عرف المغرب في العقود الأخيرة تحولات مهمة في قضية المرأة، شملت الجوانب القانونية والسياسية غير أن جوانب أخرى لازالت تنتظر الإصلاح والاهتمام ومنها موضوع المرأة والإعلام، الذي يحتاج إلى إرادات قوية لتجاوز الصورة النمطية والسلبية عن المرأة في الإعلام ، فبدون انخراط الإعلام الوطني في مواكبة النهوض بأوضاع المرأة بالمغرب، لا يمكن للإصلاحات أن تجد طريقها إلى الواقع ولا أن تلامس عمق الإشكالات وتضمن التنزيل السليم للمقتضيات القانونية. صورة المرأة في الإعلام تجمع التقارير المتخصصة في المجال الإعلامي على الصورة السلبية التي يقدمها الإعلام عن المرأة، ففي الدراسة التي أنجزها مركز الكوثر في موضوع المرأة العربية والإعلام سنة 2008 والدراسة التي أنجزتها وزارة الاتصال سنة 2010 تم التأكيد مرة أخرى على الصورة السلبية التي يقدمها الإعلام عن المرأة. ويساهم في هذه الصورة السلبية عدة عوامل منها ضعف التشريع المؤطر للمجال السمعي البصري في بلادنا، والفوضى التي يعرفها قطا ع الإشهار،ورغم وجود ميثاق وطني لتحسين صورة المرأة في الإعلام والذي يتضمن فقرات وبنود مهمة في الدعوة إلى تحسين صورة المرأة في الإعلام فإن الميثاق لم يحظى بالتطبيق و الاهتمام العملي من قبل الفاعلين، وعلى المستوى القانوني فهناك فراغ تشريعي كبير في حماية كرامة المرأة، ففي قانون الاتصال السمعي البصري وردت إشارة إلى ( احترام كرامة الإنسان ) المادة 2 وهي إشارة عامة لا تكفي أن توفر الحماية القانونية اللازمة للمرأة في الإعلام، ومعلوم أن لهذا الحضور السلبي آثار سلبية نفسية واجتماعية لدى الناشئة والمتلقي والمرأة نفسها. فما يتضمنه المشهد السمعي البصري من مظاهر التشييئ والاستغلال بالتركيز على صورة المرأة الجسد (الإغراء)، يلغي كافة أوجه النشاط الأخرى الذي تشارك بها المرأة في تنمية المجتمع. ويصل هذا الاستغلال في كثير من الأحيان إلى درجة تقديم إيحاءات جنسية مباشرة عن جسد المرأة ، إضافة إلى الترويج لنماذج نسائية تقدم جسدها كسلعة ، مع تغييب النماذج النسائية التي تكد من أجل العيش الكريم وتشارك بفعالية في تنمية هذا البلد في مختلف المجالات . ولا شك أن لهذه الوضعية تأثيرات سلبية مباشرة تتجاوز المحيط لتنعكس على المرأة نفسها، بحيث يتكون لديها شعور بالنقص واعتقاد بأن وظيفتها لا ينبغي أن تتجاوز حدود جغرافية الجسد .وفي هذا السياق تؤكد العديد من الدراسات النفسية المتخصصة العلاقة المباشرة بين تنامي الاستغلال الجنسي للنساء وصناعة الصورة المتمحورة حول الجسد من أفلام سينمائية وإعلانات إشهارية وانترنيت وفيديو كليب ومسلسلات . ومعلوم أن ظاهرة الاستغلال الجنسي للنساء والقاصرين تتزايد باستمرار في تحد سافر لكل الاستنكارات و التنديدات. كما تصل آثار هذه الصورة السلبية إلى المجتمع الذي يصعب إقناعه بالأدوار الإيجابية والتنموية للمرأة في الحياة العامة ، وهذه الصورة السلبية التي يقدمها الإعلام عن المرأة خاصة بعض الفضائيات توقع المتلقي في التناقض بين خطاب يدعو إلى مشاركة المرأة في النهوض بالمجتمع وولوج مراكز القرار، وصور إعلانية نمطية تكرس التشييئ والدونية . من أجل ذلك لابد من تصحيح صورة المرأة في الإعلام ،بدءا بتوفير إرادة سياسية قوية للتغيير،تترجم في مقتضيات قانونية ووقائية تقطع مع الفوضي التي يعرفها قطاع الإشهار والإعلانات وتطوير التشريعات و القوانين في اتجاه ضمان حماية كرامة المرأة في الإعلام . تطوير المنظومة القانونية المؤطرة للمجال تعرف القوانين المؤطرة للمجال السمعي البصري قصورا كبيرا في توفير الحماية القانونية لصورة المرأة في الإعلام وكرامتها .مما يقتضي تعديل قانون الاتصال السمعي البصري وتضمين المادة 2 والمادة 67 نصوصا واضحة و دقيقة في وجوب حماية المرأة في الإعلام مع ترتيب عقوبات جزائية على المخالفين.كما يجب تضمين دفاتر التحملات المشار إليها في المادة 49 من القانون المتعلق بالاتصال السمعي البصري مقتضيات تنص على احترام حقوق الإنسان وعدم المس بكرامة المرأة في مجال السمعي البصري والتصيص على جزاءات في حق المخالفين سواء في القطب العمومي أو الإذاعات الخاصة.ويتعين على الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري الحرص على انضباط المتعهدين لهذه المقتضيات بما يضمن حماية المرأة والناشئة من كل استغلال. أما المركز السينمائي المغربي فهو مدعو إلى وضع معايير واضحة في سياسة الدعم لحماية كرامة المرأة وصيانتها من الامتهان و منع المتاجرة بصور النساء بهدف الإثارة ورفع المبيعات. تشجيع البرامج التي تقدم نماذج نسائية ناجحة إن القوانين والتشريعات على أهميتها تبقى غير كافية لوحدها لضمان تحسين صورة المرأة في الإعلام وصناعة رأي عام وطني داعم لمشاركة المرأة ، فلا بد من وضع سياسات ثقافية وقائية تعمل على تغيير العقليات وتسعى لنشر ثقافة حماية كرامة المرأة من كل مظاهر الامتهان والاستغلال في كل المجالات، وتحتاج مثل هذه السياسات إلى اعتماد مقاربة تشاركية تنفتح على مختلف مؤسسات المجتمع من مجتمع مدني وأسرة ومدرسة ، وتكتسي البرامج الموجهة لتقديم تجارب نسائية رائدة أهمية خاصة في بناء راي عام وطني يقدر المرأة وعطاءاتها في المجتمع بعيدا عن التشييء والاستغلال والامتهان.