حاكى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، الذي تحوّل فعلاً إلى مجلس انتقالي حاكم، في بيانه رقم 5 الذي صدر يوم الأحد 13 فبراير 2011، بعضا من مطالب ثورة الشباب، بشموله إجراءات إصلاحية على رأسها حل مجلسي الشعب والشورى (البرلمان)، وتعطيل العمل بالدستور، والعمل على قيام دستور جديد، تليه انتخابات تشريعية ورئاسية، والتعهد باجتثات الفساد، وضمان الحريات والعدالة والدولة المدنية الديمقراطية، الأمر الذي قوبل بترحيب من قيادات الثورة الشعبية المصرية وقوى سياسية أخرى وقانونيين. لكن تلك القيادات والقوى الأخرى تلح في المقابل على إلغاء حالة الطوارئ في البلاد، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين بما يحقق كل المطالب الأساسية للثورة. وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية الذي يرأسه المشير محمد حسين طنطاوي أعلن، في بيان، أنه سيحكم البلاد لمدة ستة أشهر أو لحين إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بعد إجراء تعديلات دستورية. وكلف المجلس الحكومة الحالية التي يرأسها أحمد شفيق بالاستمرار في أعمالها لحين تشكيل حكومة جديدة، وإجراء انتخابات مجلسي الشعب والشورى والانتخابات الرئاسية. ويفترض أن يحظر المجلس العسكري الأعلى اجتماعات النقابات العمالية والمهنية مع تصاعد الحركة المطلبية في القطاعين العام والخاص، بل وحتى في جهاز الأمن في ظل تظاهر آلاف من عناصر الأمن مطالبين بتحسين أوضاعهم، وبمحاسبة القيادات الأمنية الفاسدة. كما أنه سيطلب من المصريين أيضا العودة إلى العمل. وقال مصدر في الجيش إن المجلس الأعلى سيوجه تحذيراً إلى كل من يثير ''الفوضى ويخل بالنظام''. وأضاف أنه المتوقع أن يصدر بيان المجلس اليوم الاثنين (أمس). وأكد المصدر أن الجيش سيقول إنه ''يؤكد الحق في التظاهر ويحميه''. قيادة الثورة تمسك بالمطالب واتفقت قيادات الثورة والقوى السياسية على أنه يتعين على المجلس العسكري الحاكم الاستجابة لمطالب أخرى لا تقل أهمية عن حل البرلمان، والتأسيس لدستور جديد، وعلى رأسها إنهاء حالة الطوارئ السارية منذ 1981 بمقتضى قانون الطوارئ لسنة 1958, وإطلاق كل المعتقلين السياسيين بمن فيهم الذين اعتقلوا في الثورة. وشدد قادة ثورة 25 يناير في بيان أصدروه أول أمس على هذين المطلبين، وأعلنوا أنهم سينظمون الجمعة المقبل مسيرة مليونية احتفالا بالنصر، واستكمالا للثورة حتى تحقق كل مطالب الشعب. ومن المقرر الإعلان الجمعة المقبل بمناسبة المسيرة المليونية المرتقبة عن تشكيل مجلس أمناء على الثورة يضم جميع أطياف المجتمع. ولتحقيق الأهداف المتبقية، يتمسك مشاركون في الثورة بمواصلة اعتصامهم في ميدان التحرير بالقاهرة، مطالبين المجلس العسكري بتحديد سقف زمني لتنفيذ تعهداته، إضافة إلى إنهاء حالة الطوارئ والإفراج عن معتقلي الثورة وإلغاء جهاز مباحث أمن الدولة. وكانت قوات الجيش قامت في الساعات الأولى من صباح أول أمس بفض خيام المتظاهرين وسط رفض الكثيرين ممن تمسكوا باستمرار الاعتصام، فيما أبقت قوات الجيش على عدد من الخيام الخاصة بأسر شهداء ثورة يناير والمصابين. وأعلن خالد عبد القادر عودة القيادي في حركة الاحتجاجات ألأول أمس، أن منظمي الاحتجاجات دعوا إلى ''مسيرة نصر'' مليونية في مختلف أنحاء مصر يوم الجمعة المقبل. وقال ''ندعو المصريين كي يقوموا بواجبهم وإعطاء الجيش فرصة للمضي قدما إلى المرحلة التالية''. وأضاف ''ندعو إلى مسيرة نصر مليونية يوم الجمعة في مختلف أنحاء مصر للاحتفال بمكاسب الثورة، وسنعلن عن أعضاء مجلس الأمناء (لحماية الثورة) يوم الجمعة''. وقالت وسائل إعلام عربية في ميدان التحرير إن حجم الاعتصام أصبح منذ صباح أول أمس الأحد متواضعا جدا، مشيرا إلى أن الشرطة العسكرية تسيطر على الموقف بكامله. بدوره، وعقب محاولة الشرطة العسكرية إخلاء قسم من المعتصمين في ميدان التحرير الذي بدأت حركة السير تنساب حوله بصوة طبيعية تقريبا قال محمود نصار الناشط في حركة ثورة شباب 25 يناير إن الاعتصام والاحتجاج مستمران حتى تلبية المطالب. وأضاف أن عدم تحديد سقف زمني لتنفيذ مطالب الثورة، وعدم الاستجابة لبعضها حتى الآن، إضافة إلى استمرار حكومة شفيق، لا يلقى قبولا بين عدد من الثوار رغم ترحيبهم بقرارات المجلس العسكري. وتتضمن مطالب ثورة الشعب المصري إنشاء مجلس حكم رئاسي انتقالي يضم خمسة أعضاء بينهم شخصية عسكرية وأربعة رموز مدنية على ألا يحق لأي عضو منهم الترشح لأول انتخابات رئاسية قادمة، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة تهيئ لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في نهاية الفترة الانتقالية في مدة لا تزيد عن تسعة أشهر. ولا يجوز لهم الترشح لأول انتخابات رئاسية أو برلمانية. كما تحوي المطالب تشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور ديمقراطي جديد، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب على أسس مدنية وديمقراطية وسلمية وإطلاق حرية الإعلام وتداول المعلومات وإطلاق حرية التنظيم النقابي وتكوين منظمات المجتمع المدني وإلغاء كافة المحاكم العسكرية والاستثنائية وكل الأحكام التي صدرت بحق مدنيين من خلال هذه المحاكم. ''الإخوان'': ضرورة إصلاحات فورية وفي إطار ردود الفعل على قرارات المجلس العسكري، دعت جماعة الإخوان المسلمين في مصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة لاتخاذ عدد من الإجراءات العاجلة، من بينها الإفراج الفوري عن كل المعتقلين الذين شاركوا في الاحتجاجات الأخيرة، وإصدار عفو عام عن كل المسجونين السياسيين، وإلغاء حالة الطوارئ. وأكدت الجماعة على ضرورة الشروع في خطوات الإصلاح بإجراء انتخابات برلمانية ''نزيهة'' وتحت إشراف قضائي كامل. جاء ذلك في بيان أصدرته الجماعة، أول أمس، بشأن القرار الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية في اليوم نفسه وعلق بموجبه العمل بالدستور. وحدد البيان الذي نشره الموقع الرسمي للجماعة ستة إجراءات قال إن إصدارها لا يحتاج لوقت، وهي الإفراج الفوري عن كل المعتقلين بسبب اشتراكهم فى المظاهرات حسب الوعد بعدم ملاحقتهم أو المساس بهم، وإصدار عفو عام عن كل المسجونين السياسيين بمقتضى أحكام صادرة من محاكم استئنائية. ومن بين تلك الإجراءات كذلك إلغاء حالة الطوارئ في البلاد أو تحديد أجل قريب لإلغائها، وإطلاق الحريات العامة، والإسراع بتشكيل وزارة جديدة من ذوي الكفاءة والأمانة المقبولين لدى الشعب، وكشف حالات الفساد وإحالتها للتحقيق، والإسراع في التحقيق مع المعتدين على المتظاهرين وفي الجرائم التي ارتكبها جهاز مباحث أمن الدولة. وأضاف البيان أن من شأن التعجيل بتنفيذ تلك الإجراءات، أو تحديد موعد زمني بذلك أن يطمئن الشعب ويعمق الثقة بينه وبين الجيش. وكانت جماعة الإخوان المسلمين في مصر قد جددت في وقت سابق تأكيدها أنها لا تسعى إلى السلطة، ولذلك لن يرشحوا أحدا منهم لمنصب الرئاسة، ولن يسعوا إلى الحصول على أغلبية في البرلمان. مواقف مرحبة أما أيمن نور الزعيم السابق لحزب الغد المعارض فاعتبر، من جهته، أن الإجراءات التي اتخذها المجلس العسكري الحاكم ينبغي أن ترضي الشعب، ودعا إلى الحوار مع الجيش لوضع دستور مؤقت لحكم البلاد في الفترة المقبلة. واعتبر نائب رئيس محكمة النقض أحمد مكي قرارات المجلس بداية الاستجابة للمطالب الشعبية، وعلق رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حافظ أبو سعدة على القرارات قائلا إنها ''تعني أن النظام السابق سقط تماما''. وقال الفقيه الدستوري يحيى الجمل إن الفترة الانتقالية المعلنة كافية لإعداد إجراءات من شأنها انتقال السلطة سلميا وفق دستور يتناسب مع ثورة مصر وطموحات شعبها ويضمن التأسيس لجمهورية برلمانية ودولة مدنية. ووصف جورج إسحاق عضو الجمعية الوطنية للتغيير البيان بأنه يمثل ''خطوة مهمة''. استقالات جماعية في سياق آخر، قدم المئات من أعضاء الهيئة البرلمانية للحزب الوطني الديمقراطي في مصر وقياداته استقالاتهم لأمين تنظيم الحزب محمد رجب، في حين نزعت صور الرئيس المخلوع حسني مبارك من الشوارع والمكاتب الحكومية في أنحاء البلاد. ونقلت فضائية ''الجزيرة'' عن مراسلها في القاهرة أن حالة من الهروب الجماعي تجتاح صفوف وقيادات الحزب الوطني بعد سقوط النظام في محاولة على ما يبدو للتبرؤ منه في ظل التغيرات القائمة. ولفتت إلى أن الهروب طال حتى الموقع الرسمي للحزب على شبكة الإنترنت إذ لم تقدم محركات البحث سوى أخبار الاستقالات المتتالية لأعضاء الحزب والتعرض لمقاره المختلفة في أنحاء البلاد منذ اندلاع ثورة الشباب في الخامس والعشرين من يناير المنصرم. وأوضحت أن أمين التنظيم في الحزب الوطني اعتذر عن الرد على أسئلة ''الجزيرة'' حول مستقبل الحزب الذي أصبح بلا رئيس وبلا قيادات حتى على المستوى المحلي مع الإشارة إلى أن الأمين العام وأمين عام السياسات في الحزب الوطني حسام البدراوي كان قد استقال قبل إعلان الرئيس حسني مبارك تنحيه عن السلطة. وبرر البدراوي قراره بأنه بات من المستحيل تغيير الانطباع السائد عن الحزب داعيا إلى تأسيس أحزاب جديدة دون أن يستبعد أن يشكل هو شخصيا حزبا يضم الشباب. نزع صور ''مبارك'' وفي خطوة لافتة لقطع الصلة بالرئيس المخلوع، انتزعت رسميا أول أمس صور حسني مبارك المنتشرة في أنحاء البلاد من المكاتب الحكومية والشوارع بما فيها صورته العملاقة المنصوبة في الأكاديمية العسكرية في منطقة ''هيليوبوليس'' بالقاهرة وهي المنطقة التي تضم أيضا مقر القيادة المركزية للجيش المصري. وطالب المحتجون كذلك بتحويل تسمية أكاديمية مبارك للأمن إلى أكاديمية خالد سعيد للشرطة، في إشارة إلى شاب يبلغ عمره 28 عاما تردد أنه تم تعذيبه حتى الموت على أيدي الشرطة، بمدينة الإسكندرية المصرية مما أثار احتجاجات شعبية عارمة. وينسحب الوضع نفسه أيضا على رؤساء تحرير ومسؤولي المؤسسات الإعلامية في عهد الرئيس المخلوع، حيث يتعرضون لاحتجاجات الموظفين الذين يتهمون هؤلاء المسؤولين بالفساد ومحاباة النظام وخدمة توجهاته السياسية.