إن من أهم أهداف الزواج إنجاب الذرية وتحقيق استمرار النسب، إلا أنه ليس بالضرورة أن كل عملية زواج تؤدي إلى إنجاب، فقد تكون الزوجة عقيما فيلجأ الزوج إلى الطلاق أو التعدد، وقليل من الأزواج من يصبرون على زوجاتهم ويلجؤون إلى الكفالة لإرواء ظمإ غريزة الأمومة والأبوة، لكن الأمر يختلف عند يكون العقم من الرجل، فالمشكل يبدأ من التماطل في الكشف الطبي لينتهي عند حيرة الرجل أمام الإبقاء على الزواج ظنا منه أنه ظالم لزوجته بحرمانها من إرواء غريزة الأمومة إلا أن صبر الزوجات يكون في هذا الحالة أكثر وقليل منهن من تلجأ إلى الطلاق. ''التجديد'' تحاول الاقتراب من ملامسة موضوع عقم الرجال من جانبه الطبي والشرعي وكذا الاجتماعي، وهذه التفاصيل: خطأ موروث ما إن تخيم ظلال العقم على أسرة حديثة عهد بالزواج حتى تتجه سهام الاتهام نحو الزوجة من قبل مجتمع عششت في ذهنه فكرة ربط العقم بالمرأة، وهنا تسلسل اقتراحات الحلول من المحيط الأسري غير تارك حرية الاختيار للزوجين المعنيين الأوليين بقضية الإنجاب مما يزيد من الضغط الاجتماعي على الزوجين اللذان يجدان نفسيهما مطالبين بتلبية حاجات محيط لا يحترم خصوصية الأسرة. وإزاء هذا الواقع يقترح بعض الأقارب على الزوج طلاق زوجته وإن كانت ملكت قلبه وعقله، ومنهم من يقترح الزواج من ثانية للظفر بذرية تخلد اسمه وإن كان هذا الأمر لن يحقق هذا الظفر لأن أصل المشكل في الزوج وليس في الزوجة. ولمن لا تزال فكرة ربط العقم بالمرأة متمكنة من اعتقاده، تقول طبيبة مختصة في أمراض النساء والولادة بمستشفى ابن سينا بالرباط ل ''التجديد'' يجب ان يعلم الناس الذين يربطون العقم بالمرأة أن حالات العقم التي يكون السبب من المرأة تمثل نسبة 25 في المائة وكذلك تمثل حالات العقم التي يكون السبب من الرجل 25 في المائة وتبقى نسبة 50 في المائة يرتبط سبب العقم بالزوجين معا. المبادرة نسائية أكدت الدكتورة منى خرماش أخصائية في أمراض النساء والولادة بالرباط كما يؤكد كثير من الأطباء أن مبادرة الكشف عن أسباب العقم غالبا ما تكون من المرأة، في حين أن الرجل يتأخر مقارنة مع المرأة. وتفسر خرماش سبب إقدام المرأة بالضغط الاجتماعي، ورغبة في تأكيد الزوجة على أنها خالية من العيب على اعتبار أن العقم عيب في حين أن الأمر ليس كذلك. ويمكن تفسير عدم لجوء الزوج إلى الكشف الطبي بسبب اجتماعي وآخر نفسي، إذ الأول يرتبط بكون العقم في أذهان غالبة أفراد المجتمع سببه المرأة، أما النفسي فيمكن أن يكون بسبب خوف الزوج من أن يكون هو السبب في عدم إنجاب الذرية، مما يمس في اعتقاد البعض رجولته وقدرته على الإنجاب. رفض الكفالة (ز. س) زوجة عمرها الآن 36 سنة تزوجت منذ كان عمرها 19 سنة، أكملت دراستها وهي متزوجة، تمكنت مع زوجها طيلة حياتهما الزوجية من تحقيق مبتغيات الحياة من شراء مسكن وأداء مناسك الحج، ونيل رضى العائلتين نظرا للاحترام المتبادل السائد بينهما، لكن ما لم يستطيعان تحقيقه هو إنجاب طفل أو طفلة يملأ عليهما بيت الأسرة الواسع الأرجاء، وهو الأمر الذي يختلف فيه هذين الزوجين مع إخوة الزوج وإخوة الزوجة المتزوجين الذي رزقوا بأطفال. لجأ الزوجان إلى كثير من الكشوف الطبية داخل المغرب وخارجه تؤكد جميعها أن سبب العقم من الزوج بسب خلل في حيواناته المنوية، وتم إخبار الأسرة أن احتمال الحمل منعدم إلا إذا كان بقدرة من الله. الزوجة أكدت لزوجها رضاها بالقضاء والقدر وأعلنت استمرارها في الحياة الزوجية مع زوج أثبت الطب عجزه عن الإنجاب، خصوصا وأنه يعاملها معاملة حسنة حتى قبل معرفة النتائج الطبية. (ز. س) حسب شهادتها، رغم قبولها بالاستمرار مع زوج غير ولود إلا أنها لا تخفي رغبتها في اللجوء إلى الكفالة لإرواء غريزة الأمومة، لكن زوجها يرفض رفضا باتا هذا الحل، بل يرفض حتى مناقشته، وإلى حدود كتابة هذه السطور لم تستطع (ز. س) إقناع زوجها بالكفالة واحترمت اختياره. المرأة صبورة ''المال والبنون زينة الحياة الدنيا''، هذه الآية الكريمة استطاع الزوجان (ي. ص) و (س. ب) أن يحققا شطرها الأول إذ بمجرد زواجهما سنة 2001 التحقت الزوجة (س. ب) بزوجها بالديار الإيطالية واستطاعا توفير احتياجاتهم المادية وكذلك احتياجاتهم العاطفية وحصل نوع من التوافق والرضى المتبادل بين هذين الزوجين، إلا أن عقم الزوج حال دون تحقيق الشطر الثاني من الآية الكريمة وهو الظفر من هذا الزواج بالبنين، الأمر الذي يواجهه الزوجان إلى حد الآن بمزيد من الأمل، فهما لا يتوقفان عن مراجعة الأأطباء سواء في بلد الإقامة بإيطاليا أو ببلدهما الأصلي المغرب، وما دام الأمل ما يزال يراود تفكير هذين الزوجين فإن أمر الكفالة لم يوضع بعد على طاولة المناقشة. وتعلق إحدى قريبات الزوجة أن المرأة معروفة بصبرها في مثل هذه الحالات إذ تصبر وتستمر مع الزوج رغمك معرفته بعقمه ورغبتها الشديدة في إشباع غريزة الأمومة. سر دام عقدين منذ سنة 1987 إلى سنة 2011 وعائلة الزوجين محمد وفاطمة تنتظر أن تسمع خبر إنجاب الزوجين، لكن دون جدوى، ولم يسبق للعائلة أن ضغطت على الزوجين أو عرفت نتيجة طبية بحثا عنها رغم زياراتهما المتكررة للأطباء وتناولهما لكثير من الوصفات المكونة من الأعشاب الطبيعية، ومرت عشرون سنة على سر سبب العقم ليتأكد بعدها لمحيط الزوجين العائلي أن سبب العقم من الرجل، خصوصا حين تم إخباره بضرورة إجراء عملية جراحية قد تكلل بالنجاح أو الفشل، الشيء الذي رفضه الزوج وبقي إلى اليوم مستسلما لقدر العقم ومعه زوجته أيضا تنتظر أن يأتي الفرج من الله. أسباب العقم من الأسباب الشائعة لعقم الرجال فهى: - الإصابة بدوالى فى الخصيتين لأنه يتسبب فى حدوث ارتجاع للحيوانات المنوية وإفراز الكلى لبعض السموم توجهها إلى الخصية مما يساهم فى إنتاج حيوانات منوية ضعيفة لا تستطيع تخصيب البويضة وبالتالى لا يحدث الحمل، ودوالى الخصية يمثل حوالى 38% من حالات العقم عند الرجال وتتم معالجته بعملية جراحية بسيطة للغاية، بعدها تزيد كفاءة الحيوانات المنوية بسنبة 70% وتزداد فرص حدوث الحمل بنسبة من 40 إلى 50%. - العيوب الخلقية مثل الخصية المعلقة فى الناحيتين أو عدم وجود خصية. - التعرض للعلاج الإشعاعى والكيميائى بالنسبة لمرضى السرطان. - ويعتبر الخلل الهرمونى أيضا من أسباب حدوث العقم ولكن ما إن تتم معالجته تزداد فرص حدوث الحمل بنسبة كبيرة للغاية. - يمثل انسداد القنوات المنوية حوالى 13% من حالات العقم عند الرجال، وتتم عمل عدة أشعات لتحديد مكان الانسداد ثم تحديد طريقة علاجه. وبالرغم من التطور الرهيب فى علاج العقم عند الرجال والنجاح فى علاج معظم حالات العقم عند الرجال فى حدود المتاح، إلا أنه لا يوجد سبب واضح للعقم فى حوالى 23% من حالات العقم عند الرجال، مما يرجع الأمر أولا وأخيرا إلى إرادة الله سبحانه وتعالى فهو الذى يرزق من يشاء. وما على المصاب العقم إلا أن يطرق باب العلاج المتاح والمشروع. رأي الشرع طرحت ''التجديد'' سؤال موضوع العقم من وجهة نظر الشرع على الدكتور عبد الرحمان البوكيلي فأجاب: ''إن أول ما يستحضره المسلم أمام حالة العقم هو الآتي: العقم قدر الله تعالى، فهذه عقيدة راسخة عند المؤمن، إذ يقول الله تعالى: ''لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير'' فمن مقتضيات هذا الإيمان الرضى والتفويض وأن ما يختاره الله تعالى للمؤمن هو الخير له في الدنيا، والسعادة له في الآخرة فقد ورد في الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم: ''عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن اصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له''، ثم قوله صلى الله عليه وسلم: ''لو اطلعتم على الغيب لعلمتم أن ما فعل ربكم خيرا'' وهذا الإيمان لا يعني الاستسلام لهذا العقم ولهذا القدر وإنما يسعى المؤمن، وهذا أيضا من إيمانه ومنهج عمله مع الدنيا، يسعى إلى دفع قدر العقم بقدر آخر مما شرعه الله تبارك وتعالى، وأول ما يدفع به هذا القدر هو التداوي والمعالجة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ''تداووا يرحمكم الله، فإن الله ما أنزل من داء إلا أنزل له دواء''، والمؤمن معلوم عنه أنه يدفع قدر الجوع بقدر الشبع، وغيره، إذن فهو إزاء العقم يقبل على الكشوفات الطبية بكامل التفويض لأمر الله ويسعى إلى جبر ما يمكن جبره ومعالجة ما يمكن معالجته حسب الوسع، وفي إطار ما شرعه الله سبحانه وتعالى من الوسائل والطرق. والأمر الثاني الذي يدفع به هذا القدر هو الدعاء والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى، فالمؤمن يستثمر كل ما يحدث له ليزداد من ربه قربا ويزداد به اتصالا، وارتباطا، وهذا من أعظم ما يدفع الله به البلاء. والأمر الأخير هو الكفالة التي تتم برضى الزوجين، فحينما يستقر الأمر على عقم الرجل فإن الزوجين يختاران الكفالة التي فيها قرب إلى الله وإحسان إلى خلق آخر محتاج وفيها، فكافل اليتيم كالسبابة والتي تليها من الأصبع مع الرسول الكريم. إن الأمور السابق ذكرها تعتبر منهج المؤمن إزاء العقم دون حيرة ولا قلق ولا ميل إلى المحرمات والشعوذة، كما يحدث لكثير من الناس الذين لا يهتدون إلى المنهج الرباني في علاج العقم''.