أكد الباحث في المجال السمعي البصري، الأستاذ يحيى اليحياوي، أن تحرير السمعي البصري عبارة غير دقيقة، على اعتبار أن الذي طاله التحرير هو المجال الإذاعي السمعي، دون المجال البصري المرئي، باستثناء التسوية القانونية التي شهدها ملف قناة ميدي1 سات، واعتبر اليحياوي، أن القطاع لم يخضع للتحرير وإنما السوق المحيط بالقطاع هو الذي خضع للتحرير، ولم يطل بنية القطاع بقدر ما هم هيكلة السوق المحيل على القطاع، بالرغم من أن هناك قانون مؤطر وواضح، ويرى اليحياوي، أن تقييم المشهد الحالي يظل تقييما مهما لكنه يظل مبتورا وغير مكتمل، طالما لم يخضع المجال المرئي للتحرير، لأن الأهم هو المراهنة على تحرير الصورة والتلفزيون، لتتضح الفلسفة التي يقوم عليها مشروع تحرير القطاع السمعي البصري بالمغرب، آنذاك يمكن الإجابة عن التساؤل المطروح حول هوية المدرسة التي يندرج في إطارها مشروع التحرير، من جهة أخرى، اعتبر الأستاذ مصطفى الخلفي، رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، أن التوجه الذي يصبوا إليه المعهد هو تقوية تجربة الإذاعات الخاصة المغربية، لكي تقوم بأداء الرسالة الإعلامية المنوطة بها، وذلك وفق عدة مستويات، أهمها الإطار القانوني من خلال توفير الضمانات القانونية الكفيلة بإنتاج إعلام وطني ديموقراطي يخدم سياسات النهضة والتحديث في البلاد، إذ يقتضي ذلك مراجعة النصوص القانونية ودفاتر التحملات، ويرى الخلفي أن هاته التقوية تقتضي أيضا مراجعة برامج ومناهج التكوين وتطويرها، ودعا الخلفي البرلمان المغربي والمؤسسات المدنية والحقوقية لتحمل مسؤوليتها في متابعة هاته التجربة، وعدم الاكتفاء بإسناد مهمة المتابعة والمراقبة للهاكا، وتقتضي التقوية حسب نفس المتحدث، النهوض بدور شركات الإنتاج التي يظل دورها ضعيف في الإنتاج للإذاعات الخاصة، وفي سياق متصل، ذهب ميلود بلقاضي، إلى القول بعدم وجود نموذج تقييمي قائم بذاته، واعتبر أن المقاربات تبقى تختلف من باحث إلى باحث، ومن مرجعية إلى مرجعية، وأن هناك حاجة إلى الدعم وإلى النقد الموضوعي، مؤكدا أن الإذاعات الخاصة هي قيمة مضافة نسبيا، لازالت في حاجة إلى تطوير وإلى عناصر بشرية مؤهلة وإلى نصوص قانونية متطورة. تقديم دراسة استعرض الباحث في المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، الباحث علي الباهي، مضامين الدراسة التي أعدها حول تجربة الإذاعات الخاصة بعد أربع سنوات من الإشتغال، بينما تطرق مصطفى الخلفي لحيثيات إعداد الدراسة الأولى من نوعها في المغرب، وكذا مدارستها من طرف فريق الباحثين العشر للمركز، بعد أن أعدها الأستاذ علي الباهي في نسختها الأولى، تلتها حلقتين للنقاش، ليتم بعدها تسليم الدراسة لعدد من الباحثين قصد تعميق النقاش حولها، واعتبر الباهي، أن هيكلة الدراسة تمت على أساس أربع محاور كبرى، أولها اعتبار أن المدخل هو التعريف بالإذعات وخريطتها وتصنيفاتها وأحواض البث ومدى انتشارها، ثم الإحاطة بالجانب الإقتصادي من خلال رصد حجم الإستثمار وعلاقته بسوق الشغل، أما المحور الثاني فاعتبره المتحدث يتجلى في الإطار القانوني المؤطر للإذاعات الخاصة، يليه محور التحديات المطروحة في جودة المضمون الإذاعي من خلال قراءة في شبكة البرامج الإذاعية، في علاقتها بالتعددية وأخلاقيات المهنة، مع التركيز على جدلية الحرية والمسؤولية، أما المحور الرابع فخصصه الباحث للتحديات والتوصيات، مؤكدا أن الدراسة تمخضت عنها خلاصات مرتبطة بالمستوى القيمي، وأخرى بالمستوى السياسي، من بينها أن برامج هاته الإذاعات في عمومها تطرح عددا من الإشكاليات تتجاوز مسألة أخلاقيات بعض البرامج، ليتحدث عن تأثيرها في منظومة القيم عبر ''خلخلة مجموعة من المفاهيم''، ثم الدعوة بشكل من الأشكال إلى نموذج مجتمعي، قد يتطابق أو لا يتطابق مع النموذج المغربي، وقد يسترشد بنموذج الآخر كأفق منشود، يقول الباهي. وأفاد الباهي، بأن الدراسة تطرقت لعدة تجارب دولية في تحرير القطاع السمعي البصري، وهو ما مكن من الوقوف على حقيقة أن جل هاته التجارب تبلورت في إطار عولمة النشاط الإعلامي، يعني أن ''هناك شركات إعلامية عملاقة في العالم اخترقت الأسواق الإعلامية المحلية''، قبل أن يثير الباحث عدة أسئلة توقفت عليها الدراسة، منها سؤال اللغة الإذاعية وأخلاقية المهنة داخل هذا القطاع، ثم مدى ضمان تعددية تيارات الفكر داخل هاته الإذاعات، وكذا كيفية تدبير علاقة الإشهار بالقطاع، ثم نزاهة الأخبار ومضامين البرامج ومنظومة القيم، ليختم تقديمه بطرح أسئلة جوهرية تتعلق بهوية النظرية التي يهتدي بها تحرير قطاع الإعلام السمعي البصري بالمغرب، هل بالنظرية الليبرالية أم نظرية سلطة الإعلام، أم نظرية المسؤولية الإجتماعية؟ سؤال اللغة والقيم أسئلة اللغة والقيم والأخلاق، حظيت بنقاش مستفيض خلال أشغال الندوة، إذ اعتبر الخلفي أن لقضايا الهوياتية والأخلاقية والوطنية، ''ذات أولوية''، مؤكدا أن وثائق الهاكا وضعت الإطار لما هو أخلاقي، لكن التفصيل من الناحية الإجرائية والرقابية والجزائية والتدريبية للعاملين فهناك ضعف واضح، أما الناقد السينمائي مصطفى الطالب، فاعتبر أن مسألة الهوية تطرح اليوم بقوة على مستوى الإذاعات، نظرا لأن هناك تيار معين يسعى إلى تفسير مفهوم الهوية، والمبادرة إلى طرح النقاش حولها، ليتساءل، هل الإذاعات الخاصة اليوم بالمغرب بإيجابياتها وسلبياتها تتماشى وتتجاوب مع هوية وقيم المجتمع المغربي؟، أم أنها تحاول طرح قيم جديدة على المجتمع المغربي؟، وذهب الطالب إلى أن تقييم الإذاعات الخاصة يقتضي الرجوع إلى مقومات الهوية، من بينها اللغة والقيم والأخلاق، حيث اعتبر أن هناك إشكالية في استعمال اللغة الإذاعية، إذ يلاحظ إفراط في استعمال الدارجة وهيمنة الفرنسية تارة، واستعمال خليط هجين تارة أخرى، كما أن هناك جرأة في تناول المواضيع وهو ما اعتبره إيجابي جدا، لكن المشكل، في نظر المتحدث، هو في طريقة تناول بعض المواضيع، حيث تقع أحيانا ''إنزلاقات خطيرة''، ويعتقد الطالب أن الإذاعات الخاصة لم تستطع خلق معادلات لإحداث توازن بين ما هو ثابت ومتحول في الهوية المغربية، ويرى أن دور الهاكا في المتابعة والمراقبة غير مفعل، مما يطرح سؤال حماية النشئ المغربي، في ظل الإحصاءات التي تثبت أن أغلب المستمعين ما دون 16 السنة، بدوره، طالب الدكتور حسن الصميلي، بمسائلة الدولة برمتها بخصوص اللغة الإذاعية المستعملة، ويرى الصميلي أن طرح قضية اللغة العربية يجب أن يتم على جميع المستويات، على اعتبار، يقول المتحدث، ''أن هناك تضخمات خارجية في الموضوع''، مستحضرا الدور الذي تلعبه الفرنكفونية بالمغرب، واستحضر الصميلي مشاركة المغرب في أول قمة فرنكفونية بصفة ملاحظ في الثمانينات، ليتطور الأمر ويحضر المغرب القمة هاته السنة كمشارك، و''بتمثيل رسمي للوزير الأول المغربي، الذي هو ليس إلا الأمين العام لحزب يدافع عن التعريب''، يقول المتحدث، الذي أكد أن هناك ''فضفضة'' مقصودة في مقاربة الدولة لقضية اللغة، وأن ''الأمر مقصود وهناك تفكير وأهداف معينة''، وخلص إلى أن المسألة اللغوية ورش وطني كبير. وعلاقة بالموضوع، حمل ميلود بلقاضي مسؤولية رداءة المستوى اللغوي الإذاعي إلى المنظومة التربوية المعتمدة في المعاهد العليا للصحافة وإلى الجامعات المغربية، كما اعترف أن هناك مشكل حقيقي بخصوص اللغة، يحتاج إلى قرار سياسي استراتيجي فوقي. إيجابيات التحرير الباحث علي الباهي، اعتبر أن هناك عدد من الإيجابيات التي خلفها تحرير القطاع السمعي البصري بالمغرب، منها وجود ما بين مليونين وثلاث ملايين مغربي يستمعون إلى إعلام إذاعي مغربي يتبنى مقاربة مبدأ إعلام القرب، بالإضافة إلى أن هاته الإذاعات استطاعت أن تكسر نمطية الإذاعة في أذهان المتلقي، أما يحيى اليحياوي، فيرى أن لا بأس من الوقوف على حصيلة تحرير السوق الإذاعي بالمغرب، وتوقف على ثلاث نقط إيجابية مقابل ثلاث نقط سلبية، إذ اعتبر أن هناك نجاحا للتجربة في توسيع مجال الفعل في السوق، بصرف النظر عن الأهداف والغايات والتطلعات وطبيعة الرسالة المراد تمريرها، أما النقطة الإيجابية الثانية للتجرب، تتجلى في دفعها بمبدأ التنوع في طبيعة الفاعلين، وهو تنوع في حد ذاته مهم، يقول اليحياوي، ''لأنه مطلوب واستطاع أن يخرج المستمع من النمطية القاتمة التي سادت المشهد الإذاعي للثلاثين سنة الماضية''، بينما اعتبر أن المراهنة على المباشر الحي لدى بعض الإذاعات، من الإيجابيات أيضا، بالموازاة مع وجود جرأة في إثارة بعض القضايا الحساسة، والتي كانت تستوجب نوعا من المسؤولية. نقط سوداء بالمقابل، أكد اليحياوي أن الإيجابيات المسجلة، تظل مشوبة بالعديد من السلبيات ومن النقط السوداء التي تميز أداء المحطات الإذاعية، حيث أكد أن التعددية على مستوى عدد الإذاعات التي رخص لها، ''لم تفرز تنافسية''، وهو ما اعتبره حالة شاذة في الإقتصاد الصناعي، إذ المفروض إفراز تنافسية وجودة ونجاعة، كما اعتبر أن هناك تقدير متباين في ما يخص المسؤولية، وهو المرتبط بأداء المحطات الإذاعية، وأشار اليحياوي إلى تكاثر حالات التجاوز في عدد من البرامج، سواء على مستوى القيم أو اللغة، وهو ما دفع بالمتدخل إلى التأكيد على وجوب مناقشة قضية المسؤولية بجدية مع الفاعلين ومع الهاكا، من جهة أخرى يرى اليحياوي أن بين النقط السوداء أيضا، مسألة اللغة، واعتبر أن ما يجري في العديد من المحطات، عبارة عن مذبحة لغوية بكل المقاييس، وهو ما يحيل مرة أخرى على المسؤولية، ويرى المتحدث أن البرلمان عليه أن يسائل في مسألة اللغة الإذاعية المستعملة، وليست الهاكا التي لا يؤمن بأداءها، حسب قوله. وخلصت الدراسة، حسب الباهي، إلى أن هناك نوع من الفوضى في استعمال اللغة في البث الإذاعي بشكل عام، وهناك مطاطية التعابير الواردة في دفتر التحملات بخصوص لغة البث الإذاعي، وهو ما يدعو إلى ضبط هذا المجال بعبارات واضحة، كما تطرق الباحث إلى ضعف البرامج الدينية الواردة في الإذاعات لتلبية الحاجيات الروحية للمتلقي، مقابل طغيان برامج الترفيه وقلة البرامج التفاعلية التأطيرية بشكل عام، مع وجود تفاوت من إذاعة إلى إذاعة، وعلاقة بالخلاصات والتحديات المرتبطة بالجانب السياسي، تحدثت الدراسة، عن أن تحرير القطاع السمعي البصري بالمغرب تم في إطار السقف المغربي المتاح، وهو ما تم في إطاره هيكلة الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري، يقول الباهي، ''واقع يفرض المطالبة بتوسيع السقف السياسي للإنفتاح السمعي البصري، وذلك في إطار مطلب دمقرطة الإعلام''، مشيرا لتركيبة الهيئة وما تطرحه من إشكاليات، ليتساءل عن مدى قدرة الإذاعات الخاصة على تشكيل قوة اقتراحية وتأثيرية في الرأي العام المغربي، أم أنها عبارة عن نوادي للدردشة والحديث. من جهة أخرى اعتبر الباهي، أن مسائلة الاذاعات الخاصة هي مساءلة لمسلسل تحرير القطاع السمعي البصري، وتساءل عن علاقة الإذاعات الخاصة بالرأي العام، على ضوء المعطيات التي تتحدث عن بيع 500 ألف نسخة من الصحف المكتوبة يوميا، مقابل مليونين إلى ثلاث ملايين مستمع للإذاعات المغربية، و456 ساعة من البث الإذاعي يوميا، وهو ما اعتبره جدير برصد البرامج الإذاعية وقراءة في شبكة البث الإذاعي ومسائلة مضامين هاته البرامج، للوقوف عن مدى التزام الإذاعة بتعهداتها والتزاماتها في دفتر التحملات، وكذا دور الهاكا في مراقبة برامج هاته الإذاعات ومدى التزامها بدفتر التحملات، وبخصوص احترام مبدأ التعددية، أفاد الباهي إلى أن التقرير التركيبي الذي أصدرته ''الهاكا'سنة ,2009 والمخصص لمدى احترام التعددية داخل نشرات الأخبار والمجلات الإخبارية و البرامج الأخرى، أقر بأن مبدأ الإنصاف وضمان تعددية الفكر والرأي إخترق داخل جل الإذاعات الخاصة. وهذا ما يطرح سؤال جدلية السياسي والإعلامي في تجربة تحرير قطاع السمعي البصري في المغرب، أما ميلود بلقاضي، مسؤول القسم السياسي بمجموعة إذاعات ''إم إف إم''، فاعترف بأن هناك إختلال في مبدأ التعددية، وقال إن هناك ''خلل فالحكومة حضرت بنسبة 75 في المائة''، وهو ما أرجعه للبنية السوسيوثقافية للأحزاب السياسية، التي اعتبرها غير مهيكلة في عدد من المناطق، ويمتنع عدد من مسؤوليها عن التصريح للإذاعة، بالمقابل أثار بلقاضي إشكالية تغيير الانتماء السياسي بعد أي استحقاق سياسي، مما يصعب معه ضبط المشهد السياسي.