''أقول لوزيرة الصحة إنها إذا استمرت في نهجها ليصبح قطاع الصحة مفتوحا للمتاجرة بصحة المواطنين فسيسجل لها التاريخ سابقة خطيرة ومسارا خطيرا في دفع المغرب نحوه''. بهذه العبارات القوية لخص الدكتور عبد القادر طرفاي موقفه من المشروع الذي تقدمت به وزارة الصحة والمتعلق بفتح مجال الاستثمار في المصحات الخاصة أمام أصحاب رؤوس الأموال ولو لم يكونوا أطباء، ويبرر الكاتب العام للجامعة الوطنية لقطاع الصحة المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل موقفه بكون صحة المواطنين ستتعرض للمتاجرة مضيفا أن بعض الخدمات التي تم تفويتها من قبيل الحراسة والنظافة والتغذية بالمؤسسات الصحية للقطاع الخاص لم تؤت أكلها بالنسبة لخدمة المواطنين، بل اكتفت بتبذير أموال. وأكد طرفاي في حوار ل ''التجديد'' أن الأطباء هم ضد المشروع إلا أن هيئتهم اتخذت موقفا سلبيا، وهذه تفاصيل الحوار: كيف تلقيتم المشروع الذي تقدمت به وزارة الصحة والهادف إلى فتح الاستثمار في المصحات الخاصة في وجه رؤوس الأموال ولو لم يكونوا أطباء؟ تهييء هذا المشروع جاء خلال تهييء المشروع الذي تقدمت به الحكومة والمتعلق بالقانون الإطار المنظم لقطاع الصحة ككل، الذي سيكون بمثابة مدونة تتضمن القوانين المهتمة بقطاع الصحة. ومنذ مدة كان التهييء للخوصصة ودخول الاستثمارات المالية إلى القطاع، وراج الحديث منذ مدة عن قطاع الصحة بدل الصحة العمومية، وبدأ الحديث عن فتح الاستثمارات في قطاع الصحة، ووزارة الصحة الآن مطالبة بتقديم عدد من القوانين المكونة للقانون الإطار ومن بينها القانون المنظم لممارسة مهنة الطب بالمغرب، وللإشارة فإن الحكومة اليوم وخصوصا وزارة الصحة تريد أن تفتح دعوة للمستثمرين للإقدام على الاستثمار في قطاع الصحة، لأنه حتى في إطار القانون السابق لم يكن ينص على أن الاستثمارات مقتصرة على الأطباء لكن المرسوم هو الذي جاء بصيغة تجعل الاستثمار في قطاع الصحة وفتح المصحات وكل ما له علاقة بصحة المواطنين هو من اختصاص الأطباء والمهنيين في القطاع، لكن توجه الحكومة اليوم يسير في اتجاه فتح باب الدعاية لكي يتم استقطاب مستثمرين في هذا القطاع. وتبين لأصحاب رؤوس الأموال سواء في الداخل والخارج أن قطاع الصحة بالمغرب هو قطاع له مستقبل، ومن الناحية المالية مغري، والسبب هو الإحصائيات الحالية في ما يتعلق بتطبيق التغطية الصحية، فالواقع أن الإحصائيات الرسمية تثبت أن 10 في المائة من مصاريف الصناديق المدبرة للتغطية الصحية مرتبطة بالقطاع العمومي فيما يستحوذ القطاع الخاص على 90 في المائة من مصاريف تلك الصناديق. والخطر في هذا التوجه الذي تسير نحوه الوزارة هو الزيادة في تدني مستوى الخدمات بالقطاع العمومي وتدني مستوى المستشفيات العمومية حتى يفسح المجال لهؤلاء المستثمرين لكي يبقى هذا القطاع مدرا عليهم بالأرباح، وهذه مسألة خطيرة حتى على الدولة، هذه الأخيرة التي توظف ميزانية هائلة لقطاع الصحة، لكنها للأسف معرضة للتبذير وسوء التسيير ومعرضة للتلاعب وللعديد من الممارسات التي فيها مضيعة للمال العام، وتجعل هذه الميزانية لا تصل إلى المواطن. وأين تكمن خطورة مبادرة وزارة الصحة بفتح الاستثمار في وجه أصحاب رؤوس الأموال من غير الأطباء؟ إنني أشدد على خطورة المبادرة المذكورة لانعكاساتها السلبية المتعددة وذكر منها تعرض صحة المواطنين للخطرعلى اعتبار أن المستثمر سيكون دافعه هو الربح، وسوف يستقر في المناطق الآهلة بالسكان. وهذا سيزيد من تأزيم الفوارق القائمة الآن بين الجهات، ويستبعد أن يستثمر الخواص في المناطق النائية مما يفند مزاعم تحسين الخدمات، كما سيتم اختيار الحالات المربحة، وهذا يتنافى مع أخلاقيات الطب، هذا في الوقت الذي تؤكد أدبيات منظمة الصحة العالمية على الدول أن تقوم بمجهودات لتمويل المؤسسات الصحية ضد الاستثمارات التجارية. والمبادرة خطر على مشروع ''التغطية الصحية'' الذي مرت عليه خمس سنوات ولم يتم بعد تعميمه على المهنيين، إذ ستظهر، فئة الأطباء الأجراء، التي تسير وفق أهواء المستثمرين في اختيار الخدمات المربحة وهذا ما يهدد أخلاقيات المهنة إذ سيصبح الطبيب خاضعا لصاحب رأس المال. والمبادرة أيضا تشكل خطورة على وضعية الصحة العمومية التي ستبقى متدهورة لصالح المستثمرين كما هو الشأن بالنسبة لقطاع التعليم لما أصبح في أيدي المستثمرين الخواص. الفكرة التي بنت عليها وزارة الصحة موقفها في التقدم بهذا المشروع هي كون الأطباء لا يتوفرون على الأموال للاستثمار في قطاع الصحة الذي يتطلب أموالا هائلة، هل هذه الفكرة مقنعة؟ وزارة الصحة تبرر هذا التوجه الجديد، وهو توجه لم يكن من اختيار الوزارة، بل هو مفروض، والإدارة ليست إلا أداة لتبريره، وهو ليس صادرا من مهنيي القطاع، وليس صادرا عن دراسات للواقع، ولكن هناك إملاءات حين تفرض تصبح الإدارة أداة للترويج لها. وأقصد بالخصوص البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، وهما أهم المتدخلين في قطاع الصحة بشكل كبير، سواء من خلال قروض من البنك الدولي لتمويل بعض البرامج من قبيل ما يسمى بالإصلاح الاستشفائي، أو من خلال بعض الهبات التي يقدمها البنك الأوروبي للاسثمار، لكنها في الحقيقة عبارة عن طعم يقدم للمغرب عبارة عن هبة هزيلة ويكون من ورائها استثمارات من ميزانية المغرب لاستهلاك المنتوج الأوروبي، سواء تعلق الأمر بالأدوية أو المعدات أو الخبرات التي تستقدم في إطار مكاتب دراسات، وبالتالي ما يقدم هزيل لا يتعدى 1 في المائة من ميزانية القطاع، ولكنه سيكون سببا في هدر الملايير من الدراهم. وأطروحة وزارة الصحة للدفاع عن ''المتاجرة في صحة المواطنين'' هي أطروحة متضاربة، فمن جهة تقول الأطباء ليسوا قادرين على الاستثمار في القطاع وفتح مصحات بتقنيات حديثة عالية الجودة، وهذا يكذبه الواقع وتوجد بالمصحات الخاصة تقنيات عالية الجودة وبها أطباء من اختصاصات بمستوى راقي يضاهي ما هو موجود في الدول المتقدمة. ومن جهة أخرى تقول الوزارة بأن فتح المجال لهذه الاستثمارات تفرضه العولمة ويفرضه التقدم التكنولوجي وهذا كلام غير منسجم لأن العولمة، من بين ما فرضته حرية تنقل رأس المال منذ إنشاء منظمة العالمية للتجارة بعد دورة الكات بمراكش، وقطاع الصحة بالنسبة لهؤلاء المستثمرين يظهر بأنه مربح. وقول الوزارة إنها تريد فتح المجال للاستثمار في مجال الصحة، هذا شيء خطير لأنه بعد ما تم تفويت جل المؤسسات العمومية، يتم الآن السير في اتجاه تفويت صحة المواطنين للمتاجرة، وهي نقطة لابد من التأكيد عليها، وهو أمر غير مقبول من كل الجوانب. والقول بأن الأطباء غير قادرين من باب الحجج الواهية. وإذا كان هدف وزارة الصحة فعلا هو توزيع مصحات القطاع الخاص على الصعيد الوطني فالمطلوب أن تقدم تسهيلات إلى المهنيين، وسواء تعلق الأمر بالأراضي والإعفاءات الضريبية وإذاك يمكن محاسبة المهني المغربي، وإلا فإن توجه الوزارة هو استجابة لإملاءات مفروضة، وعوض أن يوجه الاستثمار لتحسين مستوى الولوج إلى الخدمات الصحية، للأسف تريد وزارة الصحة أن تفسح المجال أمام مستثمرين ليتم تهريب الأموال دون أن تعود على صحة المواطنين ولا وزارة الصحة بخير. خلاصة القول إن الدفوعات التي تحملها وزارة الصحة دفوعات واهية ومتناقضة. وتتذرع الوزارة بأن التجربة عاشتها بعض الدول مثل الأردن ومصر وتونس، ولكنها لم تقدم نتائج بخصوص الأوضاع الصحية بهذه الدول، ونتائج المبادرة على ولوج المواطنين إلى العلاج، لكن نحن نعرف أن واقع الصحة بالعديد من الدول العربية لا يستجيب لحاجيات المواطن العربي. التجرية المغربية في قطاع الصحة خاصة ما يتعلق بالتغطية الصحية هي تجربة جد متقدمة وكان الأمل أن ندفع بهذه التجربة حتى يصبح مستوى الولوج إلى العلاج بالنسبة لجميع المواطنين أفضل لكن يبدو أنه في غياب سياسة وطنية واضحة وغياب استراتيجية وطنية واضحة، تبقى هذه المبادرات الفردية والإملاءات لكي تبقى وزارة الصحة فقط أداة لتنفيذ برامج لم تنتجها. كانت هيأة الأطباء والمركزيات النقابية في عهد الوزير السابق عبد الرحيم الهاروشي واجهت مشروع تحرير قطاع الصحة، ولم يستطع هذا الوزير تفويت سوى بعض الخدمات من قبيل النظافة والتغذية وحراسة المستشفيات، فما هي الضمانات التي جعلت الوزارة الحالية تتقدم بالمشروع؟ هل تغير موقف هيأة الأطباء والمركزيات، أم وقع ضغط من أصحاب رؤوس الأموال؟ أم هناك شيء آخر؟ السؤال يتكون من شطرين شطر يتعلق بمبادرات لدخول المستثمرين إلى خدمات أخرى غير العلاج، والشطر الثاني يتعلق بالهيئة الوطنية للأطباء. للأسف أن ما يقع في قطاع الصحة، هو مبادرات متفرقة وليست منسجمة ولا يتم تقييمها ولا ربط بعضها ببعض، لأنه ليست هناك استراتيجية متكاملة واضحة. المبادرات التي فتحت باب الاستثمار في قطاع الصحة وتقديم خدمات لها علاقة بقطاع الصحة من قبيل أناس ليسوا مهنيين هي اليوم كان مصيرها الفشل الذريع، منها خدمة الحراسة التي لا تضمن أمن هذه المؤسسات التي تتعرض للسرقات اليومية، ولا تضمن أمن العاملين بالقطاع ولا أمن المواطنين بهذه المؤسسات ولا تنظيم سير العمل بالمؤسسات، وكل ما هناك هو تبذير لأموال مفروض أن تذهب إلى اقتناء المعدات، ولكن تم تحريف مسار هذه الأموال لتذهب إلى شركات. الشيء نفسه بالنسبة لخدمة النظافة إذ نجد هناك ميزانية سنوية لاقتناء مواد النظافة من قبل كل المؤسسات الصحية وفي الوقت ذاته هناك عقد للتعامل مع شركة النظافة، وهو شيء غير مفهوم، فكيف يعقل أن تقتني كل المؤسسات الصحية كل مواد النظافة وتصرف أموال إلى شركات النظافة. والحكم نفسه يطال خدمة التغذية، إذ ارتفعت ميزانية التغذية 50 ضعفا على ما كان يصرف من قبل دون أن يستفيد المواطن المريض من جودة التغذية كما وكيفا. والخلاصة أن تدخل غير المنتمين إلى قطاع الصحة لم يثمر نتائج إيجابية، والدليل هو ضعف الخدمات وضعف جودتها، بل يمكن القول هناك افتقار للخدمات، وحالة المستشفيات كما يعلم كل مواطن يرثى لها، وحتى شعار الجودة الذي تهلل به الوزارة لم يتم تحقيقه. وكان على وزارة الصحة أن تستخلص العبر من تدخل الغرباء عن القطاع والأضرار التي أدى إليها. وبالنسبة لهيئة الأطباء فإنها إن لم تكن في مستوى مثل هذه الملفات الكبيرة، ومؤسسة متزنة ومحايدة فقد تصبح السيطرة للطرف الغالب واللوبيات وتصبح صحة المواطنين في خطر، ويصبح البيع والشراء في الأعضاء البشرية. الهيئة الوطنية عامل مهم وله علاقة بالقوانين المتعلقة بصحة المواطنين، والخطير أن تبقى ضعيفة، والمواطن هو الذي يؤدي الثمن في نهاية المطاف. حضرتم الورشة التي نظمتها وزارة الصحة بداية نونبر الجاري حول الموضوع، ومعلوم أنه كانت أكثر من 20 جمعية وقعت على رفض المشروع، فكيف تقيمون تعامل الوزارة مع الأمر؟ الواقع أن وزارة الصحة لم تأخذ بعين الاعتبار مضمون الوثيقة والأطراف الموقعة عليها، كما لم تأخذ بعين الاعتبار رأي الأطباء الذين حضروا الورشة، والوزيرة أتت إلى الورشة بقرارات جاهزة وبتوجه لا رجعة فيه، وكان أمل الوزارة من عقد الورشة أخذ تزكية، لكن العكس هو الذي وقع بالإجماع على رفض المشروع من قبل الأطباء، إلا ما كان من الوزيرة وأحد البرلمانيين من حزبها، من تزكية للمشروع وتقديم وعود، لتخرج الوزيرة بخلاصة أن المشروع يجب التعجيل به، فالدولة تقدم ضمانات، ولا أدري أي ضمانات تقدم إذا تمت المتاجرة بصحة المواطنين، وستصبح ممارسات تتسم بالانتقائية ويتم رفض المرضى ذوي الحالات المستعصية، وكل الحالات غير المربحة مائة بالمائة، وسنصبح أمام أخلاقيات تضر بصحة المواطن. ماذا تتوقعون من ردود فعل في حال إعمال مضمون المشروع الجديد وتمكين أصحاب رؤوس الأموال من غير الأطباء من فتح مصحات؟ للأسف ما يلاحظ هو أن ردود الفعل تجاه بعض الأمور الحساسة كهذا الموضوع تبقى منحصرة على بعض المنابر وتبقى محدودة في بعض اللقاءات وتحديد بعض المواقف، في حين أن المفروض والأمر يتعلق بصحة المواطنين أن يتوسع النقاش حول الموضوع من قبل الجمعيات الحقوقية وجمعيات حماية المستهلك والفاعلين السياسيين وغيرهم، لكن ما نراه للأسف هو تجاهل لهذا الموضوع الذي يؤدي ثمنه المواطن الذي سينتهي به الأمر لرفع شكايات بعد أن يصبح المشروع قانونا ساري المفعول. إن رد الفعل الشعبي اليوم لم يرق إلى المستوى المطلوب تجاه هذا التوجه الخطير، وقد سبق لمثل هذا التوجه أن طبق على التعليم إذ تم تفويت التعليم للقطاع الخاص وأصبح التعليم فرصة للاستثمار. والمسار الذي سينتهي إليه الأمر هو تفويت المؤسسات الصحية للقطاع الخاص، ونحن كنقابات سنقوم بالتعبئة من أجل تحركات من جميع المتدخلين ليتحملوا مسؤولياتهم كاملة في ما ستتعرض له صحة المواطن حال فتح مجال الاستثمار أمام أصحاب رؤوس الأموال. في الأخير أقول لوزيرة الصحة إنها إذا استمرت في نهجها ليصبح قطاع الصحة مفتوحا للمتاجرة بصحة المواطنين فسيسجل لها التاريخ سابقة خطيرة ومسارا خطيرا في دفع المغرب نحوه. حاورته: حبيبة أوغانيم