لقد كانت للقيم منذ القدم أسواقها المنظمة (التجمعات التقليدية بما فيها: الأسواق ومؤسسات المجتمع من بيت ومدرسة ومسجد وجامعة...) ولها مسوقون متنوعون: تقليديون (المفكرون والدعاة والسياسيون ورجال الإعلام وغيرهم ومنابرهم المختلفة) ومسوقون جدد (كالمقاولات وما يدور في فلكها من وسائط مقدمات : المقدمة الأولى: لقد كانت للقيم منذ القدم أسواقها المنظمة (التجمعات التقليدية بما فيها: الأسواق ومؤسسات المجتمع من بيت ومدرسة ومسجد وجامعة...) ولها مسوقون متنوعون: تقليديون (المفكرون والدعاة والسياسيون ورجال الإعلام وغيرهم ومنابرهم المختلفة) ومسوقون جدد (كالمقاولات وما يدور في فلكها من وسائط..). المقدمة الثانية: ينحصر التبادل القيمي الفعلي في العمليات الذهنية والنفسية التي تتم في رؤوس البشر، والمشروطة بالأوضاع الاجتماعية، (ساحة المعركة الحقيقية في التدافع القيمي هي الدماغ). المقدمة الثالثة: التفاعل أو صراع القيم يتم بين رصيد القيم الموجودة وبين القيم الجديدة الوافدة، ونتيجة التفاعل القيمي تتوقف على عدة شروط أهمها: نوع وقوة قيم الرصيد مقارنة بالقيم الوافدة من جهة والشروط النفسية والاجتماعية المصاحبة لهذا التفاعل والمؤطرة له. ظروف التدافع القيمي: التدافع القيمي أصبح اليوم أكثر ضراوة ويشكل ضغطا يوميا قويا على الإنسان نظرا لكثرة وتنوع قنوات الدفق القيمي من جهة، وكون مدة التفاعل اليومي معها أطول. التدافع القيمي اليوم أكثر خطورة لأنه يتم خارج رقابة وتوجيه مؤسسات المجتمع التقليدية (الأسرة، المدرسة، الدولة...) ولأنه أصبح أكثر انفتاحا على كل القيم وأكثر فردانية (القنوات الفضائية، الأنترنيت....)، إن أهم سمات التدافع القيمي اليوم يستمدها من العولمة، وهي السرعة والوفرة والتنوع، مما ينتج عنه عدم الاستقرار في أنساق القيم الفردية والجماعية. بعض معالم استراتيجيات الآخر في تسويق القيم: الجديد في التدافع القيمي اليوم هو اعتماده على استراتيجية في التسويق ترتكز على: ربط القيم بالنموذج السلوكي وليس بالنموذج النظري التصوري كما في السابق: عرض القيم من خلال نماذج سلوكية في إخراج ناجح (مندمج، متحضر، لا تواجهه أية صعوبات ويمثل الوضع الطبيعي...) تجنب كل ما من شأنه إثارة حفيظة المستهدفين أو أية ردة فعل مقاومة (أسلوب غير مباشر، غير إديولوجي في الغالب، مسالم، إيجابي ...) التركيز على الجانب النفعي الفردي: عرض النموذج السلوكي في حالة المتعة والسعادة والرضا عن النفس. التدثر بالقيم الإنسانية النبيلة وبعض الشعارات البراقة: الحرية، المساواة بين الجنسين / حوار الأديان / الانفتاح / الحداثة. اعتماد المرأة والجنس والموضة والموسيقى... مداخل استراتيجية لبث القيم (حاملات القيم المراد ترويجها). إلى غير ذلك... ضد من نتدافع؟ وأين؟ ومتى؟ و... بفعل الثورة الحاصلة في مجال الاتصال والتواصل وبفعل طابع التسارع والانفتاح الذي فرضته العولمة، أصبح من الصعب اليوم تحديد الخصم في مجال التدافع القيمي، إذ لا يتعلق الأمر بجهة محددة وفي موضوع معين وزمان محدد وفي مكان محدد وبأساليب واضحة. فمصادر القيم الوافدة كثيرة ومتنوعة وتطال جميع مناحي الحياة، وليس لها جدول زمني، بل تملأ كل الوقت وتطال كل الأمكنة والمجالات وتستعمل كل الوسائل ولا تحكمها قوانين وتستهدف الجميع. أخطر ما نواجهه في تدافع القيم هو الميوعة. ففي فترة ما يسمى بالحرب الباردة، كان الصراع الإيديولوجي هو المسيطر في مجال تدافع القيم، وكانت القيم الفكرية هي مركز هذا الصراع الذي تديره الدوائر السياسية، وكانت الميوعة مرتبطة بالأساس بالمعسكر الغربي ونتيجة انحلال خلقي. اليوم تلاشى الصراع الإيديولوجي وسيطرت القيم الغربية على ساحة القيم وأصبح مركز الصراع هو القيم النفعية الفردية الاستهلاكية، والذي يدير الصراع هو المقاولة الاقتصادية، وأصبحت الميوعة وسيلة للتسويق، فبعدما ارتبطت الميوعة بالانحراف الخلقي أصبحت اليوم وسيلة لتحقيق الأرباح. في استراتيجيات المقاومة وضعنا الراهن في ساحة تدافع القيم وضع المدافع والمقاوم على أرضه ومن خلال ردود الفعل، وأسلوب رد الفعل بطبيعته لا يكون عقلانيا. لقد تولدت عن هذه الوضعية أشكال مختلفة ومتنوعة من ردود الفعل العاطفية، تتراوح بين انهزامية تذهب إلى حد العمالة والتبرير والتلفيق ورفض يذهب إلى حد الانغلاق والتطرف والإرهاب الدموي. ومن جهة أخرى التركيز على معاكسة الفعل والاكتفاء بتقليد أساليب فعل الآخر: قناة تلفزية مقابل القناة وموقع إلكتروني مقابل الموقع الإلكتروني، وهكذا نجد جميع الصور إلى حد مقابلة النار بالنار والدم بالدم! وفي كل الأحوال يظل التطرف بنوعيه، الانهزامي والرافض، هما ما يطبع دينامية ردود الفعل، مما يشكل تحديا آخر في وجه الإصلاح. والتحدي الجديد أخطر من أي غزو قيمي، بما أنه يشكل انشغالا بالذات عن الموضوع وتبديدا للجهود. فما السبيل إلى الخروج من هذه الدوامة؟ ذلك ما سنحاول مقاربته في مقال آخر بحول الله .