شهد ملف الصحراء المغربية منذ الإعلان عن التقرير الأخير لكوفي عنان يوم 19 فبراير 2002 والذي يشير إلى أسطورة التقسيم (المقترح الجزائري) تطورات متسارعة، جعلت القضية تزداد تشابكا وتأثيرا على العلاقات المغربية الجزائرية وعلى المنطقة عموما، خصوصا في ظل الحديث عن التورط الإسباني في المسألة.لاستجلاء حقيقة الوضع في المنطقة ومعرفة واقع العلاقة المغربية الإسبانية استضافت التجديد السيد محمد الأدريسي الرئيس الوطني للجمعية الإسبانية المغربية للصداقة والتعاون دكتور دولة في الاقتصاد ويحضر دكتوراه أخرى في العلوم السياسية فكان لنا معه الحوار التالي:. - طرح خيار التقسيم كخيار من الخيارات لحل قضية الصحراء المغربية وهو ما تقدم به كوفي عنان في تقريره الأخير، كيف ترون هذا الأمر؟ -- ما طرح أمر خطير، فنحن تربينا منذ صغرنا وتعلمنا بأن حدود المغرب الجنوبية تمتد إلى نهر السنغال، فكيف نقبل الآن ما يسمى التقسيم، إن هذا أمر لا يمكن أن يقبل به أحد، والذين حملوا السلاح وطردوا المستعمر لم يفعلوا ذلك من أجل التقسيم مع الجيران أو مع أي كان، بل لتحرير البلاد. لا يعقل أن يأتي من كان ويقول بتقسيم الأرض المغربية ،وإلا لماذا لا نقسم فرنسا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية. فهناك الآن مشكلة كورسيكا بالنسبة لفرنسا لماذا لا نقسمها هي الأخرى، إنه أمر غير مقبول إطلاقا. - إن الاقتراح الذي نتحدث عنه هو اقتراح جزائري، ترى ما خلفياته؟ -- النظام الجزائري مع الأسف الشديد يكن للنظام المغربي كراهية لا مثيل لها، وهذا مع العلم أن النظام الجزائري به أناس تربوا عندنا ودرسوا عندنا وساعدناهم ووظفناهم، وبعد سنة من استقلال بلادهم هجموا على المغرب في سنة 1963، وهنا ينطبق عليهم القول المشهور اتق شر من أحسنت إليه، فحربهم هذه قاموا بها ضدنا قبل أن يبنوا الركائز الأساسية لكيان دولتهم. - ومع ذلك هناك خلفيات؟ -- بالفعل هناك صراع إيديولوجي، وهناك كذلك عامل آخر يمكن أن يكون مصدر قلق للجزائر يتمثل في الخيرات التي حبا الله تعالى بها المغرب، فقد حباه الله تعالى ببحرين وهذه نقطة شكلت للجزائر في العقود الأخيرة مركب نقص، وحقد على المغرب، مع العلم أننا كنا نعتقد ونحن إخوة أن أرضنا هي أرضهم وبحرنا هو بحرهم، الجزائر تأبى إلا أن تعمل على خلق كيان موهوم تستعمله ضد المغرب كي تكون لهما بوابة على المحيط الأطلسي. لكن نحن نعتقد أنه في إطار المحبة المتبادلة والاحترام المتبادل يمكن أن نعطي للجزائر هذه البوابة دون أن تظن أنها قد تفرض ذلك علينا فرضا. مؤخرا كنت في العيون واتصلت مع مجموعة من المغاربة الذين رجعوا إلى وطنهم بناءا على نداء الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله -الوطن غفور رحيم< فقلت لهم كيف ترون خيار التقسيم فاستغربوا الأمر. - ونحن أيضا نستغرب الأمر ونستغرب مع ذلك قبول الولاياتالمتحدة هذا المقترح؟ -- الولاياتالمتحدة ليس لها أصدقاء، ولكن لها مصالح، والجزائر بها الغاز والبترول ولذلك فالولاياتالمتحدةالأمريكية لا صديق لها، ولكن أينما كانت مصلحتها فهي هناك موجودة. - هل يفهم أن تمسك المغرب بفرنسا كان يوازيه تمسك الجزائر بأمريكا؟ -- لا، فأنا أعتقد أن تمسك المغرب بفرنسا أي في اتجاه واحد وتطوير علاقاته لها في اتجاه واحد يعتبر خطأ سياسيا، لأن المغرب وجد منذ ما يفوق 1400 سنة وكان دائما وأبدا يطور علاقاته مع جميع البلدان وليس في اتجاه واحد، وإنما يجب أن تكون علاقاته متوازنة مع كل البلدان وهذا أعتقد ما يضمن له الاحترام والاعتبار لدى جميع الدول، ولا ننسى من جانب آخر أن المغرب كان من أول الدول التي اعترفت باستقلال الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبالتالي فالذين يسعون لتكون علاقتنا في اتجاه واحد هم مخطئون من الناحية السياسية. - أين تكمن أخطار المقترح الجزائري؟ -- هذا المقترح يسعى إلى تأزيم وإذكاء روح التوتر بشمال إفريقيا عموما وتفكيك أواصر الشعب المغربي. - ألا يكون حرص الجزائر على منفذ على المحيط هو مبرر رعايتها لكيان البوليزاريو؟ -- البوليزاريو لا وجود له إطلاقا، وهذا بشهادة أهل الصحراء وسكانها. الوجود الآن هو لما يسمى بالجنرالات الجزائريين فهم من يتحكم الآن في الأمر، فأصبح أعضاء البوليزاريو موظفين عند الحكومة الجزائرية. وأكيد أن هؤلاء يسهرون على بقاء الوضع كما هو لأنهم يستفيدون ولأنه متى تسوت القضية ضاعت منهم هذه الامتيازات. بل إن الجزائريين أنفسهم في صالحهم هذا المقترح لأنه يطيل من عمر الأزمة وذلك بتوجيه الأنظار الداخلية نحو الخارج. وهذا منهج أغلب دول العالم الثالث عندما يشتد الضغط الداخلي تحرص حكومة البلد المعني على خلق محطات اهتمام خارجية لتوجيه الرأي العام الداخلي نحو ذلك. - وماذا عن وضعية الأسرى المحتجزين بتندوف؟ -- هذه من الأشياء التي تعتبر بحق وصمة عار في جبين مجلس الأمن، فلو كان هذا الأخير جادا في تعامله معه القضايا السياسية المعروضة ويحترم نفسه ويحترم الدول التي يمثلها لانصب على معالجة هذا المشكل وفرض على قيادة ما يسمى البوليزاريو أو على موظفي الجزائر أن يطلقوا سراح الأسرى المغاربة المحتجزين عندهم وقد قضوا ما يفوق 24 سنة من الحجز والأسر، فأين إذا مجلس الأمن؟ - جاء التصعيد الجزائري متزامنا مع التأزم الواضح في العلاقات بين المغرب وإسبانيا، هل هناك موقف تنسيقي بين الموقفين؟ -- أنا في اعتقادي الشخصي ليس هناك أزمة بين المغرب وإسبانيا والإشكال يتجلى في عدم التواصل بين البلدين، يعني على المتحاورين الإسبان والمغاربة عجزوا عن يفهم بعضهم البعض إما عن قصد أو عن عجز فعلا. وثانيا أنا أرى الإشكال بعين أخرى، فأقول إننا الآن نسمع أصوات العديد ممن يعادي المغرب وهم قلة قليلة، لكن هناك أصدقاء كثيرون للمغرب بإسبانيا. والسؤال هو لماذا لم يتحركوا؟ هم لم يتحركوا فقط لأننا نحن عجزنا عن تحريكهم وهذه مهمة من مهام جاليتنا بإسبانيا. ولو حركناهم لتحرك معهم أصدقاء كثيرون للمغرب، وهنا أتساءل ما مهام التمثيليات الدبلوماسية الآن في القرن 21. ما مهام السفير هناك؟ أعتقد أن مهامه ليس في أن يغلق عليه بابه وينتظر من يطرقه عليه بسبب مشكل عنده في جواز السفر أو غير ذلك من الأمور العادية.. إن مهمة ذلك العدد الوافر من الدبلوماسية المغربية بإسبانيا من مسؤولين وملحقين.. إنما هي الخروج من مقرات عملهم وربط علاقات مع الشعب والمجتمع المدني وأن يفهموهم قضية الصحراء. أليس من العيب كمثال أن تنشغل الداخلية السابقة لمدة 25 سنة وهي تحاول أن تقنع المغاربة بأن الصحراء مغربية بدل أن تتوجه الدبلوماسية إلى الخارج بما لدينا من وثائق وأحكام لحكم محكمة لاهاي وغيرها.. لإقناع هؤلاء الأصدقاء بمغربية الصحراء. وهنا أكرر أن الذين يتحركون الآن داخل إسبانيا هم أعداء المغرب برغم أنهم قلة قليلة. فلابد من تغيير مفهوم التمثيل الدبلوماسي رأسا على عقب. على السفير أن يربط علاقات مع المجتمع المدني، والان هذا الأخير هو من يتحرك عالميا. وحين نحتاج هذا المجتمع المدني فإنه سيدافع عنا أولا لأننا أصحاب حق وثانيا لصداقتنا معه واطمئنانه لحسن علاقتنا به. - كيف ترون مستقبل وحدتنا الترابية في حالة ما إذا قررت الأممالمتحدة الانسحاب من القضية؟ -- نحن في أرضنا والصحراء أرضنا. مثل الداخلةوالعيون في ذلك مثل الرباط وفاس ومتى قررت الأممالمتحدة ذلك فليكن ولا يهمنا في شيء، ومن قال إن الصحراء غير مغربية فهو كاذب. ونحن نقول إن المغرب و في كل الأوقات يرحب بعودة أبنائه المغرر بهم إلى أرضهم ووطنهم وأهلهم - العلاقات المغاربية الإسبانية على ضوء تطورات قضية الصحراء وسبتة ومليلية والهجرة السرية والتهريب وغيرها.. كيف تقيمون ذلك؟ -- التهريب فعلا أمر موجود وعلى مداخيله يعيش قوم كثيرون بالمنطقة، ولو كانت السياسة الرسمية السابقة مصرة على وقفه لأوقفته، ثم من ناحية سياسية كيف يوقف هذا السلوك ومشروع الفنيدق كمنطقة حرة لم يتم لحد الآن، فإذا هل يموت السكان من الجوع؟ وعلى العموم فليس في السياسة مستحيل، علينا أن نتعاون ونتحاور. وانظر الآن إلي الشارع الإسباني، إنك تعجز عن تمييز المغربي من الإسباني، وعليه أعود للقول إن علي الدبلوماسية المغربية تحري أصدقاء المغرب بإسبانيا وخذ مثالا لذلك آخر محاضرة قمت بها بإسبانيا حول القضية الفلسطينية، حيث شعرت لما انتهيت من إلقائها أن القاعة كلها ضد العرب والفلسطينيين، فما كان لي في آخر المحاضرة إلا أن توجهت بسؤال للحاضرين مفاده هل يقبل الإسبان بعودة كل مسلمي العالم إلى أرض أجدادهم الأندلس ويخرجوا من فيها. حاولت من خلال هذا السؤال إضفاء صبغة المواطنة الفلسطينية علي الفلسطينيين قبل التطرق لهويتهم الإسلامية وبذلك لاحظت انشراحا وتفهما من العديد من الحاضرين لأوضاع الفلسطينيين، إنه الحوار ولابد من الحوار. - هنا بالضبط ما مرد غياب هذا الحوار الذي نتحدث عنه؟ -- طبعا، ضعف المجتمع المدني ببلادنا مرده للضعف المادي فأنا لا أستطيع أن أتحرك من مالي الخاص فحينما يكون الدعم وقتها يكون لي متنفس مادي. وأحيانا كثيرة لا أملك ما يكفيني ماديا للسفر، ومثال على ذلك عندما طالبنا مساعدة مادية بشأن تأسيس فرع للجمعية بمدينة العيون قوبل طلبنا بالرفض. وللإشارة فهناك مكاتب وفروع للجمعية ستفتح في العديد من المدن الإسبانية بمدريد وكرانادا وبرشلونة ومالاكا.. وهذا أمر يقتضي مالا ومالا وفيرا. نحن في المغرب في إطار المجتمع المدني لنا طاقات فكرية ولكن نعاني جميعا من العوز المادي المعيق لتحركاتنا وأنشطتنا. - وماذا عن الجالية المغربية بإسبانيا؟ -- الجالية المغربية بإسبانيا مدعوة لتنظيم نفسها، ولكن من خارج إطار الداخلية، وفي استقلال تام عن الإدارة المغربية أو الإسبانية لأنها هي التي تعيش بإسبانيا وهي من يدرك أكثر كيفية التعامل مع مشاكلها والدفاع عن حقوقها. فقط يجب أن تتوفر على برامج ومخططات واستراتيجية للدفاع عن حقوقها ومغربيتها، ثم من ناحية أخرى أؤكد أن الجالية المغربية إذا نظمت نفسها وأعطت المثال علي المواطنة بدون أن تندمج في الآخر، لأن الاندماج ليس ضرورة وتحافظ على هويتها العربية والإسلامية، والاحترام المتبادل واحترام الآخر كذلك لأن النقد الذاتي لنا جميعا أمر مطلوب دائما فإن ذلك سيسهل وضعها وسيفرض على الآخر احترامها. ومع وجود قلة من العنصرين في إسبانيا أوكد أن الشعب الإسباني عموما ليس عنصريا إطلاقا بخلاف شعوب أخرى ربما في أوروبا نفسها. حاوره: أحمد الوجدي عبد الرحمان الخالدي