«بما أن الإبداعية في التواصل عبر الوسائط تعتبر أحد انشغالات المشهرين، فإن وكالات الإشهار تحولت الى فاعلين حقيقيين في الإشهار لتحقيق التواصل الشامل، أو التواصل «الجامع المانع». بنت الوكالات الاشهارية الكبرى حول الإشهار الابداعي، الخبرة في الوسائط وشراء الفضاءات الإشهارية، كوكبة من الفروع المتخصصة في التواصل والترويج». في هذا الاتجاه يسير الموضوع التالي من كتاب (1) يتحدث عن مختلف أنواع الوسائط والعوامل في علاقتها بالرواج المالي والتجاري داخل الإشهار. الإشهار رهان معارك الوسائط خلال الخمس سنوات الأخيرة تغير عالم الإشهار أكثر مما تغير في ربع القرن الماضي. حدث انقلاب تام في هذا المجال عن طريق العولمة والأنترنيت، حيث توجب على المجموعات المشتغلة في هذا القطاع أن تتطور بسرعة لكي تستمر حاضرة في سوق حيث الحجم والقوة الدولية كانا حاسمين. أصبح هاجس المعلن هو العودة في الاستثمار. إنه يريد بالتحديد مزيدا من القياس لفعالية رسائله الإشهارية. من ثم أصبح خاضعا أكثر للأنترنيت الذي يقدم أدوات جديدة قادرة على التقرب من المستهلك بطريقة مباشرة ومشخصنة. الإشهار رهان جميع المعارك القادمة في مجال الوسائط، الشرط الحاسم لحياة أو موت وسائط الصحافة المكتوبة كما السمعي البصري. في هذا السياق يجب أن نفك رموز العبارة البراغماتية التي قالها باتريك لولايْ الذي سُئل عن «التغيير» من بين عشرين مسؤولا عن المقاولات الكبرى. ماذا قال؟ «ثمة عدة طرائق للحديث عن التلفزيون، لكن في تصور منطقة المال، علينا أن نكون واقعيين. أساس قناة تلفزيونية ومهمتها، بل ومهنتها هي مساعدة شركة (س) مثلا على بيع منتوجها. بيد أنه لكي يكون الخطاب الإشهاري ملتقطا، يجب أن يكون دماغ المشاهد جاهزا وحاضرا». عندما تحدث الرجل بدون لغة خشب عن الوظيفة الاقتصادية للقناة التلفزيونية، لم يكن يشك أنه سيثير عاصفة من الاحتجاجات داخل مجموعة الصحفيين، سيما في الصحافة المكتوبة. ومرة أخرى لم يرد أن يرمي حجرا داخل البركة المائية بالكشف بصوت عال عما يفكر فيه المسؤولون عن الصحافة، عن الإذاعة وعن التلفزيون ويعبرون عنه بصوت خفيض. منذ مدة وأصحاب الوسائط يخطبون الود والوعود لدى المعلنين. هدفهم واضح: استمالة الإشهار والمحافظة عليه، الإشهار الذي هو البترول الحقيقي للوسائط. إنه بترول أصبح نادرا: فالمستثمرون الإشهاريون ماعادوا يسايرون التضخم. هذا في الوقت الذي دخل فيه بشكل متدفق طامعون آخرون في هذه المهنة: صحافة يومية بالمجان، أنتيرنيت، تلفزات موضوعاتية، إلخ. المنافسة جد شرسة، منذ الآن يتوجب على الوسائط أن تتواجه على جبهتين: ضد المجلات الجديدة، المقلدة للوصفات الرائجة، ضد الوسيطة الثورية، الأنتيرنيت، الذي يسعى الى احتلال مكان الصحافة المكتوبة، الاذاعة وحتى التلفزيون للجيل البالغ أقل من ثلاثين عاما من عمره، فالمدراء ورؤساء الإشهار في الوكالات المكلفة ببيع حيز تجاري في العناوين الصادرة، في المحطات أو القنوات يطاردون المعلنين والوكالات طوال السنة، وهذا من أجل إقناعهم بجودة وقيمة بثهم، بأهمية نسبة الإقبال أو بخصوصية الوسيطة الإعلامية التي يشرفون عليها لدى الإطار، لدى ربة البيت، الكبار ذوي إمكانية اقتصادية قوية. ثلاثة محركات للإشهار الإغراء عام في جميع الوسائط، من القنوات التلفزيونية الكبرى، الى الصحافة المكتوبة، الى المحطات الاذاعية، الجميع يجامل ويخطب ود المعلنين والمشهرين. كل الطرق لإغراء الزبون واردة، هذا الزبون الذي تعود هؤلاء على معرفة ذوقه، مغريات كثيرة: دعوات للسفر والرحلات، حضور العرض ما قبل الأول للأفلام، تذاكر للدخول الى الأوبيرا، غير أنه لا يوجد أي مدير للإشهار وإن كان موهوبا في مجال عمله بمنأى عن انحسار وتراجع المداخيل الإشهارية في الجهاز الإعلامي الذي يدافع عنه، لا أحد بإمكانه استباق نتائجه المالية قبل نهاية الأثلوث. بل إن قوة وسيطة كبرى لا تكفي لضمان مباشر وتلقائي لمداخيلها. يقول أحد المسؤولين عن مجموعة إشهارية كبرى فرنسية هافاس : «كان الإشهار يشتغل وفق ثلاثة محركات: المحرك الأول يتغذى ويتزود من التعويضات الممنوحة عن العمل التصوري المنجز عن المنتوج الخاص بالمعلن. المحرك الثاني بواسطة حقوق المؤلف التي تقدم تعويضا عن الإبداع الاشهاري. المحرك الثالث عن الاستشارة في توظيف الإشهار المنجز داخل الوسائط. المحرك الرابع، شراء الفضاءات الإشهارية، التي تحصل على تعويض بواسطة نسبة مائوية عن المشتريات. ثم جاء قانون قانون سابان، باسم الوزير الذي وضعه ليغير سير المحرك الرابع. حتى هذا الوقت كان المعلنون يشترون الفضاء الإشهاري من الوكالات ومركزيات الشراء. كانت هذه الأخيرة تتفاوض وفق تسعيرة أقل بالطبع من التسعيرة التي كان يقدمها لها المعلنون. لا يمكن إذن إنكار أنه كان هناك غياب للشفافية». لكي تنجح يجب أن تركز المقاولات الكبرى في نفس الآن على منتوجاتها الأساسية والتقليص من التكاليف من أجل الصمود في وجه المنافسة. وهذا ليس فقط بالبحث عن تخفيض التكاليف المتعلقة بالصنع عن طريق خلق مصانع داخل بلدان أقل تطورا، ذات اليد العاملة المرنة، بل كذلك بهيكلة الوظائف الاستراتيجية. بمعنى أن ميزانيات الماركوتينغ، التواصل، وبالتالي الإشهار، كل هذه العناصر دخلت عالم العولمة، ولاقتفاء أثر زبنائها، دخلت الوكالات الكبرى مرحلة التدويل: يقول أحد المسؤولين: «ليست هناك مهنة تعولمت أكثر مما تعولم الاشهار». إذا كان الزبون الإشهاري يشتري الأفكار من أجل بناء علامته التجارية، فإنه كذلك يبحث عن أفضل استراتيجية ممكنة، تلك التي ستجعل الزبناء أوفياء لعلامته. فمن بين الوكالات الإشهارية الكبرى تختار المقاولة «الزبونة» تلك التي تتوفر على ميزتين: الإبداعية الاستراتيجية، إبداعية الوسيطة الإعلامية وقبل الاستثمار في الوسيطة التي تبيع فضاءها، يكون من الضروري معرفتها جيدا، إنه عمل الخبراء المتتبعون لمسارات مختلف الوسائط. واليوم لا يتم التفكير من خلال العوامل، الوسائط، بل من خلال الاستهداف، والمستهدفون هم مختلف فئات الساكنة عادات، قدرة شرائية وفئات عمرية. المشهر بحاجة الى صحفه الوطنية. فهو بذلك يضمن تأثيرا لدى الزبناء. بالنسبة للإذاعات والتلفزيونات الخاصة يكون الإشهار هو المصدر الوحيد لمصادر مالية. فبفضله يشاهد المتفرج برامجها بالمجان ويستمع مجانا الى برامج الإذاعة. وبهذه الطريقة كذلك، أي بفضل الإشهار، برزت صحف بالمجان وأنترنيت وازدهرت ماليتهما. على أن استهلاك الإشهار مرتبط بالصحة الجيدة والسيئة للاقتصاد الوطني والعالمي. وإذا كانت الوسائط الجديدة الأنتيرنيت، القنوات التلفزيونية الموضوعاتية، الاذاعات الموسيقية قد وجدت لها مكانا داخل سوق الإشهار، فإن لم تشكل بعد خطرا على الوسائط التاريخية. فالخطر هو ما يتم خارج الوسائط، حيث أن الإشهار يقتفي آثار المستهلك حينما هو موجود. راجلا، داخل السيارة، راكبا النقل العمومي، في المنزل، في المراكز التجارية، في مكان العمل والترفيه عن طريق المكالمات الهاتفية، بواسطة منشورات يجدها في صندوق الرسائل، اللوحات الإشهارية الكبرى في الشوارع، في السينما قبل عرض الفيلم، على البريد الإلكتروني. «تمثل الوسائط مستقبل العلامات التجارية»، هذه هي خلاصة كبريات الوكالات الإشهارية. لكن على أساس أن يساير سيد هذه اللعبة المستهلك تلك الحملات ويجد فيها ضالته وما يغريه. هامش: (1) كتابMédiabusiness" le nouvel eldorado لمؤلفيه دانييل اغراني، كاتورين لامور، 417 صفحة.