لم تتردد جهات متعددة ومعها مجموعة من الافتتاحيات في التعبير عن المعارضة الحادة للموقف المسؤول الذي عبرت عنه افتتاحية «التجديد» يوم الأربعاء 18 ماي 2011 بخصوص أحداث سجن الزاكي بسلا، إذ دعت الافتتاحية إلى مقاربة شمولية لملف السلفية تأخذ الدرس من أحداث سلا وتتقدم للقطع مع سياسة التردد والتقسيط، وتنخرط في سياسة الحوار لطي صفحة التفجيرات الإرهابية ل 16 ماي ومواصلة العفو عن المعتقلين من غير المتورطين في جرائم الدم، ليشكل ذلك عنوانا جديدا لتقوية بناء الثقة في مسار الإصلاح الديموقراطي. لقد كانت الافتتاحية واضحة، إلا أن القراءات التي قدمت لها سقطت في الانتقائية المنتجة للخلط، هذا الأخير الذي يخدم التشويش على الثقة المطلوبة بين القوى المسؤولة في الدولة والمجتمع من أجل التقدم بمسيرة التحول الديموقراطي، ومن ذلك ما ورد في افتتاحية يومية أجوردوي لوماروك، التي سنكتفي اليوم بمناقشتها، وذلك في ثلاث نقط مفصلية: الأولى، عندما قالت بأن «التجديد» دعت إلى العفو عن كل المعتقلين، وهذا غير صحيح كلية باعتبار التنصيص الواضح في افتتاحية «التجديد» على استثناء المتورطين في جرائم دم، وهو استثناء واضح، ولايمنح صك براءة للجميع، ويجعل من المعايير التي اعتمدت في عملية عفو 14 أبريل الماضي سارية عليهم. والثانية بتساؤلها الاستنكاري عن أطراف عملية الثقة التي دعت إليها «التجديد»، وتشكيكها غير المعلن في علاقة التقدم بحل مخلفات ما بعد تفجيرات 16 ماي بالتقدم الديموقراطي، وهو استنكار غريب وغير مفهوم لأن الثقة وكما هو معروف في مختلف تجارب الانتقال الديموقراطي شرط لازم للنجاح، وأنها كهدف حكمت الحوار الذي تم بعد احتجاجات سجن سلا في فبراير الماضي وبعدها الاتصالات التي حصلت بين المسؤولين ورموز المعتقلين بعد التفجير الإرهابي لأركانة، وكان من ثمارها ما رأينا من مواقف قوية في إدانة الإرهاب من قبلهم والتي نشرت في عدد من الصحف ومن بينها يومية "أجوردوي لومارك"، ثم حصول الانخراط الجماعي والواسع لنسبة معتبرة من المعتقلين سواء منهم السابقون وعددهم يقارب الألف أو الحاليون في دينامية العمل السلمي والمدني الديموقراطي، مما يعني أن المغرب أخذ يربح إلى جانبه قوة جديدة في مكافحة خطر الإرهاب، وأن السعي لتحقيق الثقة أخذ يثبت فعاليته على الأرض، وخاصة بعد أن اتخذ هذا الأخير صيغة الإرهاب الفردي صعب الضبط أو التحكم أو الرصد أو الاستباق، كما كشف بذلك تفجير أركانة، اللهم إلا إذا كان البعض ينظر لمثل هذه التطورات باستهانة خطيرة من شأنها إضعاف قدرة المغرب على محاصرة التطرف والإرهاب. والثالثة بانزلاقها نحو الخلط عند الحديث عن هوية الخطاب الصادر في الافتتاحية وهل يعبر عن العدالة والتنمية أم حركة التوحيد والإصلاح أم السلفيين أم المتطرفين أم الشيوخ، وهو تساؤل غامض وغير معروف الخلفيات في ظل التباين الكبير على مستوى المدارس الفكرية، إلا أن طرحه مهم والجواب معروف ونقوله اليوم إن ما صدر من دعوة لمواصلة إجراءات الثقة في ما يخص هذا الملف يعبر عن وثيقة نداء الإصلاح الديموقراطي ل 17 مارس بمجموع مكوناتها ولا يمكن الخلط بينها وبين أي فكر متطرف، وسبقتها في ذلك عدة هيآت عبرت عن الموقف نفسه، والتي أكدت على ملحاحية المضي في إجراءات الثقة ومنها تسوية ملفات ضحايا قانون الإرهاب، وهو ما انطلق مع عفو 14 أبريل وساندته العديد من التنظيمات وعبرت عن ذلك افتتاحيات جل المنابر الإعلامية، والتي نفاجأ اليوم بخطاب مناقض لبعضها من ذلك، في ظل تقدم دعاة إجهاضه بعد أن عاد الملف إلى نقطة الصفر بأحداث سجن سلا الأخيرة. توقفنا اليوم لنناقش ما طرح، للقناعة العميقة بحاجة البلاد إلى الوضوح والحيلولة دون إعادة تكرار التجربة المرة لما حصل بعد تفجيرات 16 ماي، عندما أدى الخلط إلى إنتاج خطاب المسؤولية المعنوية وشرعنة الاستغلال السياسي للتفجيرات لتصفية وتحجيم الخصوم السياسيين، وكانت النتيجة ما حصل من تراجع ديموقراطي بلغ أوجه مع تجربة الحزب السلطوي، وتعميق هشاشة بلادنا إزاء تحديات وضغوط حركة المد الديموقراطي العربية. لقد خرج المغرب أكثر قوة بعد تفجير أركانة عندما تجنب شجاعة الوقوع في أخطاء ما بعد 16 ماي وخاصة ما يهم السقوط عند جزء من الجهات المتنفذة في الاستغلال السياسي، لكن التخوف اليوم هو أن ما لم يتحقق بعد تفجير أركانة يراد تحقيقه بعد أحداث سجن الزاكي بداية هذا الأسبوع، والتي ينبغي فتح تحقيق شفاف يستمع فيه للجميع لمعرفة حقيقة ما حصل، واتخاد ما يلزم حتى لا يتكرر ما وقع مع التأكيد على رفضنا لكل احتجاج يستعمل العنف أويستدرج إليه. أما اللجوء إلى استراتيجية إشاعة الخوف كقاعدة خلفية للتمكين للمقاربة الأمنية وضمان تأثيرها على تدبير الشأن السياسي، فلم يعد مجديا في مغرب اليوم، وخاصة في هذه المرحلة الحرجة والانتقالية، فما كان ممكنا في الماضي لم يعد اليوم ممكنا والسماح به اليوم سيزيد من هشاشة بلادنا أمام تحديات التحول الديموقراطي، ولعل ما يقع في سوريا اليوم وقبلها في دول عربية كثيرة وجه رسالة واضحة من أن عهد المقاربات الأمنية على اختلاف أشكالها وتباين حدتها من هذا البلد إلى ذاك هو عهد قد ولى، وإن نجح فنجاحه مؤقت والانسياق وراءه خطر على مكتسبات الوحدة والاستقرار والثقة، ومسؤوليتنا أن ننبه عليه دون عقدة أو ارتهان لحسابات المصالح السياسيوية الضيقة، فهذا مستقبل بلد يريد أن يؤسس للديموقراطية الحقة ويقطع الطريق على كل تطرف مهما كان مصدره.