ثمة مخاض ديموقراطي واعد وحاد في سوريا بلغ أوجه هذا الأسبوع، ويمثل رسالة لكل الذين رأوا في الربيع العربي الديموقراطي مجرد موجة عابرة يمكن احتواؤها أو تصفيتها باستعمال القوة وعدم التردد في اللجوء إلى أشد صنوفها ضراوة وشراسة، كما يمثل رسالة أخرى تحمل تقديرا لمن سعوا لأخذ الدرس قبل فوات الأوان، وانتبهوا إلى مرحلة الاستبداد والسلطوية التي هيمنت على المنطقة العربية في عالم ما بعد الاستقلال قد حلت نهايتها، دون أن يعني ذلك اتضاح مسيرة البديل. لقد فاقت جرائم نظام دمشق في حق الشعب السوري كل التوقعات وكلما استمر في حربه ضد المدن والقرى كلما سرع من نهايته وأنهى كل تعاطف يرتكز على وقوفه إلى جانب المقاومة الفلسطينية ورفضه المقدر للسياسات الأميركية والصهيونية في الشرق الأوسط، والأخطر هو أن ذلك يقضي على أي احتمال للتسوية والتفاهم من أجل إنهاء الاستبداد ويترك المجال لخيار وحيد هو الرحيل والمحاكمة على الجرائم المرتكبة. لم نكن نتمنى مثل هذا المآل للنظام السوري، لكن ما حصل من إعادة استنساخ دموي لجريمة حماة قبل حوالي ثلاثين سنة، دل على غباء واضح لنظام البلد الذي أخرج مبدع «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» عبد الرحمن الكواكبي، لنرى في القرن الواحد والعشرين نموذجا لمصرع نظام طغى وأجرم في حق شعبه، إلا أن المؤلم أكثر هو أن ذلك يتم في هذا القرن حيث أصبحت آليات سرقة ثورات الشعوب متاحة للقوى العظمى وبعد أن كشفت تجارب ثورات الربيع الديموقراطي المخاطر الكبرى لذلك، ليقدم نظام دمشق نموذجا تخر في ذلك بما يقوم به من جرائم دفعت دولا غربية كفرنسا لبدء مسلسل الضغط الدولي والذي أنتج ما نراه حاليا في ليبيا رغم الفارق بين البلدين. إن ما يقع للشعب السوري يعنينا شعبا وبلدا، ولا يمكن السكوت أو التغاضي عنه، والمطلوب موقف مسؤول من كافة القوى الوطنية والإسلامية، تحذر نظام دمشق من مساره الدموي الذي لن يخدم في نهاية المطاف سوى تقديم سوريا للتدخل الأجنبي المرفوض، أما تجاهل ما يقع في سوريا فلا يشرف أحدا ويمثل سبة لكل من له ضمير حر يؤمن حقا بالكرامة الإنسانية، ويتردد اليوم في التعاطف والتضامن الحقيقي من الشعب السوري الأعزل.