ثمة مشاريع قانونية كبرى تشكل امتحانا للحكومة خلال السنة التشريعية الجديدة، يأتي في مقدمتها القانون المالي لسنة ,2011 الذي سيشرع مجلس النواب في دراسته في 20 أكتوبر المقبل على أكثر تقدير، ثم الإصلاح السياسي في أفق الانتخابات التشريعية ,2012 والتي حدد لها رئيس مجلس النواب عبد الواحد الراضي سنة واحدة للحسم فيها. وتتميز السنة التشريعية بكونها سنة انتخابية، ويتوقع غالبية المحللين أن تشهد صراعا سياسيا وحزبيا مفتوحا، قد يودي بالتضامن الحكومي ويربكه. القانون المالي: الامتحان الأول يتوقع أن يثير قانون المالية نقاشا قويا بين الأغلبية والمعارضة، بسبب السياسة التقشفية التي أعلن عنها وزير الاقتصاد والمالية، والتي من شأنها أن تنعكس سلبا على الفئات المعوزة والهشة. بالنسبة للحكومة تعتبر أن الأزمة عالمية، وبالتالي فالمغرب مثل باقي الدول ليس بمستطاعه الإفلات منها. في حين تؤاخذ المعارضة على الحكومة التأخر في الاعتراف بتداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الوطني، بل وحتى دون أن تعدّ له الحكومة كما ينبغي، مما يعني أن هناك سوء تقدير وتدبير. يقول نجيب بوليف أن الحكومة لم تكن تتوقع انخفاض مداخيل السياحة ومداخل العمال بالخارج ومداخيل الصادرات، وهذا أدى إلى أن المغرب سيواجه عجزا ماليا حقيقيا في .2011 ويضيف القيادي في العدالة والتنمية أن الحكومة ليس بيدها سوى تقليص المصاريف، وبالتالي إعلان برنامج للتقشف، قصد توفير ما بين 17 و18 مليار لمواجهة العجز المالي. لكن هذه السياسة التقشفية ستكون لها نتائج ليست بالهيّنة، خاصة على المستوى الاجتماعي. ذلك إن إعلان وزير الاقتصاد والمالية مثلا عن إمكانية تجميد الزيادة في الأجور خلال هذه السنة، فضلا عن التخفيض من ميزانية التسيير في الميزانيات القطاعية ما عدا في التعليم والصحة، سينعكس سلبا على مستوى التشغيل والتقليص من البطالة. كما أنها سياسة تنسف كل الوعود التي قدمتها الحكومة للمركزيات النقابية خلال الحوار الاجتماعي، وهي وضعية تنذر بسنة اجتماعية ساخنة حسب توقعات نجيب بوليف دائما، سببها الجوهري التدبير السيء للحكومة، والتوزيع غير العادل للثروات، وتهرب الأغنياء من الإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب. الإصلاح السياسي: الامتحان الثاني تتميز السنة التشريعية التي دشّن أشغالها الخطاب الملكي، بكونها سنة انتخابية، إذ خلالها ينتظر أن يحسم البرلمان يغرفتيه، في القانون الانتخابي، وتعديل قانون الأحزاب السياسية، والتقطيع الانتخابي. جوهر الامتحان الحكومي بخصوص هذه الملفات الثلاث هو هل سيدعم الإصلاح السياسي الديمقراطية في المغرب أم سيكرس سيناريو التراجعات التي بدأت منذ انتخابات 2007 على الأقل. وتعكس قضية الترحال السياسي أزمة وهشاشة الحقل السياسي المغرب، حيث سمح الترحال بتأسيس حزب سياسي من الرحل في ظرف وجيز جدا، بل ساهم في بعثرة المشهد السياسي على حدّ قول الوزير الأول عباس الفاسي في لقائه يوم الخميس الماضي مع برلمانيي حزبه. وطبقا لإحصاءات أعلن عبد الواحد الراضي أمام برلمانيي حزبه يوم الخميس الماضي كذلك، فإن مجلس النواب لوحده عرفت ظاهرة الترحال رقما قياسيا، بحيث غيّر 120 برلماني من أصل 325 هو عدد أعضاء المجلس مواقعهم الحزبية. وهو مؤشر يسيء إلى المؤسسة التشريعية من جهة، كما يكرس ضعف الثقة في مؤسسات الدولة، خاصة وأن التغييرات التي حدثت اتجه أغلبها نحو حزب بعينه هو فريق الأصالة والمعاصرة. الذي أفسد الحياة السياسية والحزبية. في هذا الإطار، فإن رهان الأحزاب السياسية والنخب النزيهة هو تدقيق المادة 5 من قانون الأحزاب السياسية، باتجاه تجريم الترحال السياسي أو اعتبار تغيير أي برلماني لموقعه سبب في فقدان أهليته للترشيح، أو مضاعفة الغرامة للبرلماني وللحزب الذي استقطبه أو رحب به بين صفوفه كما اقترحت خمسة أحزاب صغيرة في مذكرة أعلنت عنها يوم الخميس الماضي بالرباط. وتعد الأموال الحرام، وعدم حياد الإدارة، من الأسباب التي أساءت إلى الانتخابات والأحزاب، وإلى الديمقراطية المغربية في نهاية المطاف، ولذا مثلا يقترح بعض حزب العدالة والتنمية تخويل لجنة وطنية مستقلة الإشراف على الانتخابات، بدل وزارة الداخلية التي طعنت أكثر من جهة حزبية ومدنية في مصداقيتها ونزاهتها في الإشراف على الانتخابات أكثر من مرة. التضامن الحكومي: الامتحان الثالث يشكك الكثيرون في مدى صمود حكومة عباس الفاسي إلى نهاية ولايتها، أولا بسبب عدم تجانسها، وثانيا بسبب الضربات التي تتعرض لها، وتدفع بعض مكوناتها إلى المراهنة على أقطاب وهمية. يرى طارق أتلاثي، محلل سياسي، أن المرحلة السياسية المقبلة ستشهد صراعا قويا بين حزب الاستقلال والأصالة والمعاصرة، بسبب التحرشات التي يقوم بها هذا الأخير ضد حكومة عباس الفاسي، وقال أتلاثي من المرجح أن نشهد حربا شرسة بين الحزبين. وهي توقعات تجد تفسيرها في ما مضى بين الحزبين، وكذا فيما صرّح به الأمين العام لحزب الاستقلال عباس الفاسي أمام برلماني حزبه يوم الخميس الماضي، من أن حزب الاستقلال لن يصمت بعد اليوم، حتى لا يعطي الانطباع بأن ما يقوله الطرف الآخر هو الصواب. وإذا طارق اتلاثي يرى أن حزب الاستقلال له الإمكانيات أكبر من غيره لمواجهة الأصالة والمعاصرة، فهو يرى كذلك أن الصراع المقبل سيربك أكثر العمل الحكومي. خاصة وأن بعض مكونات الأغلبية الحالية توالي الأصالة والمعاصرة أكثر من الحكومة، وتراهن على ما موقعها فيما بعد ,2012 وهي رهانات سبق أن تحدث عنها الأمين العام للتجمع الوطني للأحرار، صلاح الدين مزوار، علانية في برنامج حوار على القناة الأولى. مما يعني أن التضامن الحكومي والحفاظ على الحد الأدنى من الانسجام سيكون امتحانا صعبا لعباس الفاسي وهو على حافة الانتخابات التشريعية المقبلة.