إن نص علال الفاسي زاخر بالعديد من المفردات التي تفيد بأن هاجس الاستقرار السياسي كان يسكن فكر الرجل، ويتحكم في اجتهاداته السياسية، فهو حينما يقترح النظام البرلماني فهو يستحضر تجارب الفتن التي ترجمت مظاهر الصراع على رأس السلطة في التاريخ المغربي وبما أن تاريخنا مليء بالعبر فمن الواجب أن لا نهمل الاستفادة منها، لذلك فإن علال الفاسي يرى من الضروري إعطاء العرش وصاحبه القيمة الحقيقية التي يقتضيها العهد الجديد، وإبعاد كل العوامل التي تزيل عنه صفة الاستقرار وحفظ التوازن الصحيح بين أفراد الأمة وطبقاتها وهيئاتها وهوما يستوجب قبل كل شيء في تقديره النظر إلى صاحب العرش جلالة الملك كشخصية فوق كل الأحزاب وسائر الاعتبارات السياسية التي يمكن أن يناقش فيها الرأي العام، بصفته الحارس الأمين لسير السلطة وأعمالها، ويجب أن تكون من حوله صوفية الاستقرار الحكومي والوعي الوطني والاستمرار الوجودي للسلطة. إن من أهم الوظائف التي يمكن أن يقوم بها الملك في ظل النظام البرلماني هو المساهمة في تحقيق الاستقرار السياسي، باعتباره الحارس الأمين لسير السلطة وأعمالها، وبالنظر إلى موقعه الرمزي كشخصية فوق كل الأحزاب. وسائر الاعتبارات السياسية، فالأحزاب السياسية تتنافس فيما بينها من أجل الحصول على السلطة وتدبير الشأن العام انطلاقا من اختيارات معينة، وهوما يؤدي بها إلى الدخول في مسلسل من الصراعات السياسية المتواصلة، بينما وظيفة الملك الأساسية هي حماية السلطة ومساءلة من يديرونها، دون تحمل المسؤولية المباشرة في إدارتها، والنأي بنفسه عن الدخول في التدبير اليومي للسياسة، الذي يتطلب بطبيعته المراقبة والمساءلة وهو سبب كل ما جرى في وطننا من اضطرابات بحيث كان الملك مسؤولا مباشرة أمام الشعب، وذلك ما أحدث في بلادنا الكثير من الثورات التي كان يمكن الاحتراز عنها لوأن الوزارة المغربية أخذت صبغتها الديموقراطية فبدأت تتحمل هي مسؤولية أعمالها. بهذا التصور دافع علال الفاسي على منظوره السياسي واعتبر بأن الديموقراطية المغربية يجب أن تقوم على أساس النظام البرلماني في مرحلة لم تتضح فيها معالم المشروع السياسي عند الحركة الوطنية، وهوما جعل مرحلة ما بعد الاستقلال مفتوحة على كافة الاحتمالات، وقابلة لإعادة النظر في الكثير من الأطرحات السابقة، وهو الأمر الذي لم يستبعده علال الفاسي منذ البداية، بحيث ينبه إلى ضرورة المرونة الشديدة في التفكير السياسي لأن مسائلهُ كلها قابلة للتطور والتبدل وليست إلا تجارب إنسانية يقصد منها قبل كل شيء إسعاد الجماعة بتحسين حالها والمحافظة لها على تراثها..، وهو بذلك ظل وفيا لأدوات الفقه السياسي الإسلامي التي ترى بأن قضايا الحكم والإمامة ليست محسومة بالنص، ومساحة الفراغ التشريعي فيها واسعة، بحيث إن السياسة في تعريفهم هي ما كان الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد ولو لم ينزل به وحي ولا نطق به رسول بتعبير ابن عقيل الحنبلي، أو القيام بوظيفة حماية الدين وحفظ مصالح المسلمين بتعبير أبي الحسن الماوردي. فحفظ مصالح المسلمين هي التي يعبر عليها علال الفاسي بإسعاد الجماعة بتحسين حالها أما حفظ الدين فهو الذي يرمز إليه بالمحافظة على تراث الجماعة، وأهم ما في التراث عنصر الدين الذي يعتبره علال الفاسي مسألة المسائل في العالم (..) والفكرة المالكة لكل الشؤون؟