تقدم الانطلاقة شبه الميتة لعملية التسجيل في اللوائح الانتخابية دليلا جديدا على المأزق السياسي الراهن، ومؤشرا يزيد من الخوف على مستقبل الإصلاح الدستوري والسياسي في ظل الإقبال الشعبي المحدود على التسجيل وغياب حملات حقيقية لذلك، مما يضاعف من مخاطر الانقلاب عليه، وهي مؤشرات ظهرت مع رفض كل التعديلات التي قدمت على القانون 12.11 الخاص بالمراجعة الاستثنائية للوائح الانتخابية العامة والتي همت تمديد فترات التقييد بأسبوع ثالث وتوسيع آجال إيداع الجداول التعديلية وإطالة أجل تبليغ قرارات اللجان الإدارية ولجان الفصل، والتهرب المفضوح من إدراج أي مادة قانونية تنص على أن هذه اللوائح ستستعمل فقط في التصويت على الاستفتاء، والأكثر من ذلك ربط أي قرار مستقبلي في الموضوع بالتوافق بين الأحزاب، وهي كلها معطيات كشفتها نتائج التصويت الذي تم الأسبوع الماضي في لجنة الداخلية واللامركزية بمجلس النواب. لا يمكن لأحد أن يجادل في أن الارتهان للوائح انتخابية أعدت قبل حوالي عشرين سنة، وتم الاكتفاء بمراجعتها وتحيينها طيلة الاستشارات الانتخابية التي شهدها المغرب منذ 1997 ، شكل أحد مداخل الإفساد الانتخابي، وضرب مصداقية نتائج التصويت، مما جعل تقارير ملاحظة الانتخابات تؤكد على عمق الخلل الديموقراطي المرتبط بوضع لوائح انتخابية يتم على أساسها إعداد بطائق الناخبين، وخاصة في ظل الفشل في حل مشكلات التكرار والمسجلين من المتوفين أو فاقدي الأهلية وبقاء عمليات الإنزال المشبوهة للتسجيل في بعض اللوائح المرتبطة بأحياء السكن العشوائي والصفيحي، فضلا عن ظاهرة التشطيب غير المبنية على مرتكز قانوني، ثم ما كشفته انتخابات 2007 من فضيحة العدد الكبير من الناخبين في 2007 مثلا ممن لم يسحبوا بطائقهم الانتخابية ولم يتم توفيرها لهم في مكاتب التصويت، هذا في الوقت الذي تراجع عدد المسجل في اللوائح الانتخابية دون أن يكون متوفرين على بطاقة التعريف الوطنية إلى حدود 500 ألف بحسب ما صرح به وزير الداخلية في جوابه على أسئلة المناقشة للقانون، والذي أضاف أن هناك توجيها بحسم المشكل في الثلاثة أشهر القادمة، مما كان يعني إمكانية حل المعضلة والاكتفاء باللوائح المحددة على ضوء البطاقة الوطنية والتي يمكن سحبها بمجرد نقرة على الحاسوب المركزي لبطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية. من الواضح أن الإرادة السياسية للقطع مع ماضي الفساد الانتخابي غير موجودة على المستوى الحكومي، وأن الخطاب المقدم من قبل وزارة الداخلية يفتقد لعناصر الإقناع والثقة، وما يزيد من الخوف هو أن مواقف الأحزاب السياسية من موضوع المراجعة الاستثنائية كانت موافقة لما جاءت به وزارة الداخلية باستثناء حزب العدالة والتنمية الذي امتنع عن التصويت على مشروع القانون. للأسف ما حصل شكل بداية انحراف حاد على ما جاء به الخطاب الملكي ل9 مارس من دعوة لإصلاح ديموقراطي عميق، وما وقع في قضية اللوائح الانتخابية هو مجرد ترقيع سطحي يخدم دعاة التيئيس ومناهضة مصداقية ورش الإصلاح الدستوري . لقد سبق التأكيد على أن الانطلاق في مسار الإصلاح الانتخابي دون خريطة طريق عليا تحدد مضامين الإصلاح في حدها الأدنى وتترك المجال للأحزاب من أجل الإبداع سيفتح الباب على مخاطر انقلاب أبيض على المراجعة الدستورية يعتمد لغة الأمر الواقع والتوافق المغشوش، فهل سيتم الاستدراك أم علينا انتظار مزيد من التراجعات.