من معاني الابتلاء في القرآن الكريم الابتلاء هو الاختبار أو الامتحان، ولكل امتحان نتيجة نهائية إما الصعود والارتقاء والنجاح، وإما السقوط والارتكاس وقد تحدث القرآن الكريم كثيرا عن معاني الابتلاء وفصل فيها وهذه محاولة لاستقراء بعض معاني الابتلاء كما جاءت في القرآن الكريم. الابتلاء من مقاصد خلق الإنسان يقول الله تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) (الملك: 2) خلقكم ليختبركم أيكم أحسن عملا، أي أيكم أخلص لله في العمل وأيكم أصوب عملا فقد روى أن الفضيل بن عياض رحمه الله فسر أيكم أحسن عملا بأن العمل الأحسن أن يكون خالصا لله صوابا أي وفق ما شرع الله وليس وفق أهواء الأنفس. فالله تعالى لم يخلقنا من أجل الأكل والشراب والتمتع فقد خلقنا سبحانه لهدف أسمى من ذلك وهو عبادة الله وحده وفق ما أمر به. ابتلاء المومنين حتمية قرآنية وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تؤكد أن المومنين لابد أن يتعرضوا للابتلاء. وفي هذا نوع من التهيء النفسي لتلقي الابتلاء بنفس راضية يقول الله تعالى: (ولنبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) (محمد: الآية 32). وفي آية أخرى يقول الله تعالى: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وأن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) (آل عمران 186). في هاتين الآيتين أكد الله تعالى على وقوع البلاء بلام التوكيد وبنون التوكيد المشددة. يعني أنه لا مفر من اختباركم، أيها المؤمنون، واختبار أقوالكم ودعاويكم بالإيمان، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف نتعامل مع الابتلاء قبل وقوعه وبعد وقوعه. فأما قبل وقوع البلاء فالمومن يرجو السلامة والعافية في أحواله وأما بعد وقوع البلاء فالمومن ينبغي أولا أن يصبر ويسأل الله اللطف والرحمة في قضائه ويعتبر أن عاقبته إلى خير. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلوا الله العافية وإذا ابتليتم فاصبروا» وجاء في الدعاء: «اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه». وقال صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المومن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمومن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» رواه مسلم. الابتلاء يظهر معادن الرجال وحقائقهم يقول الله تعالى: (ولنبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) أي نختبر سرائركم وهل أنتم صادقون في دعوى إيمانكم أم لا. لأنه سهل على الإنسان أن يقول بلسانه أشياء كثيرة ودعاوى عريضة ولكن عند المحن وعند الامتحانات تنكشف حقائق الأقوال ولذلك قال الله تعالى: (ألم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) (العنكبوت: 1 و2). وفي قصة طالوت في آخر سورة البقرة تعرض بنو إسرائيل لأنواع من الامتحانات لأقوالهم بألسنتهم لم يثبت منهم في النهاية إلا فئة قليلة هي التي مكن الله لها تعالى على أيديها لدينه يقول الله تعالى: (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبئ لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا ومالنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليل منهم والله عليم بالظالمين) قالوا بأفواههم ولم يكونوا صادقين عند الامتحان إلا القليل، وهذا القليل سيمتحن بدوره مرة أخرى ولن يثبت منهم إلا أقل القليل وهكذا إلى أن بقيت طائفة قليلة جدا صبرت حتى النهاية لقوة إيمانها وأصالة معدنها وصفاء سريرتها. وهذا كله يؤكد أن الله تعالى لا يريد منا أقوالا ودعاوى ولكن يريدنا أن نكون في مستوى ما نقول وندعي ولذلك كثيرا ما جاء في القرآن الكريم: (الذي آمنوا وعملوا الصالحات) فالعمل الصالح هو الدليل على الإيمان ويظهر ذلك عند الامتحان ولذلك جاء عن الإمام حسن البنا رضي الله عنه أنه قال: «إن ميدان الخيال ليس هو ميدان القول وميدان القول ليس هو ميدان العمل وميدان العمل ليس هو ميدان الجهاد». الابتلاء يواجه بالصبر قال الله تعالى: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولنسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وأن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) (آل عمران: 186) عندما يكون الإنسان أمام المحنة وجها لوجه فعليه أن يصبر ويتحمل ولا ينهار ويضعف وهنا يكتشف الإنسان حقيقة نفسه وأمام الناس ولعل هذا من معاني قوله تعالى: (لننظر كيف تعملون) . والقرآن علمنا كيف نتحصل على الصبر فمن أسباب ذلك: -طلب الصبر من الله يقول تعالى على لسان الصابرين: (ربنا افرغ علينا صبرا)، فالله تعالى هو الذي يمنح الصبر لأن الصبر طاقة روحية معنوية، هذه الطاقة هي القوة التي تجعل الإنسان قادرا على مواجهة الصعاب التي قد يظن وهو في أوقات الراحة ألا طاقة له بها، فإذا به يتحول إلى قوة هائلة قادرة على التحدي. ولعل العرب فطنوا قديما إلى هذا المعنى وجربوه عندما قالوا: «النصر صبر ساعة». نحن هنا نتحدث عن الابتلاء بشكل عام، أي الأوقات التي يجد الإنسان نفسه في شدة ومأزق كيف يكون إيجابيا ، كيف يستعمل قوته الداخلية، كيف يفعل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من يستصبر يصبره الله» أي من يتجلد ويطلب الصبر من الله يعطه الله الصبر والقوة على التحمل. الإبتلاء مدرسة الأنبياء والصالحين قال الله تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) السجدة: 24. بم كان إبراهيم عليه وسلم أمة وإماما للناس؟ كان ذلك عند نجاحه في الابتلاء: (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين): (البقرة 123) فالابتلاء طريق الأنبياء بل هم أشد الناس بلاء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل. والابتلاء هو مدرسة الأنبياء والصالحين والشهداء، ولذلك كان الممتحنون أكثر المومنين صدقا وأشدهم يقينا، وأعظمهم تأثيرا في النفوس. والحمد لله رب العالمين. محمد المحفوظي