ما شهدته جلسات الدورة الأولى للجمعية البرلمانية التابعة لمجلس أوربا المنعقدة في الفترة ما بين 24 و 28 يناير 2011 بستراسبورغ من نقاشات مطولة حول الوضعية في تونس بعد ثورة الياسمين المباركة، يشكل محاكمة حقيقية للسياسات الغربية الخارجية. فالتقرير الذي أعد وفق مسطرة مستعجلة يشير إلى أن تلك الثورة إذا كانت تجد أسبابها الأولى في سياسات الرئيس المخلوع بن علي، فإن أوربا ''تتحمل أيضا جزءا من المسؤولية، لأنها لم تندد بطبيعة النظام التونسي، وفضلت استعمال استقراره الظاهري لتحقيق مصالح اقتصادية''. وكانت تدخلات البرلمانيين الأوربيين تعقيبا على التقرير أقوى من هذا الاعتراف في التقرير الرسمي للمؤسسة. فكاتبة التقرير المذكور نفسها تأسفت في كلمتها على ''موقف أوربا من تونس طيلة سنوات''، ''لقد أغمضنا أعيننا عما يقع فعلا في تونس وفي دول أخرى. إذا لم نكن متواطئين فنحن على الأقل كنا أكثر من مجاملين'' هذه المجاملة لنظام بن علي القائم على ''الطغيان والفساد'' كانت بواعثها متعددة، ''تبدأ من الخوف من الأسلمة إلى مصالح اقتصادية مجردة''. وتكاد تجمع تدخلات البرلمانيين الأوربيين الآخرين على انتقاد سياسة الكيل بمكيالين التي تنهجها الدوائر الغربية، فمن دعم سوموزا في نيكاراغوا، ''والذي كما نقول عنه: إنه حقير salaud ، لكنه حقيرنا''، إلى دعم شاه إيران، كانت السياسات الغربية تميل إلى إغماض العين عن التجاوزات والمظالم ما دامت تلك الأنظمة ''تدعم الغرب''. ولأول مرة يوصف نظام بن علي داخل هذه المؤسسة بكل الأوصاف المذمومة. فهو نظام دكتاتوري شرس ومجرم وطاغية وفاسد ومافيوزي. وشن بعض البرلمانيين هجوما خاصا على فرنسا التي دعمت ''دعما كاملا وبصورة مستمرة ذلك النظام الدكتاتوري وغير الشرعي''، مما أفقدها الاحترام والمصداقية. وهاجم برلمانيان اثنان هذا البلد الذي عرض خدماته لدعم قمع النظام التونسي للشعب. لقد سعدت بحضور هذا النقاش الغني وهذا النقد الذاتي الذين قام بهما برلمانيون، وهم يحاولون استخلاص الدروس مثل: لقد أصيبت الأنظمة السياسية وأجهزة الاستخبارات في أوربا بالعمى أمام الأحداث. فالتضارب والتناقض والارتباك في المواقف الأوربية يشعر بالحنق والغضب لدى هؤلاء البرلمانيين، لأنه يكشف حالة المفاجأة والذهول التي اجتاحت العواصمالغربية جراء الانتفاضة الشعبية التونسية ثم المصرية، الخارجتين عن كل التوقعات والتحليلات والتصورات. كشف أولئك البرلمانيين بحدة ازدواجية السياسات الأوربية. فالكثير من الزعماء الغربيين يتباكون على الديمقراطية وحقوق الإنسان في العلن وفي التصريحات، لكنهم في الواقع وفي الحقيقة لا يتوانون عن دعم تلك الأنظمة التي تصادر أبسط حقوق المواطنين وتسلب حرياتهم وتزور عليهم الانتخابات وتستعمل القضاء لتصفية الحسابات، إضافة إلى أنها تستعمل الفساد والرشوة واحتكار الثروات. ترددت مرارا في التدخلات فزاعة الإسلاميين التي يدلي بها الزعماء الغربيين لتبرير سياساتهم تلك. لكن الحقيقة يقول برلماني أوربي أن الإسلاميين يصعدون أكثر عندما ''نحتقر مبادئنا'' بدعم من لا يحترمها. ''وبالتالي ألا نفقد مصداقيتنا عندما تزعم على الرغم من ذلك أننا ندافع عن الديمقراطية''.