أثار قرار السلطات العمومية القاضي بالعودة مجددا إلى الاقتراض من الأسواق المالية الدولية العديد من التساؤلات في أوساط المهتمين والمتتبعين. فقد اعتبر البعض هذا القرار بمثابة خطوة جديدة في اتجاه تكريس "ارتهان الاقتصاد المغربي" لتوجيهات وإملاءات المؤسسات المالية الدولية. وفي هذا الصدد قال الدكتور لحسن الداودي أستاذالإقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط "إن لجوء المغرب إلى الاقتراض من الخارج سيؤسس مرة أخرى لسياسة خطيرة تتمثل في تحكم المؤسسات الدولية في خيارات المغرب التنموية أكثر فأكثر. ويعد قرار السلطات العمومية بإصادر سندات دولية بقيمة 500 مليون دولار أمريكي تحت إشراف مؤسستي "ب ن ب باريبا" و>مريل لينش"، الأول من نوعه في صيرورة تعامل المغرب مع السوق المالية الدولية. يأتي هذا القرار في وقت أعلن فيه السيد فتح الله ولعلو وزير الاقتصاد والمالية والخوصصة والسياحة خلال ندوة عقدت بالرباط مؤخرا، أن حجم الدين العمومي للمغرب انخفض إلى 287.3 مليار درهم مع متم شهر دجنبر 2001، منها 115.5 مليار درهم كديون خارجية، و175.8 مليار درهم كديون داخلية. ويبرز هذا القرار أيضا في سياق الحديث عن الجهود المبذولة من طرف الحكومة المغربية بشأن موضوع الإيفاء بالدين الخارجي حيث أكد فتح الله العلو خلال أطوار مناقشة قانون المالية 2002، أن الحكومة استطاعت أن تخفض من حجم الدين الخارجي إلى حدود 15 مليار دولار مقابل 19 مليار دولار كانت مسجلة قبل أربع سنوات. فقد يكون إذن هذا القرار بمثابة مؤشر قوي على زيف الأرقام التي أدلى بها المسؤولون المغاربة بشأن "سياسة التدبير النشط للدين العمومي" و"معالجة المديونية الخارجية". وبخصوص هذه الأرقام المصرح بها قال الدكتور لحسن الداودي، "على الحكومة أن تحدد مفهوما دقيقا للمديونية الخارجية حتى نقف على حقيقة حجم هذه الديون، هل تتضمن الشق المتعلق بالدولة فقط أم أنها تتجاوزها إلى الشق المرتبط بديون المقاولات العمومية وكذا الديون التجارية قصيرة المدى"، وأضاف قائلا: "على الحكومة أن تحدد لنا محتوى هذه المديونية". وقد يكون هذا القرار أيضا بمثابة دليل قاطع على فشل الحكومة في تحصيل موارد مالية لتدبير الشأن العام في ظل غياب مداخيل حقيقية تعكس قوة الاقتصاد الوطني. ويتجلى ذلك من خلال تراجع موارد الدولة بنسبة 3.1% برسم ميزانية 2002 ،وعلى رأسها مداخيل الخوصصة التي يتوقع أن تنخفظ بنسبة 41% خلال هذه السنة، يضاف إلى ذلك إمكانية تقلص حجم تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بعد الانتعاشة التي شهدها خلال السنة الماضية. وفي هذا الإطار قال الدكتور لحسن الداودي: "لم يكن أمام المغرب خيار آخر غير اللجوء إلى الاقتراض من الخارج فقد فشلت الحكومة في بلورة ما تعهدت به وأهدت بالتالي الشعب المغرب مزيدا من الديون الخارجية ومزيدا من الأعباء في المستقبل"، واستطرد قائلا: "لقد دخلت الحكومة في النفق المسدود عندما لجأت إلى إصدار سندات دولية، وهي تظن أنها بفعلها هذا ستكسب ثقة الشعب بينما هي تزيده أعباء ومصائب داخلية وخارجية". وبخصوص التفسيرات التي ذهبت إلى القول بأن لجوء المغرب إلى الاقتراض من الخارج جاء بناء على تحسن في المؤشرات الاقتصادية وبخاصة رصيد الصادرات والواردات وتحويلات المغارب المقيمين بالخارج، أشار الدكتور لحسن الداودي إلى أن نسبة تغطية الصادرات للواردات تسجل عجزا مستمرا بلغ حتى الآن ما يناهز 60% وقال: "إذا استمر الجفاف تراجع حجم الصادرات فإن المغرب سيصير عاجزا عن تسديد ديونه وبالتالي سيعود إلى أزمة 1982 التي أفضت إلى اعتماد سياسة التقويم الهيكلي". هكذا وإذا كانت الديون الخارجية قدعرفت انخفاظا على فرض صحة المعلومات بمعدل مليار دولار في السنة فإن الديون الداخلية شهدت ارتفاعا كبيرا. فقد بلغ حجم هذه الديون 175.8 مليار درهم وهو ما يشكل تهديدا مباشرا للاستثمار، ذلك أن الدولة بإصدارها بسندات داخلية تمتص السيولة الموجودة في الأبناك، هذه الأخيرة تفضل إقراض الدولة لعدم وجود مخاطر بدل استغلال هذه الادخارات من أجل تحريك عجلة الاقتصاد وتمويل مشاريع الاستثمار. وحيال هذه الإشكالية الخطيرة قال الدكتور لحسن: "إن الدولة عندما تلجأ للاقتراض من البنوك الداخلية فإنها تقوم باستنزاف الادخار الوطني الذي أودعه المواطنون، ذلك أن الأبناك تفضل إقراض الدولة عوض المخاطرة بأموالها وادخارتها في الاستثمار.. وهو ما يؤثر على نسب فوائد القروض التي تبقى مرتفعة، وأوضح قائلا: "كان من الواجب على الدولة أن تدعم المستثمر لكنها على العكس من ذلك صارت عائقا أمام مبادراته.. فالدولة إذا تخدم مصلحة البنوك وتعيق الاستثمار". وتأسيسا على ما سبق فإن الالتجاء إلى الاقتراض من الخارج سيزيد من تبعية الاقتصاد المغربي للمؤسسات المالية الدولية الخاصة منها والعامة، كما أن الإفراط في الاقتراض الداخلي سيعيق عملية الاستثمار ولذلك وجب على الدولة أن تبحث على مصادر جديدة وتعبئ موارد إضافية لتمويل الخزينة. يشار إلى أن نسبة الدين الخارجي للخزينة من الناتج الداخلي الخام تصل إلى 29.2% وأن نسبة الدين الداخلي من الناتج الداخلي الخام تبلغ 46% وهو ما يعني نسبة إجمالية في حدود 75.2. محمد أفزاز