مع حلول العهد الجديد أرسل الملك محمد السادس جملة من الإشارات، سارت في اتجاه الحث على ضرورة اعتماد الشفافية كأنجع سبيل لتخليق الحياة العامة. وفي هذا الإطار كثر الحديث مؤخرا حول قانون التصريح بالممتلكات، "حفيد" الشعار الذي تم رفعه منذ الاستقلال، "من أين لك هذا؟"، وتناسلت تساؤلات حول هذا القانون وحول المعنيين به وحول حق الشعب المغربي في معرفة ممتلكات القائمين على الأمور وعلى رأسهم الملك.. وفي خضم هذه التساؤلات، برز سؤال استأثر باهتمام الكثيرين، وهو: هل يصرح الملك بممتلكاته ليكون قدوة للآخرين؟ علما أن أجر الملك لا يعتبر أعلى أجر بالمغرب. على سبيل البدء التصريح بالممتلكات، قانون وضع ضمن رؤية حددت مقاصد توفير آليات وسائل لتخليق الحياة العامة، التي ظل ينادي بها الجميع منذ حصول البلاد على استقلالها. وقانون التصريح بالممتلكات هو إحدى هذه الآليات، ورغم أنه أقل أهمية مقارنة بآليات أخرى، فإنه مدخل لا مندوحة منه. وباعتبار أن الملك محمد السادس، في ظل عجز الأحزاب السياسية عن القيام بالدور المنوط بها كاملا غير منقوص، وفي ظل البطء الشديد لأداء الحكومة، وأحيانا لعثراتها، دأب على أخذ المبادرة لتسريع الوتيرة، فارتفعت أصوات تنادي بقدوم الملك على التصريح بممتلكاته ليكون قدوة للآخرين في هذا المجال، كما سبق له وأن كان قدوة في مجالات ومناسبات أخرى. إلا أن المواقف تباينت بهذا الخصوص؛ فهناك موقف يرى أن على الملك، كقائم على الشأن العام، أن يصرح بممتلكاته عملا بمقتضيات دولة الحق والقانون وقواعد التجاوب الحضاري، في حين يرى البعض الآخر أن الملكية بالمغرب فوق الدستور والقانون، وبالتالي لا يمكن تصور تحقيق مثل هذه المبادرة، حتى لو كانت غايتها إعطاء المثل وتشكيل القدوة. ومهما يكن من أمر، إن الملك بالمغرب يسود ويحكم، ويتدخل في مختلف المجالات. يعين الوزير الأول، وهو رئيس السلطة التنفيذية، ويمكنه الإقرار بقوانين بواسطة الظهائر الملكية، ولا يمكن تطبيق أي قانون دون المصادقة عليه من طرفه، وله صلاحية رفض أي مشروع قانون وإعادة عرضه على البرلمان قصد التعديل، وليس من حق هذا الأخير أن يمتنع عن ذلك، وإن لم يتم التعديل، فللملك حق اللجوء إلى الاستفتاء. فالملك بالمغرب مؤسسة تحتكر السلطة، وهو سلطة لا تحاسب ولا تساءل، لا سياسيا ولا قضائيا. وعلى هذا الأساس يرتكز أصحاب الرأي، الذي يستبعد قيام الملك بمبادرة التصريح بممتلكاته ليكون قدوة للآخرين. لكن من جهة أخرى، إن ثروة الملك بالمغرب لم تعد سرا، ولم تعد تحجبها الخطوط الحمراء، وقد ساهمت الصحافة المستقلة في تكسير الطابو المرتبط بها، وكذلك – وهذا غالبا ما يتناساه الكثيرون – ساهم في تكسيره استعداد الملك محمد السادس، عبر جملة من الإشارات، لاعتماد الشفافية كركن من أركان الحكامة الجديدة، كما أن الميزانية العامة هي التي تمول راتب الملك وأعوانه والعائلة الملكية ومصاريف القصور والإقامات الملكية والحاشية والخدم والعاملين بالهيئات المحدثة خارج إطار الحكومة والهيئات المخصصة لبعض الجهات، وهذا هو المدخل الذي يرى من خلاله البعض إمكانية تحقيق قيام الملك بمبادرة التصريح بممتلكاته. فهل يمكن مطالبة الملك بذلك، ليكون قدوة للمسؤولين الكبار والقائمين على الأمور للقيام بالمثل، ليس لمجرد تطبيق إجراءات ينص عليها القانون وإنما توخيا للشفافية؟ التصريح بالممتلكات.. هل ينطبق على الملك محمد السادس؟ التصريح بالممتلكات إجراء ينطبق على أصناف من المسؤولين والقائمين على الشأن العام بالمغرب، لغاية معلومة ومقاصد محددة، فهل ينطبق على رئيس الدولة؟ في واقع الأمر، وحسب اتفاق الكثير من المحللين السياسيين والمفكرين، إن إشكالية التصريح بالممتلكات مرتبطة أساسا بالانتقال من دولة الأشخاص إلى دولة المؤسسات، والمغرب قطع أشواطا هامة في عهد محمد السادس على درب ترسيخ هذه الدولة. لقد تأكد منذ فاتح نونبر 1999 أن الملك محمد السادس يريد تفعيل قانون التصريح بالممتلكات، وهذا ما أكدته الرسالة الملكية الموجهة للمناظرة، حول دعم الأخلاقيات في المرفق العام، المنعقدة بالرباط في غضون شهر أكتوبر من سنة 1999، والتي جاء فيها: "لابد من تفعيل قانون الإقرار بالممتلكات حتى يستجيب للآمال المنوطة به لوقاية الصرح الإداري من كل ما يخل بالسلوك المرغوب فيه"؛ وقد تزامنت هذه الرسالة مع الإقرار بأن المعطيات المتوفرة لدى العام والخاص تؤكد أن العديد من الأشخاص اغتنوا بمجرد دخولهم دواليب السلطة والسياسة، خاصة وأن التلاعبات في مجال الصفقات والأموال العمومية شكلت سبيلا من سبل الاغتناء المفضوح. ومما زاد الأمر تعقيدا إنه لا يمكن للمواطن الإعلام بالشبهات حتى ولو رآها بعينه، سواء تعلق الأمر بسرقة المال العام أو عمليات الارتشاء؛ ومن هنا تتأكد صعوبة متابعة أو ضبط المرتشين المتلاعبين بأموال ومؤسسات البلاد، مما فاقم هذه الصعوبة وجعلها من المعيقات الأساسية لنوايا الإصلاح إن وجدت. وحسب الكثيرين، تتأكد مبادرة الملك بالتصريح بممتلكاته كقدوة في ظل استمرار تعطيل تفعيل هذا القانون، هذا في الوقت الذي أضحى يتبين فيه أن غنى المسؤولين أصبح يتم بطرق "شبه شرعية"، مادامت لهم القدرة دائما على تأسيس شركات لأفراد عائلتهم وتكوين شبكات لتبادل الصفقات، ومادامت الأساليب متوفرة ومتعددة، بفعل تعدد ثغرات القوانين واستشراء الفساد والرشوة. علما أنه كيف ما كان الحال لن يكون التصريح بالممتلكات على شاكلة تصريح من أين لك هذا؟ من البديهي أن الملك غير ملزم من الناحية القانونية بالتصريح بممتلكاته أو بتأدية أي حساب كما يقال، لكن من الناحية الأخلاقية يمكن أن يقوم بذلك ليمثل القدوة الواجب إتباعها من طرف كبار المسؤولين والقائمين على الأمور عندنا، وإن الوضعية الاعتبارية ستجعل لهذه القدوة تأثيرا مباشرا وفوريا على أرض الواقع، أكثر من أي قانون مهما كانت قوته. ومن المعلوم أيضا أن قانون التصريح بالممتلكات بالمغرب ليس جديدا، وإنما سبق العمل به، إلا أن الصيغة التي طبق بها لم تترك أي أثر على أرض الواقع المعيش. وإذا كان شعار "من أين لك هذا؟" معروفا منذ فجر الاستقلال، فإن قانون التصريح بالممتلكات أثار لغطا وسخطا منذ منتصف السبعينيات. وبالرجوع إلى التاريخ يلاحظ أن شعار من أين لك هذا؟ هو شعار استقلالي بامتياز (نسبة لحزب الاستقلال)، وجاء آنذاك كمطالبة مباشرة لضرورة محاسبة ومساءلة القائمين على تدبير الشأن العام. لكن مع الأسف الشديد، وبالرغم من طرحه مبكرا، فقد ظل شعارا بدون محتوى وبدون آليات التفعيل. وأقصى ما وصل إليه سياسيونا أنهم دأبوا على استعماله لمجرد التلويح في الحملات الانتخابية، وللمزايدة في المعارك السياسية والصراعات الداخلية، وكانت النتيجة على أرض الواقع المعيش تزامن التلويح بهذا الشعار مع استفحال الثراء غير المشروع على حساب قضايا مصيرية كبرى وعلى حساب مصالح أوسع فئات الشعب المغربي؛ وقد ساعد على تكريس هذا الوضع اعتماد النظام على الامتيازات والولاءات، وتشجيع اقتصاد الريع وحشد آلياته وتوسيع دوائره بفضل المصاهرات العائلية والمحسوبية والزبونية. ومن المعلوم كذلك أن التصريح بالممتلكات أثار ضجة كبيرة قادتها المعارضة منذ 1995، ورغم الإقرار به ظلت كل إجراءات تفعيله مهملة وبذلك لم يتم تفعيله. وهذا رغم أن الذين رفعوا شعار "من أين لك هذا؟" أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، هم الذين تحملوا تدبير شؤون البلاد منذ سنة 1998، سواء ضمن حكومة عبد الرحمان اليوسفي أو حكومة إدريس جطو، ولم يخف على أحد أن المغاربة ظلوا ينتظرون على امتداد 50 سنة تفعيل "من أين لك هذا؟" ولم يسبق أن تم تفعيله ولو مرة واحدة، وبالمقابل ظلوا يعانون مختلف ألوان نهب الثروات والثراء غير المشروع على حساب الصالح العام ومستقبل البلاد. وبموازاة مع هذه السيرورة لم يتم الاهتمام قطعا بإشكالية ضرورة إعادة النظر في نمط توزيع الدخل والثروات، رغم أنها تشكل حجر زاوية أي تغيير فعلي، من شأنه تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع المعيش بالنسبة للأغلبية الساحقة من المغاربة. ومن هنا يبرز التساؤل: لماذا مازال القائمون على الأمور عندنا يتجنبون التطرق لهذه الإشكالية الجوهرية، إذ لا إصلاح ولا تغيير فعليين دون المرور عليها. وتظل الغاية من قانون التصريح بالممتلكات، هي التمكن من كشف حجم تطور ثراء الموظفين السامين والقائمين على الشأن العام وأصحاب المواقف النافذة لمصادر المال العام والاحتراز من الغنى غير المشروع. وهو ما يدخل في إطار توفير الشروط لمناهضة استغلال النفوذ والتصرف في المال العام دون وجه حق، وقطع الطريق على المرتشين والمتاجرين في الذمم على حساب الصالح العام. والتصريح بالممتلكات، في مناخ تسود فيه الديمقراطية، هو بمثابة وعد باعتماد النزاهة والشفافية اللتين بدونهما لن يستقيم تخليق الحياة العامة. لكن يبدو أن هناك أسبابا ودوافع ساهمت بقوة في عدم تفعيل قانون التصريح بالممتلكات وتطبيق ما يترتب عنه من إجراءات، فالأمر لم يكن يوما مرتبطا بفراغ قانوني وإنما بالإرادة السياسية، فلو حضرت الإرادة الصادقة لحماية المصلحة العامة، فإن المغرب يتوفر الآن على ترسانة من القوانين والآليات، على علتها ونواقصها، لكان تم تفعيلها إيجابيا. الملك محمد السادس فاعل اقتصادي يذهب أصحاب الرأي القائل بتصريح الملك بممتلكاته، انطلاقا من كونه القائم الأول على الشأن العام بالبلاد، لكن بجانب هذا الدور الأصلي الذي يقوم به الملك، فهو كذلك فاعل اقتصادي مهم بالمنظومة الاقتصادية الوطنية. وقد تباينت الآراء بخصوص الدور الاقتصادي للملك، فهناك من يراه عاديا لا يدعو لاستغراب، وهناك من يرى في هذا الوضع موطنا لتضارب المصالح بامتياز، وبالتالي فإنه لا يستجيب للمفهوم الليبرالي ومن شأنه أن ينال من شروط المنافسة. هكذا، وبالاعتماد على جملة من المعطيات المتوفرة، يقر البعض أن الملك أضحى الآن رجل الأعمال الأول والمقاول الزراعي الأول ممثلا إحدى أهم ثروات البلاد، إن لم تكن أهمها إطلاقا. إن الملك بالمغرب الآن فاعل اقتصادي أساسي، وفي هذا الصدد يعتقد البعض أن عليه أن يتخلى عن ممارسة أي نشاط اقتصادي. وأصحاب هذا الرأي يذهبون إلى حد المطالبة بتعديلات دستورية تنص على عدم ملاءمة السلطة الملكية مع أي نشاط اقتصادي، ويستدل هؤلاء بما عليه الحال بالمغرب بخصوص بعض الوظائف والمهن، فمثلا القضاة ممنوعون من ممارسة أي نشاط اقتصادي أو تجاري، وكذلك الأمر بخصوص المحامين. كما يعتبر أصحاب هذا الرأي أنه في ظل مرحلة الانتقال الديمقراطي، وجب تفادي وضعية تضارب المصالح، وبهذا الخصوص يرى هؤلاء إيجابية تخلي الملك عن لعب دور رجل الأعمال الأول والفاعل الاقتصادي الأساسي بالبلاد، حتى لا ينافس المقاولين ويسيطر على المنظومة الاقتصادية الوطنية، لاسيما وأن دوره حقق الهدف المنتظر منه، إذ عمل على تغيير وجه الرأسمالية المغربية كضرورة، لتأهيلها للتصدي لانعكاسات العولمة ومسايرة مقتضياتها. على هذا المسار واستجابة لضرورات ظرفية فرضها المناخ العالمي والتحولات الكونية، عمل الملك على تقوية موقع العائلة الملكية المالي والاقتصادي. وبذلك أصبح الفاعل الاقتصادي الأول، ويمكن ملاحظة هذه الحقيقة من خلال امتداد الحياة اليومية؛ فالحليب ومشتقاته والسكر وحلويات بيمو بمختلف أنواعها وزيت المائدة والماء المعدني ومصبرات السمك (مارونا) وغيرها، كلها من إنتاج شركات ووحدات تابعة ل "سيجر" أو "الشركة الوطنية للاستثمار" أو "أونا"، وكذلك الأسواق الكبرى التي تعرض بها في مختلف كبريات مدن المغرب (أسيما ومرجان)، ونفس الشيء بالنسبة لأهم مؤسسة بنكية موجودة حاليا بالمغرب (التجاري وفا بنك)، وهو ما يبين بجلاء ثقل المصالح الاقتصادية الملكية، ضمن المنظومة الاقتصادية المغربية. في بداية عهد الملك محمد السادس راجت بعض الإشاعات، مفادها أن العائلة الملكية تسعى لتخفيف ثقلها الاقتصادي، آنذاك قيل بأن الأمير السعودي وليد بن طلال، مهتم باقتناء مجموعة "أونا"، إلا أن العكس هو الذي حدث، حيث تقوى موقع العائلة الملكية في الدوائر الاقتصادية بالبلاد. وقد تحقق ذلك بفضل الفريق الاقتصادي والمالي للملك، وهؤلاء أشخاص يحيطون بالملك، كفاعل اقتصادي ورجل أعمال، بعيدا عن السياسية وقضايا تدبير الشأن العام، وتتكون نواتهم من منير الماجدي (سيجير، الكتابة الخاصة للملك)، سعد بنديدي (أونا)، خالد الودغيري (التجاري وفا بنك)، باسم الشجعي حكيمي (رجل الدراسات الإستراتيجية)، رشيد سليمي (رجل التواصل واستغلال المعلومة) وحسن بوحمو؛ هؤلاء هم الذين هندسوا لتنمية الثروة الملكية وإعادة هيكلة وتقعيد المصالح الاقتصادية الملكية، بفضل ثلاث لبنات اقتصادية ومالية قوية: "سيجر" و"الشركة الوطنية للاستثمار" و"مجموعة أونا". فسيجر تتحكم في 67 في المائة من رأسمال الشركة الوطنية للاستثمار و5 في المائة من رأسمال "أونا"؛ والشركة الوطنية للاستثمار، التي تحقق أكثر من 305 مليون درهم كأرباح، تتحكم في 33 في المائة من رأسمال "أونا" و 50 في المائة من رأسمال صونا صيد (الصلب والحديد) و20 في المائة من رأسمال لافارج (قطاع الاسمنت)؛ أما مجموعة "أونا"، صاحبة 26133 مليون درهم كرقم معاملات، وأكثر من 337 مليون درهم كأرباح، تتحكم في 51 في المائة من رأسمال أسواق مرجان و51 في المائة بخصوص أسواق أسيما، و91 في المائة من شركة "سوبريام"، هذا فيما يخص قطاع التوزيع، وفي القطاع المنجمي تتحكم "أونا" في 75 في المائة من رأسمال شركة "مناجم" الرائدة في قطاعها، وفي القطاع المالي والمصرفي تملك "أونا" 30 في المائة من رأسمال التجاري وفا بنك، و49 في المائة من مجموعة "أكسا" و50 في المائة من رأسمال "أكما"، أما في قطاع الصناعات الغذائية تتحكم "أونا" في 55 في المائة من رأسمال مركزية الحليب و55 في المائة بخصوص "كوزيمار"، وتملك 56 في المائة من رأسمال "لوسيور كريسطال" و50 في المائة من رأسمال "بيمو" و30 في المائة من رأسمال "سوتيرما". إن هذه الهيمنة الاقتصادية والمالية جعلت من الملك فاعلا اقتصاديا، مكنته عبر جملة من الشركات المتحكمة في أهم قطاعات الإنتاج بالمنظومة الاقتصادية الوطنية من تغيير وجه الرأسمالية المغربية، انطلاقا من الرؤية المبلورة والإستراتيجية المعتمدة من طرف فريقه الاقتصادي القائم على تدبير شؤون المجموعة الملكية (سينجر – سني – أونا)؛ وشكل التحكم في القطاع البنكي رأس الحربة لتفعيل هذه الرؤية الكامنة وراء تحويل الرأسمالية المغربية، وقد تأكد هذا المنحى بوضوح منذ 2004، إذ لاحظ الجميع معالم الوجه الجديد لرأسمالية المغرب، وهذا ما تأكد عندما تمكن التجاري وفا بنك من تحقيق ما يناهز مليار درهم (100 مليار سنتيما)، كأرباح برسم 6 شهور الأولى فقط من هذه السنة (2006). ثروة الملك محمد السادس يعد الملك من بين أثرياء العالم، وحسب المتتبعين للشأن المغربي، إن الثروة الملكية تطورت بسرعة. وحسب جملة من المحللين الاقتصاديين والماليين لم يكن الملك الراحل محمد الخامس، جد الملك محمد السادس، يتوفر على ثروة ضخمة عندما حصل المغرب على استقلاله سنة 1956. إلا أن العائلة الملكية راكمت ثروات مهمة خلال حكم الملك الراحل الحسن الثاني، والذي اعتبره المحللون الاقتصاديون من رجال الأعمال الأوائل بالمغرب الذين استثمروا بقوة بالمغرب ووظفوا جزءا هاما من ثروتهم بالخارج. وبثروته ومصالحه الاقتصادية، يعد الملك حاليا من كبار المقاولين والمصرفيين والمنعشين الزراعيين بالمغرب، وذلك اعتبارا للموقع الذي يحتله في عالم الأعمال، إذ يشكل قوة لها ثقلها الظاهر في المنظمة الاقتصادية والمالية بالمغرب، ويظل الثلاثي "سيجر – الشركة الوطنية للاستثمار – أونا" رأس حربة الثروة الملكية بالمغرب، وبفضله تموقع الملك كرجل أعمال في مختلف القطاعات الحيوية (الأبناك، الصناعات الغذائية، المناجم، التوزيع، الاتصالات...). وقد تضاربت الآراء حول تقدير حجم الثروة الملكية، ولعل أول جهة اهتمت بهذه القضية المجلة الأمريكية المتخصصة في مجال الأعمال "فوربيس" (FORBES)، فقد سبق لها منذ سنوات أن قدرت الثروة الملكية (أموال وعقارات بالمغرب وخارجه) ما بين 4 إلى 5 ملايير دولار (ما بين 40 إلى 50 مليار درهم). وكانت هذه المجلة تدرج ملك المغرب في قائمة الشخصيات الأكثر ثراء في العالم كل سنة، إلا أنه قبل وفاة الملك الراحل الحسن الثاني بسنوات، توقفت عن إدراج اسم ملك المغرب ضمن لائحتها. أما المصادر الغربية، لاسيما الأوروبية منها، فقد سارت نحو تقدير ثروة الملك بما يناهز 40 مليار دولار (400 مليار درهم)، جزء كبير منها مستثمر بالخارج، كما أشارت بعض الصحف الإسبانية إلى أن الملك الراحل الحسن الثاني، كان بحوزته أكثر من 20 حساب بنكي بالخارج. وبخصوص المصادر المغربية، ذهبت بعض وسائل الإعلام المغربية، الصادرة بالعربية والفرنسية إلى تقدير الثروة الملكية بما يناهز 500 مليون دولار (5.5 مليار درهم أو 550 مليار سنتيم)، مشيرة إلى أنه أقل تقدير ممكن، اعتبارا لعدم توفر معطيات دقيقة عن الحسابات البنكية ومختلف الأملاك والأسهم التي يملكها. ومن المغاربة القلائل الذين اهتموا عن قرب بالثروة الملكية عبد المومن الديوري، الذي قدر الثروة الملكية المودعة بالأبناك الفرنسية والأمريكية وسويسرا (10 أبناك)، بما يناهز 10 ملايير فرنك فرنسي، تنضاف إليها عقارات وإقامات بباريس ونيويورك وأسهم وسندات مالية. ففي غضون التسعينيات كان عبد المومن الديوري من الأوائل الذين جازفوا بمحاولتهم جرد جملة من التفاصيل عن الثروة الملكية، إلا أن القصر الملكي كذب كل ما نشره في أوانه، وحسب حصيلة الديوري، التي نفاها القصر جملة وتفصيلا، تتكون الثروة الملكية في مجملها من: - 10 ملايير فرنك فرنسي، كأموال مودعة بالخارج. - 20 قصرا بالمغرب. - ألاف الهكتارات من الأراضي الزراعية (أغلبها من الأراضي المسترجعة من المعمرين سنة 1963). - مجموعة "أونا" المتواجدة في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني. - عقارات بباريس ونيويورك، منها آنذاك "أرمانفيل" الذي يضم 200 غرفة ومحاطا ب 400 هكتار من الأراضي. - أسهم وسندات أمريكية وأوروبية. أما الشيخ عبد السلام ياسين، مرشد جماعة العدل والإحسان، فقد ذهب في رسالته "مذكرة إلى من يهمه الأمر" إلى تقدير الثروة الملكية بما يناهز 20 مليار دولار (200 مليار درهم)، علما أن أغلب المحللين اعتبروا أن هذا الرقم لا يستند إلى معطيات دقيقة، ومما جاء في هذه الرسالة.. "خلف الملك الراحل الحسن الثاني ثروة خيالية...."، كما طالب الشيخ، الملك محمد السادس، بالتخلي عن تلك الثروة الموروثة وتخصيصها لتغطية الديون الخارجية. ومن الأقوال المرتبطة بالثروة الملكية، يمكن الإشارة إلى أن محمد اليازغي سبق له في بداية عهد الملك محمد السادس، أن قال إن الثروة الملكية والقصور ملك للشعب المغربي، وقد صرح بذلك، خارج المغرب، وتحديدا بالديار المصرية. أما محمد الساسي فقد صرح قائلا بأن الملكية بالمغرب، عليها أن تكون ملكية غير مكلفة، في حين ذهب عبر الرحيم برادة إلى مطالبة الملك بالتصريح بممتلكاته. راتب الملك محمد السادس يجمع كل الديمقراطيين على أن الإعلان عن أجر الملك، يعتبر فعل مواطنة تقتضيه قواعد التجاوب الحضاري ومستلزمات الشفافية المرتبطة بتخصيص الثروات الوطنية، وبذلك يكون راتب الملك، أمرا يقع في جوهر الشأن العام. إن أجر الملك، كفاعل عمومي قائم على الشأن العام بالبلاد، يرد بالميزانية العامة ضمن ميزانية البلاط، وبالضبط بفصل "القائمة المدنية للملك"، علما أن هذا الفصل يضم الراتب الشهري لرئيس الدولة وكذلك رواتب أفراد العائلة الملكية، لكن دون تفصيلات، إذ غالبا ما يتم الاقتصار على تحديد المبلغ الإجمالي. وعموما فإن مختلف المصادر الإعلامية تجمع على أن أجر الملك الشهري يناهز 400 ألف درهم، علما أن أجره عندما كان وليا للعهد، خلال حياة والده الراحل، لم يكن يتجاوز 15 ألف درهم. ومن المعلوم أن القانون المالي ليس مجرد وثيقة محاسباتية أو موازنة بين المداخيل والمصاريف، وإنما هي وثيقة تعكس توجها واختيارات ونمطا معينا للتدبير والحكامة، والمعلومات الواردة في قانون المالية، لاسيما بخصوص ميزانية البلاط، سواء منه شق التسيير أو شق الاستثمار، لا تسمح بتدقيق أجر الملك وفرزه عن الباقي. ومهما يكن من أمر، إن أجر الملك الذي لا يتجاوز 4.8 مليون درهم سنويا، لا يعتبر أعلى أجر موجود بالمغرب، بل هناك مسؤولين كبار يتقاضون أجورا أعلى من هذا الأجر، علما أن هناك بنودا أخرى تتضمنها ميزانية البلاط وغير محسوبة ضمن الأجر. وفي هذا الصدد، هناك تساؤل حاول الكثيرون الإجابة عليه، لكنهم لم يفلحوا إلى حد الآن وهو: هل الملك يؤدي الضرائب، وهل راتبه خاضع لها؟ أغلب الذين طرحنا عليهم هذا السؤال، من ذوي الاختصاص الاقتصاديين والماليين والجبائيين، يجمعون على أنهم لا يتوفرون على أي معطى يمكن الارتكاز عليه للإجابة عن بينة وحسن إطلاع. واعتبارا لغياب المعطيات الدقيقة بهذا الخصوص، لا يمكن اللجوء إلا للاحتمال، وأهم هذه الاحتمالات هو إن كانت الأرقام المثبتة في الميزانية، في بند "اللائحة المدنية للملك"، أرقاما خام (غير صافية)، فهذا يعني أنها لن تكون أرقاما صافية إلا بعد خصم الضرائب منها. واعتمادا على اللوائح المتوفرة بهذا الخصوص والمقررة من طرف النصوص والمساطر الجبائية، فإن أجر الملك يقع ضمن الفئة المطبق عليها نسبة 44 في المائة كضريبة على الدخل العام، علما أن هناك جملة من الإجراءات الاستثنائية بخصوص علاقة رؤساء الدول بأداء الضرائب، وهو ما يجري به العمل في أكثر من دولة الآن، اللهم إذا كانت هناك نصوص تقر بإعفاء الملكية بالمغرب من أداء الضرائب، اعتبارا لوضعيتها المميزة دستوريا وعرفيا. ميزانية البلاط الملكي تعتبر ميزانية البلاط جزءا لا يتجزأ من الميزانية العامة للدولة، وبذلك تكون في صميم الشأن العمومي الذي يهم جميع المواطنين ما دام يمولها دافعو الضرائب، أي أنها من المال العام. وعموما تكلف ميزانية البلاط أكثر من مليارين ونصف المليار درهم سنويا، أي ما يناهز 210 مليون درهم في الشهر، أو 7 ملايين درهم في اليوم، في المتوسط (234 ألف درهم في الساعة أو 3900 درهم في الدقيقة)، والأمر هنا لا يتعلق بشخص الملك، ولكن بالملك كمؤسسة. وقد عرفت هذه الميزانية تطورا منذ سنة 1999. بعد أن عرفت انخفاضا سنة 1998، لتسير نحو الارتفاع من سنة 2000 إلى 2006، وقد بلغت نسبة هذا الارتفاع ما بين 37 و41 في المائة، وفي سنة 2006 عرفت ارتفاعا مقارنة بسنة 2005 لاسيما بخصوص نفقات الملك. وقد تزامنت هذه الزيادة مع زيادة في النسبة الخاصة بالضريبة على القيمة المضافة التي ساهمت في ارتفاع أسعار بعض مواد الاستهلاك الأساسية، علما أن القانون المالي تم إعداده تحت شعار: "ضمان مواصلة مجهود التحكم في النفقات وترشيدها"، فهذا القانون كرس ارتفاع نسبة تلك الضريبة من 7 إلى 10 في المائة، بخصوص بعض المواد الاستهلاكية الأساسية و14 في المائة بخصوص مواد أخرى، بل وصلت نسبة ارتفاعها في بعض الحالات إلى 20 في المائة، فهل زيادة ميزانية البلاط لم تكن ممكنة إلا عبر المزيد من إثقال الحمل الضريبي الذي يثقل كاهل المواطن؟ نترك الجواب على هذا السؤال لفتح الله والعلو المسكون بهاجس التوازنات المالية منذ أن استوزر، فمنذ ذلك الوقت أضحى قاموسه التبريري لا يفوق عدد كلماته 15 كلمة، يمكن اختزالها فيما يلي: "إكراهات فاتورة البترول، إكراهات مبادرة التنمية البشرية، الجفاف، استنفاذ فرص الخوصصة، توازنات الميكرو والماكرواقتصادية، الظرفية العالمية"، إذ منذ أن أصبح وزيرا للمالية لم تخل خطاباته وتصريحاته من هذه الوصفة الدائمة والمستدامة، حتى أضحى المواطن يعرف أحيانا بالضبط الكلمات التي سيتلفظ بها كلما سئل عن الوضع المالي أو الاقتصادي للبلاد، لأنه حفظها عن ظهر قلب لكثرة ترديدها على مسامعه. ومقارنة مع ميزانية التسيير المخصصة للوزارة الأولى برسم سنة 2006 التي تقدر ب 84 مليون درهم، فإن ميزانية البلاط تفوقها بأكثر من 22 مرة، كما أن ميزانية البلاط وميزانية الوزارة الأولى تمثلان معا ما يناهز 96 في المائة من الميزانية المخصصة للقضاء و45 في المائة من الميزانية الصحة و8 في المائة من ميزانية التربية الوطنية، ومقارنة لما هو عليه الحال بدول أخرى تبدو هذه النسبة ثقيلة. ورغم أهمية ميزانية البلاط، فإنها مازالت غير خاضعة للمناقشة، إذ منذ أن حصل المغرب على الاستقلال لم يسبق لأي برلمان وفي أي دورة تشريعية أن ناقش هذه الميزانية، ولم يسبق أن سمعنا عن موقف أو طرح سؤال بخصوصها، وإنما ظلت القاعدة هي المصادقة جملة وتفصيلا، علما أنها ليست ميزانية استثنائية ولا وجود لأي نص مكتوب أو أي تعليمات شفوية، مباشرة أو غير مباشرة، أو مجرد تلميحات بخصوص عدم مناقشتها، لكن جرت العادة منذ أول برلمان عرفه المغرب، بالمصادقة عليها دون مناقشة، ويبدو أن البرلمانيين أنفسهم هم الذين، أقروا من تلقاء أنفسهم بهذا الخط الأحمر المانع للتطرق لميزانية البلاط. بالرجوع إلى الوراء نجد أن المغرب في فجر الاستقلال، اعتمد على النهج الغربي في إعداد ميزانية البلاط، لاسيما الملكيات الأوروبية، وكانت أول ميزانية بلاط بالمغرب قدمت لمجلس الشورى، الذي كان يشكله آنذاك ثلة من أقطاب الحركة الوطنية، من بينهم علال الفاسي وعبد الخالق الطريس ومحمد بلحسن الوزاني واليازيدي، قد صادق عليها بدون مناقشة، وكانت آنذاك تتضمن مختلف المصاريف المرتبطة بالسلطان والقصور الملكية والهبات المخصصة للشرفاء، لكن التاريخ لازال يحتفظ بموقف عبد الرحيم بوعبيد بخصوص قضية مالية مرتبطة بالبلاط، إذ يعتبر من الأوائل والقلائل جدا الذين أقروا بضرورة مناقشة الأمور المالية المرتبطة بالبلاط وإبداء الرأي بخصوصها. بل ذهب بصفته وزير الاقتصاد والمالية آنذاك، إلى حد عدم الاستجابة لمطلب السلطان الراحل محمد الخامس، الرامي إلى مطالبة الحكومة بشراء قصر الدارالبيضاء منه لوضعه تحت تصرفه، وللشهادة والتاريخ، نعرض ما قاله بوعبيد حسب رواية أحد المقربين من القصر الملكي آنذاك، حيث قال: "كان عمر وزير الاقتصاد والمالية (عبد الرحيم بوعبيد) لا يتجاوز 38 سنة، في حين كان عمر السلطان محمد الخامس يناهز 49 سنة، وكان الأول يكن للثاني احتراما وتقديرا كبيرين جدا، وعندما قال الوزير للسلطان بأنه من الأحسن إرجاء هذا المطلب لأن الصالح العام ومتطلبات تنمية البلاد يستوجبان ذلك، تقبل السلطان الأمر بصدر رحب". وحسب أغلب المؤرخين ظلت هذه الحادثة فريدة من نوعها، في تاريخ تعامل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية مع ميزانية البلاط والقضايا المالية المرتبطة بالملك، علما أن الحديث بخصوص هذه النازلة كان رأسا مع السلطان وليس في إطار اجتماع. أما في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، فقد حسم الأمر منذ أول برلمان سنة 1962، إذ أضحت القاعدة الجاري بها العمل، هي "المصادقة على ميزانية البلاط بدون تعليق"، ومنذئذ أصبحت هذه الميزانية من قضايا "المطبخ الداخلي"، لا يجوز الخوض فيها بالنقاش أو السؤال أو طلب التوضيح، ناهيك عن إبداء الرأي. ومن المؤشرات التي من شأنها تأكيد هذا المنحى، أن مرفقات المشور وتواركة غير محفظة، وربما مازالت وضعيتها العقارية لم تسو بعد. لكن، بشهادة الجميع، في عهد الملك محمد السادس، قطع المغرب خطوات على درب اعتماد الشفافية والدقة في تدبير ميزانية البلاط، وهو الأمر الذي اضطلع به منير الماجيدي. لكن وبالرغم من أن ميزانية البلاط ممولة من المال العام، فإنه جرى العرف على عدم إخضاعها إلى أي مراقبة، لا قبلية ولا بعدية، وتتأكد صعوبة الإقرار بأي نوع من المراقبة، باعتبار أن القصر الملكي يحظى باستقلالية تامة بخصوص الآليات المعتمدة ونهج تسيير وتدبير شؤون الموظفين العموميين التابعين له وتراتبية الأجور المتعلقة بهم، ومساطر وآليات الصرف المعتمدة. أرقام ميزانية البلاط الاعتمادات (2006) بملايين الدراهم القوائم المدنية 26.292 مخصصات السيادة 422.164 الموظفون والأعوان 781.093 المعدات والنفقات المختلفة 1312.344 المجموع 2541.893 الاعتمادات 2002-2006 بملايين الدراهم 2002 2003 2004 2005 2006 القوائم المدنية 26.292 26.292 26.292 26.292 26.292 المخصصات السيادة 432.164 432.164 432.164 432.164 432.164 المعدات والنفقات المختلفة 908.204 981.704 1181.704 1287.344 1312.344 ""