في إطار انطلاق الحملة الوطنية التواصلية لتخليق الحياة العامة، تخصص وزارة الاقتصاد الاجتماعي والمقاولات الصغرى والمتوسطة والصناعة التقليدية إعلانات صحفية تخص رخص البناء والسياقة وإفلاس الشركات وسرقة الكهرباء والمستشفى وتبذير الماء وتبتدئ هذه المرحلة من 8 أبريل 2002 إلى غاية 18 ماي 2002 أما المرحلة الثانية فتهم الرشوة والبيروقراطية وتنطلق من 27ماي إلى غاية 8 يونيو 2002. "التجديد"تواكب الحملة وتساهم من خلال مقالات واستطلاعات واستجوابات تمس عدة قطاعات تنخر فيها مظاهر الفساد والرشوة والبيروقراطية.وفي هذا الصدد نتناول اليوم الفوضى والفساد اللذين يمسان أحد القطاعات التي يفترض أنها قاطرة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية وإنعاش الشغل في المغرب، ويتعلق الأمر بقطاع الإنعاش العقاري. ونقدم في هذا العدد مقالا بقلم أحد المنعشين العقاريين السيد محمد توفيق.المساهمة هي جزء من بحث كتبه الرجل وسماه"من أجل سكن لائق واستثمار مستديم".نعرض على القراء والمهتمين ماله صلة بالتخليق. سلطوية التعمير: إن الجالس على كرسي التدبير في إدارة التعمير لا يرد له رأي، فرأيه دائما سديد وصائب، سواء أكان هذا المتربع على الكرسي تقنيا أم مهندسا، فهو التقني الممتاز والمهندس الممتاز، وملاحظاته تصدر من أجل الإلزام لا من أجل الإغناء، والعجيب أن من المهندسين الخواص حاليا من كان بالأمس صاحب الرأي السديد حينما كان على كرسي التعمير، ثم أصبح اليوم يرشد ويسدد من المهندسين والتقنيين الذين كانوا يعملون، أيام جلوسه على كرسي التعمير، تحت إمرته، مما يبين أن الأمر يتعلق بالكرسي والسلطة لا بالدراية والقدرة والكفاءة. وهذا النوع من العقليات تخنق الابتكار والإبداع، وذلك بالتدخل في المشاريع المعروضة عليها وفرض وجهة نظر واحدة لا ثاني لها، كتدخلها في تحديد جمالية الواجهة. وبعض المسائل التي لا علاقة لها بالتقنية. يجب تحديد تدخلات إدارة التعمير في تطبيق الجانب التقني الذي لا يختلف عليه اثنان. وتكون الإدارة حارسة وقائمة على هذه التقنيات التي لها علاقة بذات العقار لا بجماليته.المهندس المعماري فنان، والفنان مجاله الابتكار والإبداع فلا يجوز أن يقيد بأفكار غيره حتى يصير مجرد ناسخ لفن غيره. وفرض الإدارة لتوجه فني على المهندسين المعماريين يفقد المعمار المغربي خاصية التنوع. لذا يجب أن يكتفي تدخل ضابطة التعمير في تحديد تقنيات التعمير التي تعتبر نتائج عملية ويجب الأخذ بها لا غير (كتحديد منافذ التجزئات عرض الشارع تحديد مواد البناء لكل منطقة، أو أي مسألة تحافظ على سلامة البنايات). إن ضبط حقوق المتدخلين ومحاولة إقصاء الذاتية من قانون التعمير يجعل الإدارة لا تجد حرجا في إشراك المستثمر في اتخاذ القرار. والسبب الذي يجعلها اليوم لا تشرك صاحب المشروع في اتخاذ القرار هو علمها بأن لذاتية المتدخل دورا في اتخاذ القرار. على القانون أن يضبط كل شيء ما عدا المساحات ونوع البناء، ويضبط عرض الطرقات، والمرافق كذلك، وكل شيء. ويترك القطع تقتطع من الرسم حسب حاجة المواطن فمن أراد 60 م2 اقتطعناها له، ومن أراد 1000 اقتطعنا له ألفا. فمن أراد أن يبني منزلا صغيرا بنيناه له، ومن أراد أن يبني فيلا بنيناها له ما دام هذا لا يقلق راحة المواطن. كما أن هذا الإجراء سيكون له تأثير هام على الحد من الأراضي غير المبنية والحد من الأراضي الفارغة، والحد من الاحتكار واتساع المدن أفقيا. قانون التعمير وما يحمله من ظلم اجتماعي قوانين التعميرالحالية لا تستجيب لحاجيات جميع الطلبات وتقلل من فرص الاختيار. فتحديد مساحة القطع، في حد أدنى للمساحة المقبولة للبناء يحرم كثيرا من الناس من شراء قطعة أرض. وتصاميم التعمير تفرض وتخصص كل منطقة لنوع خاص من التعمير: اقتصادي، تجاري، فيلات، عمارات، وهذا يترتب عنه: ظلم الملاكين بحيث يقوي فرص الربح للبعض دون الآخرإذ أن ثمن أرض فيلات ليس كثمن اقتصادي أو تجاري أو بالأحرى ثمن الأرض المخصصة للمناطق الخضراء. كما يخلق ويكرس الطبقية في المجتمع بحيث يفصل بين الغني وذي الدخل المتوسط والفقير، مما يتنافى وأصالتنا وثقافتنا. وإذا لاحظنا مدننا العتيقة نجد منازل الأغنياء قديما تحوط بها منازل عادية تناسب المستوى المادي والاجتماعي للمالكين والسكان، وكان الجميع يعيش في وسط واحد في تعاضد وتآزر. إنزال مرافق عامة على الأملاك الخاصة إن إنزال مرافق عامة على الأملاك الخاصة تسلب الحقوق المشروعة للمالك على ملكه، كحق البيع أو التصرف فيصبح مالكا للعقار مع إيقاف الاستفادة. والسبب أن المرافق العامة المنزلة على الملك غالبا ما تكون مشاريع مستقبلية، تتطلب أموالا لتنفيذها كما تتطلب نزع الملكية، وهذا الإجراء ينزل كارثة على المالك، الذي يعلم مماطلة الإدارة في مسألة تأدية ما عليها لذوي الحقوق. العقار والرشوة الأسباب السابقة والآتية تجعل الملاك يلجأ إلى دفع رشاوى لإبعاد الضرر عن ملكه وإلصاقه بملك غيره. وإنزال المرافق العامة على الملك الخاص، وتعقيد مسطرة التعويض، وتبسيط مسطرة نزع الملكية. أسباب تجعل المالك يبحث عن منفذ هو أهون شرا من أن يبقى ضالا بين الوثائق والإدارات مع علمه، أنه سيكون مضطرا لدفع رشاوى من أجل تسوية الوضعية وربما ستكون مبالغها أكبر من الأولى. فأرضه انتزعت منه وأقيم عليها مشروع ما. ولن تبقى له سوى وثيقة الملكية التي لا جدوى منها. ذلك لأن المشاريع تبرمج وتنجز قبل تأدية ثمن الأرض، وهذا ليس معقولا بحيث أن الدراسة المعتمدة لإنجاز المشروع لم تأخذ في حساباتها تكلفة الأرض مما يجعل الإدارة توفر ثمن الإنجاز دون تكلفة البقعة الأرضية التي يقام عليها المشروع. فإنزال المرافق العامة بالعدل على الملك الخاص، كأن تنزل في ملتقى الرسوم العقارية وبمساحات متوازنة بين جميع الرسوم المتحادة، وتسهيل مسطرة التعويض، وضمان عدم خرقها من طرف الإدارة العمومية، وتأدية قيمة التعويض قبل البدء في إقامة المشروع، سيضع حدا للرشوة والفساد، لأن المواطن سيطمئن ولا يخاف أن تهضم حقوقه، خاصة أن الأثمان التي تؤديها الإدارة غالبا ما تكون واقعية لا ظلم فيها. قانون التعمير عامل من عوامل ظهور السكن العشوائي القوانين يجب أن تساير تطور المجتمع، فالمواطن المحتاج إلى سكن لو توفرت له القدرة على بناء بيت حسب طاقته على مساحة 50م2 فإنه لا ينتظر القانون حتى يخول له ذلك بإصدار بند يسمح له بالبناء، بل يلتجئ إلى قانون الواقع الذي يفرض نفسه في الميدان،وهوقانون البناء العشوائي. ذلك سلوك يسمح له ببناء مسكنه في اللحظة مع ما فيه من إجحاف. كما أن هذا الواقع أخذ زمام المبادرة من قانون التعمير وجعل تنفيذ هذا الأخير غير ممكن، لأنه يحول دون توفير السكن المناسب في الوقت المناسب للمحتاج، وهذا ما يشجع النشاط غير القانوني. فبائع التجزئات العشوائية لا يسأل عما يفعل، ولم نسمع يوما بتطبيق القانون الخاص في هذه المسألة. كيف نحمي العقار ونوفر السكن اللائق يجب مراجعة القوانين المنظمة للتعمير التي تتكون بموجبها التجمعات السكنية، وجعلها توازن بين الأمن الاقتصادي والاجتماعي والأمن العام، كما توفر الأمان للمالك والمستغل والمستفيد. ومن أجل هذا يجب تحديد حقوق وواجبات كل ذي مصلحة في العقار. وأولهم الدولة: فمن واجبها تمكين المواطن من سكن لائق، وحقوقها جباية الضرائب. المالك: وواجبه توفير السكن وتأدية الواجبات الضريبية، وحقوقه، الحفاظ على ذات الملك مصانا من كل تلف، والتوصل بواجب الكراء دون أدنى صعوبة. المستغل: وواجباته دفع مبالغ حق الاستغلال في موعدها دون تعثر والمحافظة على ذات العقار مصانة من التلف والإفساد. وحقه استغلال الملك على الوجه المشروط بالعقد. ومن أجل توفير عقار سليم، تسلم به البيئة والاقتصاد والمجتمع يجب وضع قوانين تنظيمية وإجرائية لا تغفل أي جانب من الجوانب المترتبة على وجود العقار. الجانب الاجتماعي تملكا وكراء، الجانب الاقتصادي تجارة واستغلالا، الجانب البيئي نظافة ومحافظة. إن القوانين التي صدرت في الحقبة ما بعد الاستقلال كانت تنبثق عن منظور يراعي أشد ما يراعي أمن الدولة، حيث كانت تعالج كل المشاكل من هذا المنظور، وبطرق ترضي فئة الضغط ولو على حساب الفئات الأخرى (كقانون تخفيض الكراء). وكانت أغلب القوانين من أجل تهدئة الوضع وربح الوقت وتأويل الانفجار الشعبي الذي يخمد بالقوة إن وقع. إن أمن الدولة كان يفرض على مستوى التشريع بقوانين وقرارات لا تصلح إلا للمرحلة التي فرضت فيها، وعلى أرض الواقع بالقهر والقوة والقمع. والمرحلة الحالية التي أصبح فيها أمن الدولة شيئا ثابتا، وجميع المغاربة حريصون على استقراره، تستوجب إعادة صياغة القوانين صياغة تجعل الموازنة بين الهدفين الأساسيين شرطا من شروط إعادة صياغة هذه القوانين، والهدفان المقصودان هما: أمن الدولة، وأمن المجتمع. وهذان الأمنان لا يمكن أن تقام دعائم الاستقرار لأحدهما على حساب الآخر، وأظن أن أمن الدولة لا يمكن أن يكون قارا ودائما إلا باستقرار الأمن الاجتماعي. والأمن الاجتماعي تنسج خيوطه بالاهتمام بصفة عادلة بجميع مكونات المجتمع دون تمييز فئة على أخرى. إن الأمن الاجتماعي يتأتى بتوفير العدل في التعامل مع جميع الفئات وفي جميع الميادين وكذا توفير ثقافة التضامن والتواصل بين الفئات على أساس التكامل والتآزر لا على أساس التفاضل. إن الأمن الاجتماعي وإن بدا للعيان ظاهر الوجود في مجتمع فيه الحكام وأعوانهم يتميزون عن المحكومين تمييزا ماديا ومعنويا صارخا؛ ماديا بامتيازات كالرخص والاستفادة من أملاك الدولة، وفيه وزراء يحصلون على علاوات مالية خيالية، ويتمتع فيه الموظفون الكبار بسيارات فخمة، والأعوان والأهل بامتيازات في احتكار ميادين تدر عليهم أموالا طائلة، وبعبارة أوضح يعيش الحكام والأعوان في مستوى دولة صناعية متقدمة يكون دخلها الفردي عاليا جدا. ويعيش الباقون من الأمة ممن لم يسعفهم الحظ والذين لم تكن لهم علاقات بالحكام على مستوى من الفقر لا يتصوره العقل. فهذا محتاج إلى قطرة ماء، والدولة تكافئ هذا من مداخيلها رغم هزالتها وعدم قدرتها على الوفاء بالحاجيات الضرورية للأمة، أو تكافئ آخر من قروض اقترضتها من البنك الدولي وأثقلت بها كاهل الأمة، وعلى حساب لقمة عيش هذه الأمة يكافئ هذا وذاك بمبالغ خيالية، وتقام حفلات، وتصرف أموال في أشياء لا تفيد الأمة في شيء، ولو أن كل هذه المصاريف الزائدة خصصت للتنمية لكانت أفضل أثرا وأجدى نفعا. محمد توفيق منعش عقاري