كشف أعضاء في لجنة المنوني عن حقائق تاريخية مهمة تهم تهافت مزاعم بعض العلمانيين في قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان. وتطابقت تصريحات كل من محمد الطوزي و أمينة بوعياش في تأكيد ثلاثة أمور رئيسية. تتعلق الأولى بكون مسودة الدستور التي أعدتها لجنة المنوني قد عدلتها لجنة الآلية السياسية التي يرأسها المعتصم. وتتعلق الثانية بكون التعديل المذكور تعلق بقضايا تهم هوية الدولة. وتتعلق الثالثة بكون التعديل تم تحت ضغط حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية. وبناء على هذه المعطيات خاض علمانيون حملة إعلامية ضد التنظيمين، الحركة والحزب، وحملوهم مسؤولية ما أسموه «التراجع» عن المشروع الحداثي وتفويت الفرصة على المغرب لبناء دولة مدنية حديثة. وقبل الانتقال إلى تسجيل الملاحظات على السجال الإعلامي وخلفياته السياسية، لا بد من التأكيد على أن ما قام به الحزب والحركة يدخل ضمن الدور الطبيعي للأحزاب وهيئات المجتمع المدني في مثل هذه المحطات. وهي نفس الملاحظة التي أكدها عضوا لجنة المنوني كل بطريقته، حيث أكد الطوزي في تصريح صحافي مقتضب للأحداث المغربية على «ضعف رد القوى التقدمية والحداثية التي كان يفترض أن تضغط لفرض عدم التراجع عن تلك المطالب» مضيفا أن « الصيغة الحالية للدستور هي نتاج علاقات القوة بين الفاعلين السياسيين». و بالنسبة لأمينة بوعياش فقد عبرت عن تفاجئها، في حوارها مع أخبار اليوم المغربية، لغياب ردود فعل قوية على مواقف حزب العدالة والتنمية من موضوع الهوية، وأقرت بأن هذا التعاطي أثبت بأن «التفكير السياسي حول الاختيار المجتمعي ليس واضحا لدى الفاعلين السياسيين المغاربة. ما قام به التنظيمين إذن أمر مشروع ومفروض في إطار التدافع السياسي، لكنه بمنطق العلمانيين المغاربة «حلال وفرض عين» على القوى العلمانية وحرام على غيرها. وهي مفارقة لها دلالة سياسية سوف نحاول مقاربتها. ومثل هذه المفارقات تفسر من بين ما تفسر به، بكونها ليست سوى محاولة لتحويل الأنظار عن ما يمكن تسميته ب «فضيحة سياسية» جديدة للعلمانيين، حيث أثاروا غبارا إعلاميا للتغطية عن حقيقة كونهم أبانوا من جديد عن أنهم ليسو ديمقراطيين. ويمكن مقاربة سلوك هؤلاء العلمانيين المفارق وتحديد طبيعة «الفضيحة السياسية» لهؤلاء من خلال عدة زوايا نجمل أهمها في الآتي: «انقلابيون بيض»: كشف الجدل الإعلامي والسياسي الذي اندلع قبيل إعلان الملك عن مشروع الدستور عن وقوع ما يمكن تسميته محاولة انقلاب أبيض في لجنة المنوني، حيث تجاوزت اللجنة الإطار الذي رسمه لها الملك وارتضته الطبقة السياسية الممثلة للأمة، رغم الانتقادات الموجهة لتركيبة اللجنة وتم تجاوزها استحضارا لدورها التقني ولكون مجال اشتغالها محدد بوضوح، لكن اللجنة خاضت في قضايا لا يمكن الاشتغال عليها إلا في إطار مجلس تأسيسي منتخب أو متوافق عليه يمثل الأمة. ومن بين هذه القضايا إسلامية الدولة. وهذا الانقلاب يكشف عن إخلال بالثقة في أكثر من مستوى، كما يكشف عن ضعف في الكفاءة المهنية في عرف عمل مثل تلك اللجان والذي يلزمها باحترام «دفتر التحملات» الذي حدده لها الخطاب الملكي. فالتنظيمين المستهدفين بحملة العلمانيين إنما كشفا ذلك الانقلاب وحذرا من نتائجه. «دموقراطيون بالشفوي»: الانقلاب الأبيض في لجنة المنوني الذي فضحته التسريبات ونبهت إلى خطورته مواقف التنظيمين، الحركة والحزب، وأبطلت مفعوله لجنة الآلية السياسية برئاسة المعتصم، يعيد للتاريخ خطيئة خطة الوزير السعدي الفتنوية سنة 2000. لقد ضبط هؤلاء في حالة شرود سياسي خطير حاول الاستفراد بوضع دستور جديد للمغرب في غياب تمثيل للشعب المغربي ولا تفويض منه، تماما كما حاولت حكومة اليوسفي والسعدي تهريب ما أسمته «خطة إدماج المرأة في التنمية» من النقاش العمومي بل ومن المناقشة في البرلمان ! وهذا السلوك لا يمت بصلة إلى الديمقراطية وقيمها. ولم يكتف هؤلاء باستيعاب درس التعديل المنتقد وكونهم لم يكونوا ديمقراطيين في لحظة جد حساسة من تاريخ المغرب وفي أخطر ملف سياسي في البلد، وأخذتهم العزة بالإثم فدافعوا على خطيئتهم في وسائل الإعلام المختلفة واعتبروا فعلتهم تلك إنجازا عظيما غير مسبوق! لماذا لا يحاكم سلوك هؤلاء إلى القيم الديمقراطية ومقتضياتها العملية؟ ولماذا لم تثر مقولة «المنهجية الديمقراطية» في مناقشة ذلك السلوك؟ هل نحن بالفعل بصدد ديمقراطيين أم ميكيافليين من الطراز الأول؟ «جبناء»: يحتاج سلوك هؤلاء العلمانيين إلى وقفة تأمل كبيرة، فهؤلاء كانوا على علم بوجود لجنة المعتصم كآلية سياسية مهمتها توفير شرط التوافق على مشروع الدستور مع ممثلي الشعب من أحزاب ونقابات. وقبل أعضاء لجنة المنوني العمل حتى النهاية في ظل عمل تلك الآلية، و ما احتجت عليه الحركة والحزب وراجعته لجنة المعتصم نص عليه الخطاب الملكي للتاسع من مارس بوضوح لا يقبل التأويل. ورغم كل هذا، وبذل أن يتحلى هؤلاء بالشجاعة السياسية فيرفضوا عضوية تلك اللجنة مند الأول أو ينسحبوا منها في منتصف الطريق ويتوجهوا بالنقد إلى الآلية السياسية ومن خلفها، ... ، وجهوا سهامهم نحو حزب وحركة قاما بعملهم الطبيعي وفق مرجعيتهما أدبياتهما!. « لا يستحيون»: لقد آخذ هؤلاء على الحركة والحزب فضحهم لمؤامرة 2011 العلمانية في السلوك الديمقراطي كما فضحا مؤامرة 2000، وبدل تقديم نقد ذاتي واعتذار سياسي للشعب المغربي أو الصمت في خجل، أطلقوا جعجعة سياسية وإعلامية مضللة تعلق وزر فشل مؤامرتهم المكشوفة على مسجاب التنظيمين. إن دوافع الحملة الإعلامية المضللة بعيدة كل البعد عن الدفاع عن القيم الديمقراطية، وتأتي في سياق سياسي أدركوا من خلاله أن التنظيمين سجلا نقطا سياسية، ودفعتهم الحزبية الضيقة إلى محاولة «قلب» الموضوع عليهما كما يقال، بحثا عن تعويض سياسي عن هزيمتهم المدوية. ما ذا ينتقد هؤلاء؟ لقد قبل منتقدوا عمل لجنة الآلية السياسية التصحيحي، أن يعملوا وفق المنطق المخزني السابق الذي ظلوا ينتقدوه طيلة أزيد من أربعة عقود في وضع الدساتير و التي كانت توصف على الدوام بأنها ممنوحة، وقبلوا أن يكونوا ضمن لجنة، أصبحت بما أعطوها هم من صلاحيات واسعة لم تعط لها أصلا، لا تمثل الشعب بل لا تمثل سوى تيار واحد هو التيار العلماني، فقبلوا الانفراد بما لا يحق لأي هيئة غير المجلس التأسيسي القيام به، ومقابل هذا رفضوا جميع الانتقادات، بل ركب متكلموا العلمانيين رؤوسهم وأذاعوا أنهم صدموا لما فشل مسعاهم غير الديمقراطي... الملاحظات السابقة تؤكد أن الحملة الإعلامية ضد الحركة والحزب حملة سياسية لها هدفان أساسيان الأول تسويق سلوك العلمانيين غيرر الديموقراطي على أنه إنتاج جبار في الديمقراطية المغربية والثاني تحويل الأنظار عن وجهه الآخر الغارق في الميكيافلية البئيسة. ويفرض السؤال التقليدي نفسه من جديد: هل يمكن التوسل إلى الديمقراطية بأساليب غير ديمقراطية؟ وهل تكريس ثقافة «طاحت الصمعة علقوا الحجام» يفيد في بناء مغرب القيم الديموقراطية وحقوق الانسان؟