ما حصل في العيون المغربية من استفزاز مدني إسباني يقدم مؤشرات تنذر بأزمة جديدة مغربية إسبانية، تكشف عن هشاشة تجاوز الأزمة الأخيرة، وعن فشل الحلول الجزئية والترقيعية في بناء علاقات قائمة على الاحترام والتعايش الإيجابي، كما ستقدم مؤشرا جديدا حول ازدواجية الموقف الإسباني ومنطق المعايير المزدوجة، الذي يحكمه في التعامل مع المغرب، والذي برز في لغة الخارجية الإسبانية الحادة في مساءلة المغرب، وهي اللغة التي رفضتها في حالة اعتداء الشرطة الإسبانية على المغاربة في الحدود مع المدينتين المحتلتين، وذلك على الرغم من الفارق الشاسع بين الحالتين، ففي الأولى هذا خرق متعمد للقانون المغربي، وإعلان صريح عن مساندة حركة انفصالية من داخل التراب المغربي، أما في الحالة الثانية فإن خرق القانون حصل من قبل الشرطة الإسبانية، التي لم تحترم المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان. ما وقع في العيون يتجاوز الاستفزازات التقليدية المعروفة عند قطاع من المجتمع المدني الإسباني، والتي كانت تتجلى في جمع التبرعات وتنظيم التجمعات المساندة، واستضافة الأطفال الصحراويين وتعبئتهم وبرمجة حملات خاصة للضغط على الحكومات الإسبانية، أو استهداف بعض الاتفاقيات المغربية الأوربية؛ كاتفاقية الصيد البحري، من أجل استثناء الصحراء، دون نسيان المواكبة الإعلامية المنحازة. إلا أن ما وقع نهاية الأسبوع الماضي، يعد تطورا خطيرا، إذ يعكس تصميما على تحدي السيادة المغربية والانتقال إلى مرحلة متقدمة من الدعم المباشر والميداني للبوليساريو، والإصرار على عدم احترام القانون المغربي ورفض التعامل مع مؤسساته وتهديد صريح للأمن العام، وذلك بتزامن مع صدور تقرير أمني استراتيجي إسباني يكشف عن الهوس الإسباني بموضوع مستقبل المدينتين المحتلتين والتأكيد على أن الخيار العسكري للدفاع عن الوجود الاستعماري بهما، وتحول ذلك لمكون حيوي في العقيدة العسكرية الإسبانية. وهذا الانشغال المزدوج بكل من قضيتي الصحراء والمدينتين المحتلتين، يكشف أن كلا من القضيتين هما وجهان لعملة واحدة، وأن ما يقع في الأولى ينعكس على الثانية، والعكس بالعكس، بحيث أن كل حركية مغربية على مستوى المدينتين المحتلتين تقابلها حركية إسبانية على مستوى الصحراء المغربية، لتصبح هذه الأخيرة أداة استنزاف وإشغال وإرباك للمغرب، تعوقه عن العمل على تصفية الوجود الاستعماري في شماله. ما سبق يقتضي من النخب الوطنية السياسية والثقافية والاقتصادية، وكذا الفاعلين في صناعة القرار الخارجي ببلادنا، الانخراط في تفكير عميق واستراتيجي حول العلاقة بين المغرب وإسبانيا، ونعتقد أن الدعوة لحوار استراتيجي بين البلدين أمر ملح ومستعجل، وفي الوقت نفسه الإعلان عن إجراءات جدية لاحتواء المشكلات السابقة المرتبطة بافتعال توترات مع المغرب في قضية الصحراء. ويمكن البدء بفرض تأشيرة الدخول إلى المغرب على الإسبان، كما ينبغي الاشتغال على حل جذري لأزمة الديبلوماسية العامة المغربية في المجال الإسباني، وبحث سبل الإدماج الفعال لأزيد من 400 ألف مغربي مقيم في إسباني، فضلا عن المصالح الاقتصادية الإسبانية المتنامية في المغرب. إن قدر المغرب وإسبانيا هو التعايش الإيجابي القائم على الاحترام، والذي ما زلنا نلحظ أن جزءا من الجار الإسباني عاجز عن تمثله، بسبب بقاءه أسير عقلية استعمارية مرفوضة ومدانة، إلا أن بناء هذا التعايش يتطلب استراتيجية واضحة من المغرب؛ تنطلق أولا من فرض احترامه وصيانة كرامة أبناءه والدفاع عن سيادته، وهذا لن يتم في غياب حزم حقيقي وليس مؤقت وعابر.