لم يتوقف القذافي، العدو اللدود لتنظيم ''القاعدة'' عن التلويح بما يمثله وجود إسلاميين بين الثوار من تهديد. هل هي مجرد دعاية كاذبة؟ ال ''سي. آي. إي.'' ترى أن جزءً من المعارضة يضم عناصر من ''القاعدة''. أما بالنسبة للبروفيسور ''ماتيو غيدير'' أستاذ الدراسات الإسلامية والفكر العربي'' بجامعة ''تولوز''2 بفرنسا فإنه: "إذا كانت بعض فصائل ''القاعدة'' قد التحقت بصفوف الثوار، فإنه لا قبيلة واحدة يمكن أن تنضم لتلك الحركة الإرهابية إلا إذا ما قام القذافي كآخر ملجإ بالسماح ل''القاعدة'' بالعمل في ليبيا". جاء هذا في استجواب أجرته معه أسبوعية ''ماريان'' الباريسية هذا نصه مترجما إلى العربية: ''ماريان'': تروج عدة أخبار، تتسم أحيانا بالتناقض حول مستوى اختراق صفوف الثوارالليبيين من طرف تنظيم ''القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي''، ف''السي. آي. إي.'' تتحدث عن''شكوك''، فيم أحد زعماء الثوار الليبيين أوضح لجريدة إيطالية بأن ''عناصر ''القاعدة'' مسلمون صالحون يقاتلون ضد المحتل''، بينما يؤكد الرئيس التشادي إدريس دبي بأن:''تنظيم ''القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي'' في طريقه إلى أن يصبح الجيش الأكثر تجهيزا في المنطقة''، ما رأيكم؟ ''ماتيو غيدير'': لقد بعث زعيم تنظيم ''القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي'' مؤخرا برسالتين مهمتين، آخرهما مؤرخة في الأسبوع المنصرم، وهي موجهة إلى الشعب الليبي وإلى الشباب الليبي. وفي الرسالة الأولى من الرسالتين يقول، بأنه سوف يفعل كل ما في إمكانه لمساعدة الثوار لتمكينهم من القتال ضد القذافي وضد الغرب. والحقيقة هي أنه قد تكون هناك أربع أو خمس مجموعات تتكون كل منها من حوالي عشرة رجال، أي ما مجموعه حوالي خمسين مقاتلا قد يكونون انتقلوا من الساحل نحو ليبيا للمشاركة في الانتفاضة. وأما تصريحات ''إدريس دبي'' فتبدو لي جد مبالغا فيها، فهو صديق و مرتهن ومدين للقذافي منذ مدة طويلة. فهو ينخرط في نفس الاستراتيجية التواصلية ولا يقوم إلا بترديد ما يقوله القذافي حول الإرهاب والتهديد الإرهابي. والقول بأن ''القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي'' في طريقها لتصبح ''الجيش الأكثر تسليحا في المنطقة'' هو قول فيه الكثير من المبالغة، فهناك مجموعات ثورية أكثر تسليحا بكثير في النيجر، والكوت ديفوار، والتشاد. وكذلك فإن هذه منطقة تعج بالكثير من المرتزقة. غير أنه من المؤكد أن بعض مقاتلي ''القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي'' قد شاركوا في المعارك للقتال ضد كتائب القذافي. وهناك نقطة أخرى، تتمثل في كون القذافي منذ عشرة أيام قد فتح مخازن الأسلحة أمام الموالين له وقال لهم:''تزودوا بالسلاح ما شئتم''، ولا يُستبعد أن تكون ''القاعدة'' قد استفادت كذلك من فتح مخازن أسلحة الجيش النظامي. ''ماريان'': قال إدريس دبي في ''جون آفريك'' بأنه متأكد مائة في المائة بأن إسلاميي ''القاعدة'' قد تزودوا بالسلاح، بما في ذلك بالصواريخ أرض- جو، في هذه الحالة من الذي تم اختراقه؟ ''ماتيو غيدير'': من الممكن أن فتح مخازن الأسلحة قد كان في صالح تنظيم ''القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي''، ولكن ليس هناك دليل قاطع بذلك. ولنفترض أن ''القاعدة'' قد تمكنت من الاستحواذ على بعض من تلك الصواريخ، فإنها تبقى صواريخ ذات مدى محدود مما يتطلب التواجد على مقربة من المطارات المستهدفة، وهذا ما يتطلب تكنولوجيا ولوجيستيك لم تطورهما ''القاعدة'' لحد الآن حسب علمي. ''ماريان'': ألا يطرح هذا السؤال حول قرار التزويد بالسلاح الذي اتخذه التحالف، بما أنه لا أحد يعلم إلى أين سيذهب هذا السلاح عندما تنتهي الحرب. فهناك بالخصوص سابقة حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي، عندما زودت الولاياتالمتحدةالأمريكية المقاومة بالسلاح خلال سنوات، مما ساهم في تسليح شبكات ''القاعدة''. ''ماتيو غيدير'': إن المشكل جاء من كون الغرب قد سلح المقاتلين الأجانب في أفغانستان. وأما اليوم فلا أحد يسلح المقاتلين الأجانب في ليبيا. لا أحد يستعمل ''القاعدة'' ضد نظام القذافي، بل إن العكس هو الحاصل'' فإذا كان هناك تسليح ما فإنه موجه إلى معارضة سياسية ضد نظام قبلي. لا يجب الخلط بين الإرهابيين والمقاتلين الثوار فالثوار قادمون من قبائل ليبية، فيم ''القاعدة'' ليس لها أي تجذر في الأرض. وبحكم معرفتي بالتحكم في التراب الليبي من طرف العشائر، والعروش، والقبائل'' فإنني أرى أنه لن يكون في إمكان ''القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي'' أن تجد لها مستقرا في أي مكان في ليبيا على الإطلاق دون أن تسمح بذلك قبيلة ما أو رئيس عشيرة. في العراق مثلا، وانطلاقا من اللحظة التي قرر فيها رؤساء قبائل السنة ألا أحد يمكنه أن يقوم بأي شيء على ترابهم، سرعان ما عرفت عمليات ''القاعدة'' حالة من الشلل التام. ونفس الشيء تمت ملاحظته في اليمن. لن يكون في إمكان ''القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي'' أن تستقر طويلا في ليبيا دون دعم آو موافقة من إحدى القبائل، وهو ما يبدو لي أمرا مستحيلا اليوم. فليست هناك أي قبيلة تتعاطف مع ''القاعدة''. إذا ما قدِمتَ بإيديولوجية ما لا تتبناها العشائر التي تتحكم في الأرض فإنك لن تتمكن من تجد لك موطأ قدم. والمفارقة هي أن الاحتمال الأقرب إلى التحقق هي فرضية تقارب بين القذافي و''القاعدة''، رغم كره بعضهما للبعض. فالقذافي لم يعد لديه ما يخسره'' و إذا ما ضاق عليه الخناق بالكامل، وإذا ما فقد طرابلس مثلا، فقد يسمح بانتشار مقاتلي ''القاعدة'' في ما يسيطر عليه من تراب، أي الوسط الغربي من ليبيا. وهذا لا علاقة له بأي تحالف بين الطرفين، ولكنه فقط من باب تركهم يفعلون. ''ماريان'': كيف تفسرون تخلي وزير خارجيته موسى كوسى عنه، هل هو مؤشر على تسرب الضعف إلى سلطات القذافي؟ ''ماتيو غيدير'': إنني حائر فيما يخص هذا الأمر، فموسى كوسى ليس أي أحد من الناس، فقد كان رئيس أجهزة الأمن والمخابرات الخارجية لسنوات عديدة. وشارك في جميع عمليات الأجهزة السرية الليبية. إنه من الركائز الكبرى للنظام، لقد كان له دور في جميع العمليات. وأتمنى أن لا يكون هذا من ضمن استراتيجية ما، مجرد استقالة في الواجهة، خصوصا وقد أُعلن عن استقالة خليفته في الأجهزة الأمنية كذلك. ولرفع كل لبس عن نوايا مُنْضَمِّي ومُلْتَحِقِي آخر ساعة، يجب الانتظار لمعرفة'' هل سوف يحملون عناصر حاسمة تمكن التحالف من التقدم. أما إذا شهدنا خلال الأيام القادمة تقدما جديدا لقوات القذافي نحو الشرق'' فهذا معناه أنهما فقط جسا نبض اتجاه الرياح واختارا موضعهما بانتهازية. هناك انطباع بأن الوضع تعمه فوضى عارمة'' فالثوار يبدو أنهم يفتقدون بشكل كبير إلى التنظيم ويتقدمون فقط عندما يستفيدون من الدعم الجوي للتحالف، وقوات القذافي التي قيل بأنها لم تعد تتوفر على أي سلاح، ها هي تستعيد بانتظام العديد من المواقع، كيف تفسرون هذا الوضع؟ ''ماتيو غيدير'': لا زالت كتائب القذافي تتوفر على قوة تسليحية جد هامة. صحيح أنهم لم تعد لديهم طائرات، ولكنهم يتوفرون على المدفعية، وجميع شهادات الثوار تؤكد أنه عندما تقوم كتائب القذافي بتشغيل بطاريات مدفعيتها لا يبقى ما يمكن فعله أمامها، ولا يبقى إلا التراجع، فأمام تلك المدفعيات لا توجد قوات مكافئة لها. إنها استراتيجية الحرب في الصحراء كما تمارس منذ خمسة عشر قرنا (الكر والفر): المقاتلون مكشوفون على الدوام، ومادام ألا أحد له القدرة على التحكم في السماء، ويتوفر على المدفعية في حوزته، فإن الأمر لن يُحسم أبدا. لا أحد اليوم في إمكانه إحراز النصر بشكل كامل. هل هذا هو ما يفسر قرار التحالف تسليح الثوار؟ ''ماتيو غيدير'': مسألة التسليح جد معقدة: تسليح من؟ وبماذا؟ لا أرى كيف يمكن للثوار أن يتفوقوا بالرشاشات. وحتى إذا ما زودهم التحالف بالمدفعية، فإننا سوف نكون أمام حرب مواقع. كل فريق يتحكم في بضع كتبان في الصحراء، ولكن لا أحد يستطيع التقدم. هذه الفرضية تبدو اليوم مستبعدة بالكامل من طرف التحالف؟ ''ماتيو غيدير'': لا أرى كيف يمكن الخروج من المأزق، إذا لم يتفوق أحد الطرفين بالكامل وبسرعة على الآخر. لقد كان الأمر كذلك في بداية القصف، فالتأثير النفسي كان قويا جدا، ولقد أدى ذلك إلى نجاح معتبر. غير أنه اليوم هناك تضارب في الاستراتيجيات بين أولئك الذين يتبنون خيار القوة وأولئك الذين يفضلون التفاوض والدبلوماسية. وهذا معناه جهل بالقذافي'' إنه لن يستسلم ولن يقبل بالإهانة إلا مرغما". ترجمة: إبراهيم الخشباني