ثلاثة دروس للشعوب والحكام العرب من أحداث فنزويلا قبل عدة شهور تابعت في إحدى القنوات السعودية زيارة للرئيس الفنزويلي هوجو شافيز للمملكة العربية السعودية وكذا مراسيم الاستقبال الحار الذي أحاط به السعوديون الرئيس الفنزويلي. وما كان مثيرا حقا هو درجة اندماج شافيز بمراسيم الاحتفال وبالأهازيج والرقصات الشعبية التي أحاطت بتلك الزيارة واندماجه التلقائي عند زيارته لبعض محترفات الصناعة التقليدية، وحواراته التلقائية مع العمال البسطاء. وبعد ذلك رأيت الرئيس شافيز في زيارة للعراق ثم تناقلت الأنباء أيضا انتقاداته اللاذعة للحرب الأمريكية القذرة في أفغانستان واعتباره إياها إرهابا أمريكيا في مواجهة ما تسميه الإدارة الأمريكية بالإرهاب مستدلا على ذلك بصور لضحايا من الأطفال الأفغان. توجهات شافيز المعادية للسياسات الخارجية الأمريكية والمتعاطفة مع القضايا العربية وتقاربه مع الدول التي تعتبرها الولاياتالمتحدة في معسكر الشر مثل العراق وإيران، ومع دول أخرى تكن لها الولاياتالمتحدة عداء تاريخيا مثل كوبا والعراق فضلا عن كون فنزويلا هي صاحبة أكبر احتياطي نفطي خارج المنطقة العربية وكونها أحد الممونين الرئيسيين للولايات المتحدة بالنفط (مليون ونصف برميل يوميا)، كل ذلك يفسر إسراع أمريكا إلى إعلان بشاشتها للانقلاب العسكري الذي عرفته فنزويلا نهاية الأسبوع الماضي، إن لم تكن متورطة فيه من خلال مخابراتها وعملائها في الجيش الفنزويلي كما عودتنا على ذلك في تعاملها مع الأنظمة التي تصنفها في خانة التهديد لمصالحها. غير أن الانقلاب العسكري في فنزويلا قد كان مآله الفشل بسرعة، إذ تناوب على فنزويلا في مدة 48 ساعة ثلاثة رؤساءا والسر في ذلك أن الانقلابيين لم يجدوا لانقلابهم شرعية لا في الشارع الفنزويلي بالرغم من نزول مظاهرات مساندة للانقلاب، ولا في العسكر، إذ سرعان ما نزل الشارع الفنزويلي في مظاهرات مضادة صاخبة منددا بالانقلابيين وسرعان ما ظهرت حركة عصيان عسكري تطالب برجوع الرئيس المخلوع لم يجد معها الانقلابيون الذين جاءوا محمولين على أسنة ورماح الجيش من أن يعلنوا إذعانهم وانسحابهم. ووجهت العودة المظفرة لشافيز ضربة جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية الخرقاء تضاف إلى نكساتها المتلاحقة في الآونة الأخيرة والمتمثلة في معارضة المجتمع الدولي لأي سعي لضرب العراق وإدانته للحملة الإرهابية الأمريكية الصهيونية، وحرب الإبادة التي يشترك فيها كل من كولين باول ديبلوماسيا وسياسيا والسفاح شارون عسكريا. أحداث فنزويلا فيها دروس عدة منها أن الشعوب ليست فقط للخروج من أجل الثورة على الحكام والعصيان المدني عليهم بل هي مستعدة أيضا من أجل إجهاض المؤامرات بشرط أن يكونوا منحازين للشعوب وللمصالح الوطنية. والدرس الثاني أن العملاء والخونة والطوابير الخامسة لا يمكن أن ينجح سعيها وتآمرها إذا وجد في المؤسسات العسكرية والمدنية وطنيون مخلصون مستعدون لحمايتها. والدرس الثالث أن أمريكا رغم جبروتها ومخابراتها وعملائها ليست "إلاها" نافذا أمره في الكبيرة والصغيرة، وإنما هي قابلة لكي تنهزم وتندحر ويخيب سعيها أمام إرادة الشعوب. محمد يتيم