شهدت الأيام الأولى من تطبيق مدونة السير ارتفاعا لأسعار بعض المنتوجات وبالأخص الخضر والفواكه، وعزا بعض المهنيين السبب إلى بعض بنود المدونة المرتبطة بالحمولة القانونية المسموح بها والتي ألزمت سائقي الشاحنات إلى الالتزام تقريبا بنصف الحمولة التي اعتادوا على حملها ما قبل تطبيق مدونة السير، وهو ما يعني بشكل طبيعي زيادة أسعار النقل عن الكيلو غرام الواحد بالمقارنة مع الوضع السابق. أسعار الخضر والفواكه مهددة بمزيد من الارتفاع حسب ما أكده مهنيو هذا القطاع. وهو الأمر الذي سيكون له انعكاسات سلبية على القدرة الشرائية للمواطنين الذين بدؤوا يتحسسون آثار الأزمة. أمام هذا الوضع، تقع الحكومة اليوم أمام معادلة دقيقة تستدعي تقديم جواب متكامل يحمي من جهة القدرة الشرائية للمواطنين، ولا يسوغ من جهة ثانية خرق القانون وما ينتج عنه من تداعيات خطيرة على البنية التحيتة وكذا الأمن الطرقي، إذ من المؤكد أن تحميل الشاحنات أكثر من حمولتها القانونية يعرض الطرق إلى التخريب،ويتسبب في الكثير من الحوادث ، كما يهدم قواعد الأمن الطرقي. ما ينبغي أن يدخل في تقدير الحكومة السياسي ، هو أن المواطنين المغلوبين على أمرهم لا يهمها أن يتم الالتزام بالحمولة القانونية أم لا، بقدر ما يهمهم أن تبقى المعيشة في مستوياتها المقدور عليها، بل لا يدخل ضمن حسابهم العمليات المعقدة- ومن ضمنها عنصر النقل- التي تفضي إلى أن يكون لهذه البضاعة هذا السعر أو ذاك. ما يهمهم بدرجة أولى هو أن تكون المعيشة في مستوى يناسب قدرتها الشرائية. هذا لا يعني أن هذه الجماهير فاقدة لروح المواطنة ولا تريد أن تنخرط في إنجاح مدونة السير ومن ثمة المساهمة في تنظيم النقل الطرقي والتقليص من نسبة حوادث السير المرتفعة في المغرب، فهذه مشكلة الحكومة التي لم تستطع أن تضع جوابا سياسيا يجعل المواطنين ينخرطون بوعي وحماس في إنجاح هذا القانون دون أن يكون ذلك على حساب تهاوي قدرتهم الشرائية وإشعال لهيب الغلاء في أقواتهم والمواد ألأساسية التي يحتاجون إليها. بعبارة أخرى، إن الجهد الذي قضته الحكومة لتطبيق مدونة السير، وكل المسار الذي قطعته والحراك الاجتماعي الذي رافقها منذ أن كانت مجرد مشروع قانون معروض على البرلمان، كان يفترض أن لا يوجه فقط للتوعية والتحسيس ببنود المدونة وأهميتها في حماية الأمن الطرقي- وهو جهد مقدر وضروري- وبل كان المطلوب من باب أولى أن تهيئ الحكومة جوابها عن الوضعية التي سنتج عنه تطبيق القانون والآثار الاجتماعية التي سيخلفها حتى لا يرتبط في وعي المغاربة الغلاء بمدونة السير، فيصير المدخل الوحيد لديهم لمقاومة الغلاء هو محاربة مدونة السير ومن ثمة عدم الانخراط في إنجاحها. الجواب الذي كان يفترض من الحكومة أن تسهر على إعداده هو كيف تخرج مدونة السير إلى حيز التطبيق، وينخرط كل المواطنين إنجاحها دون أن يكون لذلك أي أثر سلبي على القدرة الشرائية للمواطنين. معادلة صعبة، تنجح الدول المتقدمة في تقديم جواب عنها من خلال امتيازات ضريبية أو تخفيف من كلفة المحروقات أو إخضاع السوق الرقابة صارمة لمنع المضاربين الذين يستغلون مثل هذه الظروف لتحقيق أرباح خيالية أو غيرها من الإجراءات التي لا يعدم أصحاب الاختصاص الوسيلة إلى إبداعها. لكن في حالة المغرب، فإن الذي يدفع الثمن هو الشعب وحده، وهو ما يكون له في الغالب آثار سلبية لا تنتهي فقط بإدانة النصوص القانونية، ولكنها تنتهي إلى أسوأ مما كان عليه الوضع السابق من الفوضى وحرب الطرق. الكرة اليوم في ملعب الحكومة، وهي وحدها المسؤولة عن التداعيات التي يمكن أن يؤول إليها ارتفاع الأسعار، وهي التي تتحمل وحدها مسؤولية عدم توفير الشروط المصاحبة لتطبيق هذا القانون، فإذا كانت قد نجحت في أن تجعل مدونة السير تخرج إلى حيز التطبيق، فالتحدي اليوم هو كيف تنجح في أن تحمي المواطن من التداعيات السلبية لتطبيق المدونة.