من الواضح أن أمرا يهم قضية الصحراء المغربية يجري التحضير له في الخفاء قبل أنيصبح أمرا واقعا في القرار القادم لمجلس الأمن في نهاية أبريل المقبل، والموضوع يتعلق بتوسيع اختصاصات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان أو على الأقل اعتماد آلية ذات علاقة بأجهزة الأممالمتحدة المكلفة بحقوق الإنسان للقيام بذلك داخل الصحراء، وبغض النظر عن الصيغة والآلية فإن الجوهر هو دفع المغرب لتقديم تنازل سيادي ظل يرفضه لسنوات بل وخاض معركة دولية لرفض تعيين لجنة تحقيق دولية في أحداث العيون، كما ستكون له عواقب خطيرة على مستقبل الموقف التفاوضي للمغرب في النزاع. القبول باقتراح البوليساريو مناقشة حقوق الإنسان في المفاوضات غير الرسمية المقبلة ليس سوى الجزء الصغير الظاهر على السطح من جبل الجليد الكبير الكامن تحت الماء، ذلك أن المعطيات الأولية تكشف عن وجود ضغوط خارجية بعضها من جهات أميركية تعمل على تهيئة الظروف لقرار أممي في الموضوع، وهي ضغوط تروج لوجود موقف دولي حازم وأن المغرب مطالب بالتكيف مع هذا الحزم والخروج بأقل الخسائر عبر تقديم حل، كما يستعمل أيضا خطاب آخر، يقول بأن المغرب قد حسن سجله في حقوق الإنسان وبالتالي ليس عنده ما يخفيه، كما أنه سيكسب فرصة لإدراج وضع حقوق الإنسان في مخيمات تندوف في المناقشة، ما سيؤهله لإحراج البوليساريو، وإفقادهم فعالية الضغط بورقة حقوق الإنسان. والواقع أن سجل المغرب قد تحسن في مجال حقوق الإنسان في الصحراء وذلك بالمقارنة مع الماضي، وعدم استعمال الرصاص الحي في تفكيك المخيم دليل قوي، فضلا عن السماح لعموم المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية بإنجاز تقارير كشفت حجم التقدم في مجال حقوق الإنسان مقارنة مع ما حصل في 1999 و,2005 والمفروض بحسب هذا المنطق أن لا تتم معاقبة المغرب بضرب مصداقية اختصاص مؤسساته الوطنية لمراقبة وضع حقوق الإنسان في الصحراء المغربية واعتبارها من الناحية العملية غير مؤهلة وأن الحل في آلية أممية خارجية. الأخطر ليس هو منطق المعاقبة على تقدم حصل في حقوق الإنسان، بل هو ضرب قوة الموقع التفاوضي للمغرب، حيث إن القبول بالقرار يعكس تنازلا جديدا لا يمكن قبوله في القضايا السيادية والأسوء أنه بدون مقابل، رغم أن القضايا السيادية لا يتم الحديث عن الثمن فيها، والأنكى هو أن هذا التنازل الذي يتم في ظرفية استمرار ممانعة الإدارة الأمريكية الحالية عن إعلان موقفها الصريح الداعم لمشروع الحكم الذاتي وذلك على خلاف ما قام به الرئيس الأميركي السابق، وهي ممانعة إذا ما أضيف إليها وجود استعداد إن لم نقل تحركات أميركية سرية لمصلحة التنازل في قضية حقوق الإنسان، فإنها تمثل مؤشرا مقلقا يعزز عدم الثقة والتخوف من المستقبل، لاسيما وأن مسلسل التنازلات أصبح مرتبطا بالمسار التفاوضي المغربي أكثر منه مواقف خصوم الوحدة الترابية، والتنازل في قضية حقوق الإنسان سيشكل سابقة تكشف عن أن مواصلة الضغط ينتج في نهاية المطاف التنازل من قبل المغرب، وسيدفع الخصوم إلى الرفع من سياسة الضغط. ثمة ضغط كبير ممارس في قضية حقوق الإنسان، وهي ضغوط تستلزم تقوية الجبهة الداخلية لمواجهة الابتزاز الخارجي، كما تستلزم من النخبة السياسية والحزبية ببلادنا انتهاج خطاب الوضوح، وأقله رفض هذا المسار الذي ينتقص من السيادة الوطنية بشكل جسيم.