تخضع عملية الإشهار لنظام إعلامي خاص تشكله ثوابت ومتغيرات تحكم ضوابطها معطيات زمانية ومكانية مختلفة، وتختلف أساليب الدعاية فيها باختلاف موضوعات الإشهار ومواده ومن ثم كانت هذه العملية تتطلب تكوينا ثقافيا وإعلاميا يستمد مقوماته من علم الاجتماع والنفس، والاقتصاد، باعتبار أن الإشهار إنما هو في أغلب الحالات موجه لشريحة خاصة من المجتمع ذات مستوى اجتماعي أو اقتصادي معين. مع ضرورة مراعاة مستوى ودرجة مادة الإشهار في سلم حاجيات تلك الفئة من الناس. كل ذلك مقبول ومباح في زمن اعتبرت فيه الوسائل الدعائية أثمن عملة في سوق المزاد العلني، باعتبار أن أسلوب العرض هو الذي أصبح يتحكم في سوق المنتجات. ولكن الشيء الذي يثير السخرية ويبعث على الضحك، بل وقد يبعث على الحسرة والأسف فعلا هو ما تقوم به عندنا بعض شركات الإشهار والتي تشهرها بدورها تلفزتنا المحترمة وكل منها ينقص من قيمة الآخر بدرجات مختلفة، ولكنهما معا بقصد أو بغير قصد يعملان على تضليل هذا السديم البشري الهائل من المشاهدين الذي مازال. بل وسيظل في حالة تنطلي عليه لعبة "القط والفأر" إلى أن يفقد هويته ويتنكر لمبادئه التي نشأ عليها من ثقة وحياء وحسن مقصد... وذوق سليم في المأكل والمشرب... والإبصار و.. والإنصات... كل ذلك يأتي من تفاهة التقديم ونتانة التقويم. فنحن حينما نحاول تقويم تلك العمليات الإشهارية التي تقوم بها تلك الشركات وفق قواعد الإشهار السالفة الذكر، فإننا نجد الثوابت قائمة، كالسعي في مضاعفة الربح المعجل، وارتفاع مستوى الاستهلاك، وهذا شيء جائز في عرف الإشهار، وإن كان بالدرجة الأولى يخدم مصلحة المنتج. ولكن عندما ننظر إلى المتغيرات التي يجب أن تخضع لعدة عوامل واعتبارات، كاحترام القيم الأخلاقية للجمهور المشاهد وعدم غشه والكذب عليه في تركيب المنتوج وفائدته، فإننا نجد الاختلاف ظاهرا بين ما توصي به قواعد الإعلام السليمة في هذا المجال، وما يقدم لنا من إشهار. مما قد يحدث ضررا حتى بالنسبة للمنتج نفسه وذلك حين يعرض منتوجه بشكل ينفر منه، وبخاصة إذا كانت وسيلة العرض وطريقته يرفضها الجمهور جملة وتفصيلا! والأمثلة على ذلك كثيرة! وخلاصتها أن كل عروض الإشهار تقريبا تركز على عنصرين اثنين هما: عنصر الفرجة وقليلا ما تتحقق الفرجة قصد إثارة الانتباه، ثم عنصر آخر وهو البارز، ويتمثل في استغلال المرأة في المشاهد المثيرة حتى ولو لم تقم علاقة بين فعلها وبين مادة الإشهار. وكأن رجال هذه الأمة أطفال لعبتهم المفضلة هي المرأة، أليس في ذلك سخرية واستهزاء بالمرأة والرجل على السواء؟ أليس في ذلك فضح وتشهير بضعف مستوانا الفكري نحن المشاهدين ؟ إن الإجابة عن ذلك هنا ليست من اختصاص شركات الإشهار أو المنتخبين فقط ولكن بالدرجة الأولى هي من اختصاص المسؤولين عن مراقبة عروض الإشهار ومواده. إننا هنا لا ندعو إلى محاربة الإشهار، فهي موضة التجارة، بل وعرفها في كل عصر وكل مصر، ولكن ننكر على المسؤولين عن هذه العملية أن يعتبرونا نحن المشاهدين أقزاما خاضعين، أو عرائس بليدة ترقصها خيوط العنكبوت. امحمد الإدريسي