سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
البروفيسور فرانسيسكو كافاطورطا (الأستاذ الباحث في كلية القانون والحكامة بجامعة دبلن بإيرلندا) ل"التجديد":مشاركة الإسلاميين أفضل دواء ضد عودة النزعات الاستبدادية
الدكتور فرانسيسكو كافاطورطا الأستاذ الباحث في كلية القانون والحكامة بجامعة دبلن بإيرلندا، والأستاذ الزائر في جامعة أمستردام، متخصص في العلوم السياسية، والسياسة الخارجية الأمريكية والسياسات المعاصرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، له كتابات متعددة حول النزاع العربي الإسرائيلي والإسلام السياسي والجماعات الراديكالية في المغرب العربي، والدمقرطة في العالم العربي في ظل الأنظمة الاستبدادية، كان ل''التجديد'' فرصة الحوار معه والتعرف على تحليله للتطورات الأخيرة التي عرفها العالم العربي. في هذا الحوار الذي يرى فرانسيسكو كافاطورطا أن أهم درس يستفاد من ربيع الثورة في العالم العربي هو نهاية المقولة التي تعتبر أن العرب لاديمقرطيين بالفطرة، ويعتبر أن العالم العربي بدأ يشق مساره نحو الديمقراطية رغم أن الطريق إليها لا يزال بعيدا ، وأن العوائق لا تزال قائمة. ويرى أنه لحد الآن لا توجد دولة واحدة نجحت فيها الثورة دبرت أمورها في اتجاه حماية التغيير مؤسساتيا. ويقدم تفسيره للثورات العربية، وموقع وحجم الإسلاميين فيها، ودور المعامل الخارجي فيها خاصة الموقف الأمريكي والأوربي، ويعتبر أن الموقف الغربي لا يزال قلقا من الإسلاميين رغم حصول تغير كبير في وعيهم السياسي وقبولهم بالتعددية السياسية وبالآليات الديمقراطية في الوصول إلى السلطة والتداول عليها. لا يتوقع الباحث في هذا الحوار أن يكتسح الإسلاميون المقاعد في الانتخابات في تونس ومصر، لكنه يرى أن أداءهم سيكون جيدا، ويعتبر أن مشاركة الإسلاميين سيكون أفضل دواء ضد عودة النزعات الاستبدادية. كيف تنظرون إلى الصحوة الديمقراطية التي يعرفها العالم العربي؟ هل تعكس في نظركم تغييرا سياسيا حقيقيا؟ أو أنها تعكس تغيرا استراتيجيا في المنطقة لم تتضح معالمه بعد؟ يساورني شك قليل بأن الانتفاضة الديمقراطية التي يعرفها العالم العربي اليوم كانت مفاجأة بالنسبة إلى الباحثين وصناع القرار السياسي والعديد من قوى المعارضة والقيادات السياسية أيضا. السنوات العديدة الماضية تم استنفاذها في الحديث حول سؤال كيف يمكن للأنظمة الاستبدادية أن تستمر في السلطة بدون أن تواجه عدة تحديات قادمة من المواطنين العاديين. بالنسبة إلى العديد، فإن هذا كان مؤشرا على أن المواطنين العاديين كانوا لا يعطون قيمة للحرية ومحاسبة ومساءلة القيادات السياسية. لكن هذه الانتفاضة الديمقراطية التي جرت مؤخرا في العالم العربي أنهت مقولة كون العرب لا ديمقراطيون بالفطرة. أعتقد أن هذا هو أهم درس أو حصيلة يمكن أن نستفيد منها من الربيع العربي: لا أحد يستطيع القول الآن بأن المواطن العربي العادي لا يتطلع إلى مزيد من الحرية والكرامة والمساءلة لقياداتهم السياسية. بيد أنه على المستوى المؤسساتي، فإن الطريق إلى الديمقراطية لا يزال بعيدا ومليئا بالأشواك، والعوائق لا تزال قائمة. لحد الآن لا توجد دولة واحدة دبرت أمورها في اتجاه حماية التغيير مؤسساتيا، وهذا سيأخذ وقتا، لكن أعتقد أن النظم الاستبدادية سيكون من الصعب عليها جدا أن تعود إلى إدارة السلطة كما كانت تفعل في السابق. ما هو تحليلكم لطبيعة هذه الثورات التي عرفها العالم العربي؟ هل هي انتفاضات ديمقراطية تتأسس على احتياجات اجتماعية؟ أم هي ثورات شعبية بأجندة سياسية؟ أم أنها تعكس في الحقيقة الصراعات داخل الأجيال وحاجة الجيل الجديد من الشباب لترتيب وضعية سياسية جديدة تستجيب لتطلعاته الجديدة؟ أعتقد أن هناك أربع عناصر مترابطة يمكن أن تعيننا في تفسير سبب قيام هذه الانتفاضات الديمقراطية في العالم العربي. الأول وهو الأساسي والمحوري، وهو أن الأنظمة الاستبدادية التي كانت تحكم في المنطقة كانت لا تتمتع بأي شرعية شعبية وذلك لمدة طويلة، ولذلك فقد انفجر الغضب الشعبي ضدها. في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، كان لنا سيناريو مشابه في الجزائر بصفة خاصة، لكن ذلك لم يؤد إلى تغيير النظام السياسي. نقص الشعبية والشرعية بالنسبة إلى النظام السياسي كان أمرا ملحوظا. العامل الثاني الذي يفسر جذور هذه الانتفاضة الديمقراطية يبدو أنه مرتبط بالوضعية الاقتصادية السيئة. كان المفروض أن يؤدي ما يقرب من عشرين سنة من التوجه نحو الإصلاح الاقتصادي واقتصاد السوق، إلى خلق مزيد من الثروة في الدول العربية، لكن تم إعادة الثروة بشكل غير متكافئ وتنامى منطق اللامساواة في الفرص الاقتصادية، وانتشر الفساد وساد منطق توزيع المنافع والامتيازات بحيث لم يخدم ذلك إلا فئة قليلة مرتبطة بالنظم الاستبدادية. وكان واضحا أن هذا الوضع لن يدوم، ولذلك كانت أول الدول التي عرفت الانتفاضة الديمقراطية مبكرا هي تونس ومصر اللتان كانتا على واجهة الدول التي اختارت الإصلاحات الاقتصادية ونظام السوق والاندماج في السوق العالمي. العامل الثالث، وهو الرغبة في الحرية السياسية ومساءلة الحكام ومحاسبتهم. ونتيجة لحجم المشاكل التي تعرفها معظم الدول العربية كان الشيء الأساسي الذي ركز عليه الموطنون هو المطالبة بدرجة من المشاركة في الخيارات التي يتعين القيام بها لمواجهة هذه المشاكل. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المواطنين كانوا يطالبون بالحرية لفتح النقاشات حول هذه القضايا دون أن يكونوا تحت طائلة العقوبة من قبل النظام السياسي. العامل الرابع والأخير وهو المرتبط بقضية الأجيال. القيادة السياسية الحالية خ الحكام - عبر المنطقة العربية هي ببساطة شائخة ومتعبة ولا زالت تردد نفس الشعارات التي لا صدى لها، وهي لا تتمتع بأي مصداقية، وهمها الرئيس في سياساتها هو التفكير في مستقبل أبنائها وتأمين تحول السلطة إليهم. ولذلك، فإن مدلول هذه الانتفاضات الديمقراطية هو أن الوقت هو وقت الأجيال الشابة للمحاولة وجعل العالم العربي يلتحق بالركب. المواقع الاجتماعية لعبت دورا مركزيا في قيام هذه الثورات، في تقديركم هل كانت طرق التواصل التقليدية عائقا أمام حصول أي تغيير سياسي؟ أم أن العائق السياسي كان يتمثل في عجز النخب السياسية عن القيام بالمبادرة في اتجاه التغيير السياسي؟ لا شك أن الإعلام ووسائل الاتصال الاجتماعية قامت بدور أساسي، لكنها كانت عاملا مساعدا ولم تكن سببا في حصول هذه الثورات. الإعلام الاجتماعي سهل المهام التنظيمية، وسمح بحصول تواصل سريع مع العالم في الخارج كما أتاح الفرصة لربط اتصالات وعلاقات مع شرائح من الشعب كانت متباعدة من حيث المسافة، كما سمح بالتنسيق الجيد. ومع ذلك، يمكن القول بأن الإعلام الاجتماعي هو الذي أطلق الشرارة، وأعتقد أن سنوات الإحباط التي كانت تعيشها الشعوب في العالم العربي هي التي شكلت هذه الشرارة ، ووسائل الاتصال الاجتماعية، والإمكانيات التكنولوجية التي كان يتمتع بها الناشطون الشباب هي التي تكلفت بالبقية.. هناك العديد من المواقف والتحليلات بشأن دور الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوربي فيما جرى ويجري من أحداث في العالم العربي خاصة وأن هذه الدول اضطرت إلى أن تغير مواقفها تبعا لتطورات الحدث، في تقديركم كيف تقيم الدور العامل الخارجي في الدينامية الديمقراطية الجارية في العالم العربي؟ في بداية الانتفاضة الديمقراطية في تونس، يبدو أن الدول الغربية لم تكن مهيأة لما يمكن أن يحدث وما يمكن تؤول إليه الأحداث في تونس لأنها تعودت على الرهان على الأنظمة الاستبدادية التي كانت تخدم مصالحها بشكل جيد. المعضلة بدأت بالنسبة إلى الدول الغربية حين شعرت أن الانتفاضة الديمقراطية بدأت تهدد الأنظمة الاستبدادية، فوضعت أمام خيار دعم هذه الأنظمة أو دعم أو بالأحرى عدم التدخل في الحركات الجماهيرية التي بدأت تصنع الربيع العربي. وأعتقد أنها فعلت في الأخير الموقف الصحيح ودعمت أبطال الانتفاضة الديمقراطية. في بعض الحالات، أعطيت ضمانات للدول الغربية كما حدث في مصر من قبيل عدم نقض الاتفاقات والمعاهدات الدولية، لكن بشكل عام، لقد كانت الدول الغربية تدعم فكرة الانتقال الديمقراطي في العالم العربي. من الواضح أن عدم الارتياح إلى الإسلام السياسي والحركات الإسلامية لا يزال حاضرا وبقوة من قبل صناع القرار السياسي، ولذلك كانوا يدعون إلى انتقال ديمقراطي بطيئ حتى يكون لهم الوقت للحكم على ما يرغب الإسلاميون في القيام به وما هي السياسات التي يريدون تبنيها. وأعتقد أن دور الإسلاميين لا يزال محددا مهما في وجهة نظر الغرب، ولا يزال يشكل إلى الآن مصدر قلق له. لكن في الوقت نفسه، يمكن القول بأننا تجاوزنا مرحلة ,1990 ويبدو أن هناك إرادة لإدماج الإسلاميين شريطة أن يلعب الإسلاميون اللعبة الديمقراطية. بعض المحللين يعتقدون أن ثورات الشباب تؤشر على ما يسمونه ما بعد الإسلاميين، وأن الحركة الديمقراطية التي يقودها الشباب في العالم العربي هي الإطار الجديد للتغيير السياسي بعد فشل الإسلاميين في تحقيق التحول السياسي في المنطقة العربية في حين يرى محللون آخرون أن الإسلاميين كانوا جزءا أساسيا من الثورات العربية وكانوا السبب المحوري في نجاحها وسيكونون المستفيد الأكبر من عائداتها خاصة ما يتعلق بالوضع السياسي الجديد؟ حضور الإسلاميين لم يكن بارزا في الثورات العربية، وربما كان حذرا خاصة في بدايتها الأولى، لكن بالتأكيد سيكونون ضمن المستفيدين من هذا التغيير السياسي الذي سيحصل هذا إذا أجريت انتخابات نزيهة من شأنها إفراز حكومة حرة منتخبة ومسؤولة. إنه من الصعب أن يكتسح الإسلاميون المقاعد ويفوزوا بالأغلبية المطلقة، لكن بكل تأكيد سيكون أداؤهم جيدا في الانتخابات. مؤكد أن حركة النهضة سيكون أداؤها جيدا جدا وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإخوان المسلمين في مصر. يبدو من وجهة نظري أن الإسلاميين تطور وعيهم السياسي كثيرا في العقدين الماضيين وكذلك معظم الحركات، يبرز ذلك في الانخراط في أجندة اجتماعية محافظة، الاعتراف بالحاجة إلى التعددية السياسية والآليات الديمقراطية لانتخاب قيادات الدولة. وأعتقد أنه في اللحظة الحالية، لن يطلب منهم الكثير، وأعتقد أن تركهم يشاركون في اللعبة الديمقراطية بشكل كامل سيكون أفضل دواء ضد عودة النزعات الاستبدادية. والنسبة للإسلاميين والحركات الأخرى، فقد أصبحوا يعتقدون أن المواطن العربي العادي في العالم لاعربي يريد ببساطة أن تكون له كلمة في القرارات التي تتخذ وتؤثر على وضعه، وهذا الحق لا يمكن أن يسلبه منهم أحد، وحتى باسم الدين، هذا الحق لا يمكن أن ينتزع منهم، لاسيما وأن الإسلام نفسه لا يشجع نظاما في الحكم على حساب نظام آخر، بل إن الإسلام يعلن ضمن مبادئه مبدأ المساواة وعدم التمييز، وسيكون لاشك من الصعب التفكير من داخل المرجعية الإسلامية في نظام غير تمييزي أقل من النظام الذي يسمح للمواطنين بأن يكون لهم صوت في مستقبل بلدانهم السياسي.