تجددت الاشتباكات منذ الساعات الأولى لصباح أمس بين المسلحين المناصرين للشيخ صادق الأحمر زعيم قبائل حاشد النافذة في اليمن، والقوات الحكومية الموالية للرئيس اليمني علي عبد الله صالح في العاصمة صنعاء، لتنتهي بذلك هدنة بين الجانبين لم تدم طويلة. فيما تستعد المعارضة اليمنية ومنظمات حقوقية لملاحقة ''صالح'' وبعض أركان نظامه قضائيا أمام محكمة الجنايات الدولية، في الوقت الذي تدرس فيه جامعة الدول العربية تجميد عضوية اليمن واتخاذ قرارات ضد نظام ''صالح'' والتمهيد لاعتراف الجامعة بمجلس انتقالي يمني. وذكر موقع ''مأرب برس'' الإخباري على شبكة الانترنت أن منطقة الحصبة بصنعاء والمناطق المحيطة بها تحولت إلى ساحة لمعارك عنيفة استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة. وأوضح الموقع أن عشرات الانفجارات العنيفة هزت العاصمة صنعاء منتصف ليل أول أمس. ونقل الموقع عن مكتب الشيخ الأحمر قوله إن قوات صالح أنهت الهدنة وباشرت الهجوم على منزل الشيخ الأحمر بمختلف أنواع الأسلحة، حيث تعرض منزل الشيخ الأحمر لقصف مدفعي مكثف فيما تجري الاشتباكات بين مقاتلي حاشد وقوات صالح في محيط المنزل من جميع الجهات. وأعلن أتباع الشيخ الأحمر عن استعادتهم لمقر وزارة الإدارة المحلية الذي كانوا قد أعادوه إلى لجنة الوساطة، كما قاموا بالاستيلاء على مقر مصلحة المساحة واستولوا على كل ما فيها من أسلحة وذخائر، فيما استسلم كل من كان فيه من المقاتلين التابعين للرئيس صالح خلال هذه الاشتباكات. وكانت مظاهر التأهب العسكري قد سيطرت على العاصمة اليمنية صنعاء، حيث عززت كل من القوات الموالية للرئيس اليمني والمنشقة مواقعها. وارتكبت قوات تابعة لعلي صالح، الذي يعيش حالة ارتباك غير مسبوقة بعد اشتداد الخناق عليه من جميع الجهات، وبلاطجة مجزرة في تعز حيث سقط 57 قتيلاً من المعتصمين في ساحة الحرية، وأصيب 1000 آخرون بالرصاص الحي والغازات السامة. وقررت ساحات الاعتصام في 17 محافظة تصعيد الفعاليات الاحتجاجية السلمية إلى الحد الاقصى إيذانا ببدء المرحلة الأخيرة والحاسمة لإسقاط النظام وإجبار رئيسه على التنحي. تنديد بمجزرة ''صالح'' وأثار الاعتداء الذي تعرضت له ساحة الحرية في محافظة تعز، مساء الأحد الماضي إلى الآن، ردود أفعال غاضبة في داخل اليمن وخارجه، استنكارا لما اقترفته قوات الأمن المركزي والحرس الجمهوري التابعين للرئيس اليمني، من اقتحام للساحة وإحراق لخيام المعتصمين، عقب مجزرة دموية راح ضحيتها العشرات من الشهداء ومئات الجرحى والمصابين، من المعتصمين المطالبين بإسقاط النظام. واتهمت المعارضة في اللقاء المشترك النظام ورئيسه بارتكاب جرائم حرب لن تسقط بالتقادم. وناشدت أحزاب اللقاء المشترك المعارضة ''الأشقاء والأصدقاء والمجتمع الدولي ومجلس الأمن باتخاذ قرارات ومواقف حاسمة تحمي أبناء اليمن من هستيريا علي صالح وإيقاف نزيف الدم وإحباط مخططات صالح الرامية لإحداث فوضى عارمة وإشعال الفتن والحروب التي بدأ تنفيذها في محافظة أبين ومناطق نهم والحيمة وارحب والحصبة بالعاصمة صنعاء''. واتهمت المعارضة في بيان صادر عنها، نشره موقع ''مأرب برس''، علي صالح وما تبقى له من قوات عسكرية وأمنية ومليشيات مسلحة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية من خلال استهدافها شباب الثورة الشعبية السلمية في ساحات التغيير وميادين الحرية والآمنين من النساء والأطفال والشيوخ في منازلهم وقراهم. بدورها، أدانت سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية بصنعاء الهجوم على المتظاهرين سلمياً في مدينة تعز، ووصفته ب''غير المبرر''. وشددت السفارة، في بلاغ صحفي نشر على موقعها الإلكتروني، على دعوة الرئيس أوباما الأخيرة للرئيس صالح ''لتنفيذ التزامه بنقل السلطة فوراً ''. وأكدت أن السبيل للمضي قدماً ''لا يأتي من خلال العنف''. وقالت ''ينبغي على الأطراف العمل معاً ومع الشباب، الذين يمثلون مستقبل اليمن، لبناء دولة أكثر سلماً وازدهاراً وأمناً''. وأشادت السفارة بالشباب المتظاهرين ''الذين أظهروا العزيمة وضبط النفس وأوصلوا وجهات نظرهم عبر الطرق السلمية''. تهديد بملاحقة ''صالح'' وحمل بيان أحزاب اللقاء المشترك علي صالح شخصياً مسؤولية جرائمه المستمرة ضد أبناء الشعب، والتي كان آخرها ارتكاب مجزرة بحق المعتصمين السلميين العزل في ساحة الحرية بتعز التي ذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى. وأكدت أحزاب اللقاء المشترك أن هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم ويتم رصدها وتوثيقها ولن يفلت من الملاحقة القضائية وعقاب العدالة مرتكبيها ومن دعمهم بالمال والسلاح. وقال القيادي في المعارضة محمد عبد الملك المتوكل إن رفع الحصانة عن صالح وملاحقته أمام القضاء الدولي أصبح مطلبا ملحا للمعارضة وللشباب الثائر في الساحات. وأكد موت المبادرة الخليجية بشكل قاطع خاصة بعد المجازر التي ارتكبها نظام صالح في ساحة الحرية بمدينة تعز وراح ضحيتها أكثر من 50 شهيدا وألف جريح. في السياق ذاته، كشف مسؤول وحدة الرصد بالمنظمة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات (هود) عبد الرحمن برمان، عن تحريك ملف اتهام عاجل ضد الرئيس اليمني وأركان حكمه يتضمن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وقال برمان في حديث ل''الجزيرة نت''، إن عشر منظمات حقوقية يمنية منها ''هود'' و''سجين'' و''منتدى الشقائق'' و''الشبكة اليمنية لحقوق الإنسان'' و''المرصد اليمني لحقوق الإنسان''، شرعت منذ يومين في التواصل الجدي مع المقرر الخاص للقتل خارج إطار القانون في الأممالمتحدة تمهيدا للتسريع بإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأكد برمان أن جميع الجرائم التي ارتكبها النظام تم توثيقها بالفيديو إلى جانب الآلاف من شهود العيان من مدنيين وعسكريين. وأشار إلى أن الخروقات ازدادت بضراوة خلال الأيام الماضية حيث قصفت قوات صالح المدنيين العزل في قرى أرحب ونهم والحيمتين وزنجبار وآخرها جريمة ساحة الحرية بمدينة تعز. ويرى الناشط الحقوقي أنه ''أصبح من المحتم إيجاد آليات دولية لإيقاف هذه المجازر طالما القضاء اليمني مجمد في الوقت الراهن''. وأضاف أن المحكمة الجنائية الدولية هي الجهة الأوثق لملاحقة صالح، مؤكدا أن الملاحقات ستشمل المئات من أعوانه. وفي شأن أرصدة صالح، أوضح برمان أن لجنة قانونية تم تشكيلها في ساحة التغيير في صنعاء مؤخرا لمتابعة أرصدة صالح وأركان حكمه وبدأت تمارس عملها، مشيرا إلى انضمام منظمات عالمية في أوروبا تعمل حاليا باجتهاد على تتبع ثروة صالح والكشف عنها وكذلك أرصدة جميع المسؤولين اليمنيين. سعي لضغط عربي من جهة ثانية، ذكرت ''الجزيرة نت''، أن شيوخ قبائل وعددا من أقطاب المعارضة اليمنية فتحوا قنوات اتصالات مستمرة مع عواصم عربية وخليجية. وتهدف الاتصالات إلى إقناع هذه الدول بضرورة تنحي الرئيس اليمني عن منصبه بدون منحه أي ضمانات بعدم ملاحقته مع أعمدة حكمه البالغ عددهم 560 شخصية مدنية وعسكرية (كما نصت على ذلك المبادرة الخليجية في نسختها الخامسة). ولم تقف ردود الفعل على هذه المجزرة عند هذا الحد، فقد بدأ مجموعة من الدبلوماسيين والبرلمانيين والأكاديميين والسياسيين اليمنيين في جمهورية مصر العربية تحركات تهدف إلى حشد موقف عربي مساند للشعب اليمني، الذي يتعرض لعملية إبادة جماعية ووحشية من قبل نظام صالح. وفي إطار هذه التحركات، التقى وفد الشخصيات الدبلوماسية والبرلمانية والسياسية اليمنية الموجودة في جمهورية مصر العربية، صباح أول مس، عددا من المسؤولين في جامعة الدول العربية، وقاموا بإيصال رسالة باسم الشعب اليمني إلى الأمانة العامة للجامعة العربية، حثوها فيها باتخاذ موقف مساند للثورة اليمنية، وطالبوها باتخاذ موقف جاد وحازم تجاه نظام صالح، الذي أمعن في قتل شعبه، وصعد من جرائمه ضد شباب الثورة السلمية، وحاول جر البلاد إلى حرب أهلية. وقد كان تجاوب جامعة الدول العربية مع مطالب الوفد اليمني، الذي زارها إيجابيا، حيث تمكن الوفد من الحصول على وعد من قبل مسؤولي الجامعة العربية بتدارس الموضوع في القريب العاجل، تمهيدا لاتخاذ مواقف حازمة تجاه نظام صالح. وأوضح رئيس الجالية اليمنية في جمهورية مصر العربية، إبراهيم الجهمي ل''مأرب برس'' بأن الوفد الذي زار جامعة الدول العربية يضم عددا من الشخصيات البرلمانية والسياسية والأكاديمية. وقال الجهمي بأن الوفد التقى بكبار مسؤولي الجامعة العربية، وطالبهم باتخاذ موقف من قبل الجامعة تجاه ما يجري في اليمن، على غرار الموقف الذي اتخذ مما حصل في ليبيا، وانتقد خلال نقاشاته معهم سياسة الكيل بمكيالين من قبل جامعة الدول العربية. وأضاف الجهمي بأن مسؤولي الجامعة العربية الذين التقوا بالوفد اليمني، طرحوا اقتراحا بإعادة تفعيل المبادرة الخليجية، غير أن أعضاء الوفد اليمني، رفضوا ذلك، وأكدوا بأن هذه المبادرة قد تنصل منها صالح، وقالوا بأنها لا تنفع مع نظامه الدموي، وهو الأمر الذي دفع مسؤولي الجامعة العربية إلى التساؤل عن الحلول التي يمكن أن تتخذها الجامعة إزاء ما يجري في اليمن، فقام الوفد اليمني بتقديم قائمة بعدد من المطالب التي يمكن أن تتبناها الجامعة العربية، خلال المرحلة القادمة. وأوضح الجهمي بأن المطالب التي طرحها الوفد اليمني على مسؤولي الجامعة العربية تتضمن الدعوة إلى اجتماع طارئ لجميع أعضائها، وأن تتخذ في هذا الاجتماع قرارا بتجميد عضوية اليمن في الجامعة، بالإضافة إلى اتخاذ قرار بوقف بث القنوات الفضائية اليمنية الرسمية، وعلى رأسها قنوات اليمن الأولى، وقناة سبأ، وقناة الإيمان، التي تقوم بالتضليل، وتزييف حقيقة ما يجري في اليمن من جرائم. كما أوضح الوفد اليمني لمسؤولي الجامعة العربية بأن الثوار في اليمن بصدد الإعلان عن مجلس انتقالي، وطلبوا من الجامعة العربية أن تعترف بهذا المجلس، تمهيدا لاعتراف المجتمع الدولي بشرعيته، ورفع الغطاء عن نظام صالح الفاقد للشرعية. وفي ضوء هذه المطالب، من المتوقع أن تعقد جامعة الدول العربية اجتماعا لتدارس الوضع في اليمن، وتقوم بالرد على المطالب التي تقدم بها الوفد اليمني، وذلك تمهيدا لاتخاذ قرارات حازمة إزاء الجرائم التي يرتكبها نظام صالح بحق الشعب اليمني.