تطرق الفنان والمسرحي عد الكريم برشيد في مداخلة مؤطرة ومركزية له بالمهرجان لتاريخ المسرح في العالم منذ التعبيرات الإنسانية الفطرية الأولى معرجا على التجربة الغربية منذ اليونان ثم إلى التجربة العربية وتياراتها وأنماطها كما تطرق هوية المسرح ووظائفه ليصل إلى الحالة المغربية وتحدث عن المدارس والتيارات الثلاث التي تتجاذب المسرح المغربي. على هذا المستوى قال برشيد إن التلاقي الحضاري، بين نظامين مختلفين، سواء في التفرج أوفي إنتاج الفرجة الاحتفالية، سينتج عنه وبالضرورة ظهور نظام مسرحي هجين، لا هو بالنظام العربي كله، ولا هو بالنظام الغربي في مجمله، وأشار إلى أن هذا المسرح القديم الجديد، سيتحكم فيه تياران اثنان، الأول منهما، نسبة الذات العربية، بموروثها الثقافي والحضاري، فيه أقوى وأشد، أما الثاني، فإن نسبة التغريب غالبة عليه، وبهذا كان الأول تيارا تأصيليا، وكان الثاني تيارا تغريبيا وتجريبيا. وفي أواسط السبعينيات من القرن الماضي يقول برشيد تأسس تيار مسرحي ثالث. تيار جديد، شكلا ومضمونا، وهو يتجاوز قومية التيار الأول، وعولمة التيار الثاني بتأسيس خطاب مسرحي إنساني، ينطلق من النحن إلى الآخر، ولا يحصر ذاته في ذاته، ولا يذوب هذه الذات في ذات الآخر، وهو لا يتجه أفقيا إلى الشرق ولا إلى الغرب، ولكنه يتجه رأسيا إلى الحقيقة، ومن (طبيعة) هذه الحقيقة أنها أبدية وسرمدية، وأنها بذلك، ليست شرقية ولا غربية، كما أنه يتجه إلى حيث الجمال، ومن (طبيعة) هذا الجمال أنه بلا عنوان ثابت، سواء في خرائط المكان أو في خرائط الزمان، أو في خرائط الحضارات والمدنيات المختلفة. وتحدث برشيد عن أن المسرح الذي تأثر به المجتمع العربي الإسلامي هو المسرح الحديث، مسرح بطله الإنسان البسيط، وهو غير ذلك المسرح اليوناني الوثني القديم، والذي كان بطله نصف إله، وأيضا، غير ذلك المسرح الذي شاع في القرون الوسطى، والذي كان بطله المسيح (ابن الله) بتعبير النصرانية وبهذا، يؤكد عبد الكريم برشيد يقبل الإنسان العربي على المسرح الحديث، وذلك بعد أن كان قد رفض المسرح القديم، رفضا منه لوثنيته ولأسطوريته، ولأنه كان يمثل نظاما متخلفا، في العيش والوجود والتفكير، وقد قبله في العصر الحديث، وذلك لأن هذا المسرح أصبح أكثر قربا من الإنسان، وأكثر التصاقا بالعقل، وأكثر استجابة لمطالب الإنسان العربي، في التحرر والتقدم والتمدن والحداثة...، واعتبر برشيد أنه إذا كان المسرح - في معناه الحقيقي- نظاما للعيش، وكان فلسفة وجود، فإن السؤال، عن غياب هذا المسرح، في المجتمع العربي القديم، يبقى سؤالا بلا معنى، وذلك لأنه يجرد هذا النظام الشامل والمتكامل من كليته وشموليته، ويخرجه من سياقه التاريخي والجغرافي والاجتماعي والأخلاقي، ويختزله في مجرد جنس أدبي وفني، ولا شيء أكثر من ذلك...، وخلص رشيد إلى أنه ساد الاعتقاد لزمن طويل أن فضاء الفرجة الشعبية في انفتاحها على الواقع اليومي لا يمكن أن ترتبط أبدا، بالفضاء المسرحي المغلق، والذي هو فضاء تاريخي بالأساس، أو غير واقعي، أو غير حقيقي.