وهو يقوم بثاني زيارة لبابا الفاتكان ببريطانيا العظمى، معقل الديانة الأنجليكانية، منذ انفصال بريطانيا عن الفاتكان، في القرن السادس عشر على عهد الملك هنري الثامن، وقيام الكنيسة الأنجليكانية في بلاد الإنجليز، بعد زيارة سلفه جون- بول الثاني في سنة ,1982 كان البابا بنديكت السادس عشر يعلم أن زيارته سوف تقابل بكثير من الاحتجاجات من طرف التيارات الإلحادية الكثيرة في بريطانيا، وجماعات الشذوذ الجنسي التي ترى في الدين سببا رئيسيا لرفض التطبيع معها، وكذلك من طرف البروتستانت الإنجليكان، الذين يأخذون عليه الليونة المفرطة، التي تعامل بها مع قساوسة كنيسته المعتدين جنسيا على الأطفال. ولكنه، إلى جانب ذلك، كان يعلم أن الكنيستين معا؛ الإنجليكانية والكاثوليكية، تمران من أزمة صعبة وتعانيان من نفس الأزمة: الفراغ الروحي واللاتدين في أغلب دول أوروربا على الخصوص، وفي أغلب دول العالم المسيحي، تبعا لذلك. ولذلك، فقد استغل لقاءه في قصر ويستميستر مع نخبة من المثقفين البريطانيين، ومن بينهم عدد من الوزراء الأولين السابقين، وخصوصا منهم طوني بلير ومارغاريت تاتشر، الذين تحولا من الأنجليكانية إلى الكاثوليكية، ليعيد إثارة نفس المواضيع التي ظلت في بؤرة خطبه، في كل الدول التي زارها، والتي (خطبه) تتركز حول: البعد الأخلاقي الذي يجلبه التدين للحياة العامة، فعندما تطرق إلى الأزمة الاقتصادية والمالية، التي أغرقت الدول الكبرى منذ سنة، ولا زالت تغرقها، انتقد عدم ملاءمة الحلول البراغماتية على المدى القصير، لمواجهة المشاكل الاجتماعية والأخلاقية المعقدة، مؤكدا على أن الدين والتدين من شأنهما أن يشكلا بعدا إصلاحيا وأن يساعدا على تنقية وتطهير العقول، مع أنه اعترف بكون البعد الإصلاحي ليس دائما مرحبا به، وذلك بسبب أن بعض أنماط التدين المنحرفة، مثل الطائفية والتعصب يمكن أن يجعلا الناس ينظرون إلى الدين على أنه سبب مشاكل اجتماعية أكبر. الخطاب البابوي دال في فهم أبعاد التحديات الدينية التي تواجهها أوروبا وعجز الخطاب العلماني عن الاستجابة لها، كما أنه دال في استيعاب المخاض المسيحي الحاد والناجم من جهة عن ما أسماه البابا تنامي تهميش الدين، وخصوصا المسيحي، وذلك حتى في الدول التي تؤكد بقوة على التسامح وحرية العقيدة. فهناك من يناضلون من أجل خنق صوت الدين، أو على الأقل تحجيمه وقصره على الدائرة الفردية للمتدين، وهناك من يدعون إلى الكف عن تشجيع الاحتفالات الدينية، بما فيها أعياد الميلاد؛ محتجين بأن من شأن ذلك أن يجرح شعور أتباع ديانات أخرى أو من لا ديانة لهم، ثم المنبثق ثانيا عن تنامي الديانات الأخرى وخاصة منها الإسلام والذي أصبح يمثل ثاني دين في أوربا بقاعدة ديموغرافية تقترب نحو العشرين مليونا. ناقوس الخطر الذي عمل البابا على أن يقرعه أمام المسيحيين بكل طوائفهم، لم يكن ليكون لولا انهيار القيم الدينية لدى أتباع الكنيستين المسيحيتين معا، بل لدى أتباع كل الطوائف المسيحية، وهو ما أدى إلى انهيار أخلاقي على كل المستويات، يرى البابا أنه من أهم أسباب الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها العالم، من تفكك أسري، بل وانقراض خلية الأسرة في الكثير من المجتمعات مما أدى إلى كوارث اجتماعية، مثل الشذوذ وانتشار البغاء، وكوارث اقتصادية مثل استغلال الأغنياء الأقوياء للفقراء الضعفاء. وإثارة الحروب الطاحنة بين الشعوب، بل وبين أفراد الشعب الواحد لمجرد بيع الأسلحة وكسب الأموال بالباطل على حساب الأرواح البريئة. ومع ذلك، لازلنا نجد من يدعو إلى اتباع الغرب، ودخول جحر الضب الذي دخله.