحة الموالية للنظام. ويفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ما مجمله ثلاثين شخصًا من بينهم الرئيس السوري بسبب تورطهم في أعمال القمع. ضغوط أمريكية في سياق متصل، دعا أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي إدارة الرئيس باراك أوباما إلى فرض عقوبات جديدة صارمة على قطاع الطاقة السوري وذلك مع سعي واشنطن لزيادة الضغوط على الرئيس السوري بشار الاسد لوقف حملته الدموية ضد المحتجين العزل. وقال السناتور الجمهوري مارك كيرك، وهو يقدم مشروع قانون لاستهداف الشركات التي تستثمر في قطاع الطاقة في سوريا أو تشتري النفط منها أو تبيعها البنزين «ينبغي للولايات المتحدة أن تفرض عقوبات مؤثرة ردا على قتل جنود الجيش المدنيين بأوامر من الرئيس الأسد»، وفق «رويترز». وانضم إلى كيرك في تبني مشروع القانون السناتور الديمقراطي كريستن جيليبراند والسناتور المستقل جوزيف ليبرمان الذي قال انه حان الوقت للحث على «انتقال ديمقراطي يعكس ارادة الشعب السوري». وبينما تدرس الولاياتالمتحدة خطواتها القادمة للرد على الحملة المتصاعدة التي يشنها الأسد لقمع الاحتجاجات التقت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون ممثلين للمعارضة الناشئة في سوريا قالوا ان الحركة المطالبة بالديمقراطية في حاجة ماسة الى دعم أمريكي أكثر قوة. وقال محمد العبد الله وهو أحد ناشطين سوريين مقرهم الولاياتالمتحدة التقوا كلينتون «نحتاج فعلا ان نرى الرئيس اوباما يتناول شجاعة الشعب السوري... نريد أن نسمعه وهو يقول بصوت عال وواضح أن على الأسد أن ينتحى». وقال اوباما وكلينتون كلاهما أن الاسد فقد الشرعية لكنهما لم يصلا إلى حد الدعوة بشكل مباشر إلى انتقال للسلطة في سوريا مثلما فعلا مع حسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا. وفرضت الولاياتالمتحدة بالفعل عقوبات على الأسد واعضاء في حكومته وتقول إنها تدرس عقوبات جديدة بما في ذلك اجراءات محتملة ضد صناعة النفط والغاز السورية. وقال النشطاء السوريون الذين التقوا كلينتون، أول أمس، إن عقوبات على قطاع الطاقة قد تعطل التمويل لقوات الامن والعصابات المسلحة التي يسيطر عليها الاسد. وقالت الناشطة المعارضة مرح البقاعي «دخل الغاز يجري استخدامه لتمويل بعض المجموعات الإرهابية ولقمع الشعب السوري. نريد وقف ذلك في أقرب وقت ممكن». وأبلغ السفير الأمريكي لدى سوريا روبرت فورد جلسة استماع بمجلس الشيوخ، أول أمس، أن الولاياتالمتحدة تعمل مع كندا ودول أوروبية لها شركات عاملة في قطاع الطاقة بسوريا لضمان ان أي عقوبات جديدة ستحدث الاثر المطلوب. مطالب بمحاكمة «الأسد» من جهته، طالب حزب الخضر الألماني المعارض بمثول الرئيس السوري بشار الأسد أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظامه ضد شعبه. وقالت رئيسة الحزب، كلاوديا روت، أول أمس في برلين: «حان الوقت لأن تتدخل المحكمة الجنائية الدولية ولتقديم الأسد وغيره من المسؤولين للمحاكمة». وأضافت روت: «المذبحة التي ينفذها النظام السوري ضد شعبه وحشية وإجرامية». ودعت روت مجلس الأمن إلى إدانة الجرائم الوحشية التي ترتكبها الحكومة السورية. وذكرت أن الدول التي تحول دون إصدار قرار بالإدانة في مجلس الأمن تدعم النظام السوري في مواصلة جرائمه ضد الشعب. في غضون ذلك، توقع دبلوماسيون في الأممالمتحدة أن يجبر حجم العنف الدموي الذي تمارسه الأذرع الأمنية للنظام السوري ضد المحتجين المسالمين الدول المؤيدة للحكومة السورية في مجلس الأمن على التفاوض حول إصدار قرار إدانة من المجلس للعنف في سورية. ورأى دبلوماسيون أن صدور رد فعل من مجلس الأمن على التجاوزات الدموية للنظام السوري أصبح ممكنا. وأشارت المصادر إلى أن الوفود المترددة في مجلس الأمن لإصدار قرار إدانة بدت أكثر انفتاحا في الجلسة الطارئة، التي دعت ألمانيا إلى عقدها، لإرسال إشارة مشتركة في هذا الشأن. يذكر أن روسيا أبدت استعدادها لإصدار وثيقة مشتركة في مجلس الأمن بشأن سورية. ونقلت وسائل إعلام روسية، أول أمس، عن السفير الروسي لدى الأممالمتحدة، فيتالي تشوركين، في نيويورك القول: سنكون مرنين إذا كان ذلك عبارة عن وثيقة تفيد الشعب السوري». تجدر الإشارة إلى أن روسيا والصين، اللتين تتمتعان بحق النقض في مجلس الأمن، ترفض إصدار قرار من الأممالمتحدة بإدانة النظام السوري.